بكين 24 فبراير 2025 (شينخوا) من تحسين خدمات التكنولوجيا المالية وتطوير التجارة الإلكترونية وبناء البنية التحتية الرقمية إلى تحسين بيئة الابتكار الرقمي وريادة الأعمال وتحديث القوانين واللوائح المتعلقة بحماية البيانات، اتخذت الدول العربية خلال السنوات الأخيرة خطوات حثيثة لتعزيز تطوير التكنولوجيا الرقمية، مما جعل التحول الرقمي محركا رئيسيا للنمو الاقتصادي في المنطقة.

في هذا الصدد، شهد التعاون الصيني-العربي في مجال الاقتصاد الرقمي تطورا ملحوظا، حيث دخلت العديد من شركات التكنولوجيا الصينية الأسواق العربية وأقامت شراكات عملية مع دول المنطقة. ومع تزايد أهمية الاقتصاد الرقمي، بات يشكل ركيزة أساسية في التعاون الصيني العربي، مما يجعله نقطة نمو جديدة واتجاها واعدا لتحسين العلاقات بين الجانبين.

-- التحول الرقمي يعيد تشكيل أنماط التنمية

تسعى الدول العربية إلى تسريع تبني أحدث التقنيات مثل البيانات الضخمة، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، وسلسلة الكتل، بهدف إعادة تشكيل أنماط التنمية الاقتصادية من خلال البناء الرقمي.

وقد عملت العديد من الإستراتيجيات الوطنية، مثل "رؤية السعودية 2030"، و"إستراتيجية مصر الرقمية"، و"رؤية الكويت الوطنية 2035"، على إدراج الاقتصاد الرقمي كأحد الأهداف التنموية ذات الأولوية. وفي خطوة تعكس التوجه الإقليمي نحو هذا المجال، وقعت جامعة الدول العربية مذكرة تفاهم مع منظمة التعاون الرقمي في سبتمبر 2024، للعمل معا على تعزيز النمو الاقتصادي الرقمي الشامل والمستدام.

وتصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة قائمة دول المنطقة في مؤشر الاقتصاد الرقمي العربي لعام 2024 الصادر عن الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي. وفي الوقت الحاضر، أطلقت الإمارات أول شبكة تجارية وطنية 5G-A في العالم، كما أطلقت أول نظام عالمي لاسترداد ضريبة القيمة المضافة للتسوق الالكتروني للسياح. وأعلنت جمارك دبي عن منصة رقمية جديدة تستخدم تقنية الأقمار الصناعية لتتبع حركة مركبات الشحن والبضائع على مدار الساعة، ما يحسن كفاءة التخليص الجمركي وأمن سلاسل التوريد.

أما البحرين، فقد كانت من أوائل دول المنطقة في تعزيز تكنولوجيا الاتصالات التجارية 5G وصياغة سياسات داعمة للحوسبة السحابية. وتبنت الحكومة سياسة "السحابة أولا" لتعزيز تعميم خدمات الحوسبة السحابية في المؤسسات الوطنية، إلى جانب استقطاب شركات التكنولوجيا العالمية للاستثمار والاستقرار في البلاد ومواصلة بناء مراكز إقليمية للابتكار الرقمي. وبحسب بيانات المركز الخليجي للإحصاء لعام 2024، تحتل البحرين أحد المراكز الثلاثة الأولى بين الدول العربية من حيث مستوى البنية التحتية الرقمية.

وفي تونس، لعب النمو المتسارع للاقتصاد الرقمي دورا محوريا في خلق عدد كبير من الوظائف وتعزيز القدرة التنافسية للشركات المحلية عالميا. ومع نهاية العام الماضي، أصدرت الحكومة التونسية تراخيص تجارية لشبكة الجيل الخامس 5G لثلاثة مشغلي اتصالات استعدادا لإطلاق الخدمة رسميا في المستقبل القريب. كما أعلنت وزارة الصحة التونسية مؤخرا عن إطلاق منصة رقمية متخصصة في إدارة الأدوية والمنتجات الصحية، تهدف إلى تبسيط العمليات الإدارية مثل إصدار تراخيص البيع وتحسين إمكانية تتبع الأدوية وتقديم الخدمات الإدارية ذات الصلة عبر الإنترنت للمواطنين.

وبهذا، بات التحول الرقمي يمثل ركيزة أساسية في بناء شراكات فاعلة بين الحكومات وقطاعات الأعمال، كما يسهم في تقديم خدمات إدارية متقدمة للشركات والمقيمين، ويضخ زخما أكبر في تنمية دول الشرق الأوسط.

-- التعاون الرقمي مع الصين يفتح آفاقا جديدة

في المعرض السعودي للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات 2025 الذي أقيم مؤخرا، أعلنت شركة ((تينسنت)) الصينية عن خطتها للاستثمار في بناء أول مركز بيانات لها في الشرق الأوسط بالمملكة العربية السعودية. وسيعتمد المركز على نمط منطقة التوافر المزدوجة حيث يتيح تقديم خدمات سحابية متطورة تشمل الحوسبة المرنة والتخزين والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، مما يساعد الشركات والمنظمات في المنطقة على تحقيق التحول الرقمي. وأكدت ((تينسنت)) أنها تعتزم مواصلة الاستثمار في الشرق الأوسط في المستقبل وفقا لاحتياجات الابتكار الصناعي المحلي لتعزيز تطور التكنولوجيا الرقمية في المنطقة.

من إطلاق العقدة السحابية العامة لشركة ((هواوي)) في القاهرة، وتوزيع الطائرات المسيرة في دبي، إلى البدء الرسمي لمركز بيانات (Desert Dragon) في السعودية... تعاونت الصين مع الدول العربية لتنفيذ عدد من مشاريع الاقتصاد الرقمي. وفي سبتمبر 2024، وقعت ((هواوي)) رسميا مذكرة تفاهم مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي من أجل تعميق التعاون في تدريب الكوادر المتخصصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعي، مما يسهم في تطوير المواهب الرقمية السعودية.

وقال الشيخ حميد بن سعود بن راشد المعلا، رئيس مكتب حاكم أم القيوين في الإمارات إن الدول العربية والصين تواصل تعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتكنولوجيا الخضراء والرعاية الصحية، مشيرا إلى أن نتائج هذا التعاون ستفيد المزيد من الناس.

فيما يرى شيوه مينغ، الباحث في معهد الاقتصاد الهيكلي الجديد بجامعة بكين، أنه في الوقت الحالي الذي يشهد فيه المشهد العالمي تغييرات عميقة، تتمتع الصين ودول الشرق الأوسط بآفاق واسعة للتعاون في التكنولوجيا الرقمية وغيرها من المجالات. وعبر تعميق التعاون الرقمي، يمكن للشركات الصينية الاندماج بشكل أفضل في الأسواق الناشئة ومساعدة دول الشرق الأوسط على تحقيق قفزة رقمية.

وفي الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي، الذي عُقد في مايو 2024، تم اقتراح خطة جديدة تهدف إلى تسريع بناء مجتمع صيني عربي ذي مستقبل مشترك، في حين اُعتبر التعاون في مجال الابتكار العلمي والتكنولوجي مثل الذكاء الاصطناعي أولوية قصوى. ويعكس هذا التوجه أهمية التعاون الابتكاري في مجالات التكنولوجيا الفائقة، مما يجعله نقطة نمو جديدة للتعاون الصيني العربي واتجاها واعدا لتحسين العلاقات بين الجانبين.

وأشار دينغ لونغ، الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، إلى أن الصين، التي حققت تقدما تكنولوجيا سريعا، أصبحت قوة مهمة في مجال الذكاء الاصطناعي عالميا، وهي منفتحة على التعاون الدولي. حاليا، تعمل الدول العربية على تعزيز تحولها الاقتصادي التاريخي، حيث أصبح تطوير التكنولوجيا الفائقة مثل الذكاء الاصطناعي عنصرا محوريا في هذا التحول.

وضمن هذا التوجه، تتمتع صناديق الثروة السيادية العربية وشركات النفط المملوكة للدولة برأسمال قوي إلى جانب رغبة متزايدة في الاستثمار في القطاعات الإنتاجية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي.

ويشكل التكامل بين التمويل العربي والتكنولوجيا الصينية فرصة لإمكانية تحقيق اختراقات كبرى في المجالات المتطورة والتقنيات الرئيسية، ما يستدعي تعزيز تنويع الاستثمارات، وجذب الشركات الناشئة وشركات "يونيكورن" من كلا الجانبين للمشاركة في هذا التعاون الواعد.