arabic.china.org.cn | 15. 01. 2025 |
بقلم: الأستاذ يوان وو*
15 يناير 2025 / شبكة الصين / طالبت تشاد، بوصفها "الحليف الأكثر موثوقية لفرنسا في أفريقيا"، بانسحاب القوات الفرنسية من أراضيها في نوفمبر الماضي. وطالب رئيسا ساحل العاج والسنغال أثناء إلقائهما كلمتين بمناسبة حلول السنة الجديدة كل على حدة بسحب فرنسا قواتها من بلديهما. وفي السنوات الأخيرة، طردت عدة دول أفريقة، وسُمي أغلبها بـ"الدول الصديقة" لفرنسا في القارة السمراء، قوات الأخيرة من أراضيها. وردا على ذلك، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن بلاده تساعد الدول الأفريقية على مكافحة الإرهاب، ولكن الأخيرة لم تكن ممتنة. وقد أثار هذا التصريح مزيدا من استياء الدول الأفريقية، وتسبب في تدهور العلاقات الفرنسية الأفريقية.
ورغم أن المستعمرات الفرنسية أعلنت استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، ظلت فرنسا تنظر إلى الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية على أنها ركائز لحفظ مكانتها بوصفها دولة كبرى، وتعمل على تعزيز سيطرتها على هذه الدول عبر أساليب مختلفة، ولذلك، أبقت وجودها العسكري في أفريقيا، حيث أنشأت علاقات "التعاون الأمني" التي تشمل معاهدات الدفاع والاتفاقيات بشأن التقنيات العسكرية والمساعدات والتدريبات العسكرية والقواعد العسكرية وتصدير الأسلحة، مع الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية. وبعد انتهاء الحرب الباردة، كانت فرنسا قد خفضت عدد جنودها في أفريقيا، ولكن عززت وجودها العسكري في القارة السمراء بعد عام 2010. ومنذ عام 2011، شنت فرنسا 5 عمليات عسكرية واسعة النطاق في أفريقيا، وتركزت معظمها في الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية. وفي الوقت نفسه، أرسلت الولايات المتحدة عددا كبيرا من العناصر العسكرية إلى غربي أفريقيا تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب" بعد عام 2000.
وبعد تفشي جائحة كوفيد-19 عام 2020، تدهور الوضع الاقتصادي العالمي بشكل سريع وأثر ذلك في الدول الأفريقية. وتسببت الأزمات السياسية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية في حدوث انقلابات عسكرية في عدة دول أفريقية. وعقب الانقلابات، اتخذت هذه الدول شعار "معارضة التدخل الفرنسي" باعتباره مصدرا لشرعية سلطتها، ما يعكس – إلى حد ما- استياء هذه الدول من التدخل الفرنسي.
وترجع أسباب مشاعر الشعوب الأفريقية المناهضة لفرنسا إلى جهود الأخيرة والدول الغربية للسيطرة على الدول الأفريقية سياسيا واقتصاديا. واحتكرت فرنسا استخراج معدن اليورانيوم في النيجر، كما أنها تفرض ضغوطا على بعض دول غرب ووسط أفريقيا من خلال النظام المالي، بوصفه أسلوبا فعالا للحفاظ على نفوذها في هذه الدول. ومن خلال توقيع اتفاقيات تعاون مع 15 دولة أفريقية، نالت فرنسا أيضا حق إصدار العملات في هذه الدول. وعلاوة على ذلك، هيمنت فرنسا اقتصاديا على بعض الدول الأفريقية من خلال التأثير في مصارف الأخيرة وسياساتها المالية. وسيطرت فرنسا أيضا على كافة قيمة الموارد والمصالح الاقتصادية في بعض الدول الأفريقية من خلال التدخل في شؤونها، مما أدى إلى تقيد تنمية الأخيرة.
وزادت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وجودها العسكري في أفريقيا بذريعة تنامي الإرهاب في منطقة الساحل. ولكن الدائرة المفرغة المتمثلة في تنامي الإرهاب مع الجهود المتزايدة لمكافحته أدت إلى اعتقاد الدول الأفريقية بأن الدول الغربية لا تهدف إلا إلى توطيد وجودها العسكري في القارة السمراء بذريعة "مكافحة الإرهاب". وعلى هذه الخلفية، فقدت القوات العسكرية الغربية شرعيتها في الدول الأفريقية، ولذلك فمن السهل فهم حراك الأخيرة لطرد الأولى من أراضيها.
ووصف بعض الباحثين حراك الدول الأفريقية المناهض للسيطرة الغربية اقتصاديا وسياسيا بـ"الصحوة الثانية" في القارة السمراء.
وبالطبع، لا تقتصر هذه الصحوة على طرد القوات الغربية فحسب، فقد أعلنت المغرب في 3 يوليو 2024 عن تحويل لغتها الرسمية في الإدارة العامة والقطاعين العام والخاص إلى العربية، وأطلقت الجزائر الإصلاح التعليمي الذي يستهدف التخلص من الفرنسية وتعميم الانجليزية وتحسين عملية تعليم الأخيرة في الجامعات. وفقدت اللغة الفرنسية مكانتها المحورية في هذه الدول تدريجيا.
وقال رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، أثناء لقائه مع نظيره الفرنسي ماكرون، إن أوروبا، وخاصة فرنسا، يتعين عليها تغيير الطريقة التي تتعامل بها معنا، ويجب عليها احترامنا.
وهناك مؤشرات تظهر أن الدول الأفريقية تصحو بشكل متزايد، آملة في تحقيق تنميتها بإرادتها المستقلة.ويلاحَظ أن "الصحوة الأولى" على أراضي القارة السمراء والتي تمثلت في سعي الدول الأفريقية لتحقيق التحرر القومي والاستقلال الوطني، قامت على إضعاف الهيمنة الاستعمارية الأوروبية بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى مدى السنوات الأخيرة، شهدت المعادلة الدولية إعادة تشكيلها بفضل تضامن دول الجنوب العالمي وتعاونها وصعود الدول النامية الواسعة النطاق، بما يقدم فرصة تاريخية لـ"الصحوة الثانية" في أفريقيا.
_________________
* الكاتب يوان وو يعمل باحثامشاركا في مركز دراسات غرب آسيا وأفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية
* الآراء الواردة في المقالة لا تعكس بالضرورة موقف موقع شبكة الصين الإخباري
انقلها الى... : |
China
Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000 京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号 |