arabic.china.org.cn | 11. 01. 2025 |
مرجعيون، جنوب لبنان 11 يناير 2025 (شينخوا) شكل القصف الإسرائيلي على المواقع الأثرية في جنوب لبنان خطراً كبيراً على التراث الثقافي والحضاري للبلاد، إذ إن استهداف مواقع تاريخية بارزة مثل سوق مدينة النبطية الأثري وقلعة بعلبك التاريخية ومحيطها شرق لبنان، تسبب في العديد من الأضرار الثقافية والسياحية التي لا تقدر بثمن وأيضا النفسية على ذاكرة المواطنين وهويتهم التاريخية.
وحضر العديد من المواطنين بينهم أصحاب المباني والمحال التجارية لزيارة الأماكن الأثرية التي طالها التدمير، حيث يوضحون أن ما رأيناه شهادات حية على ضرب حضارة لبنان.
وشاهد بعض أصحاب المباني والمحال التجارية الحركة الكبيرة التي ضمت العديد من الشاحنات والجرافات التي تحاول نقل بعض الأنقاض وإنقاذ بقايا مقتنياتهم التي ينفضون عنها الغبار لتكون ذكرى لحرب غير مسبوقة، أتت على كل شيء في سوقهم الذي يعد مصدر رزقهم، والتي خلفها القصف الإسرائيلي في سوق مدينة النبطية اُلأثري بجنوب لبنان.
كما في النبطية كذلك في قلعة بعلبك التاريخية ومحيطها شرق لبنان، تنشط مجموعة من عمال التنظيفات - والذين حرصوا على ارتداء أقنعة واقية تحاشيا للغبار المختلط برائحة الدخان المنبعث من بين الأنقاض المحترقة - في إزالة آثار الدمار التي خلفتها الصواريخ الإسرائيلية في هذا المعلم التاريخي العريق .
كما حاولت هذه المجموعة في التفتيش والبحث عن أجزاء متناثرة في كل اتجاه من حجارة حملت زخرفات ونقوش مميزة، والتي وجد بعضها متشقق والبعض الأخرمكسر كليا، حيث يحرص العمال على التقاطها وجمعها بكل عناية ونقلها إلى مكان آمن وسط القلعة تمهيدا لإعادة ترميمها .
وخلال التقاطه بهاتفه الخلوي صورا لعائلته أمام أعمدة القلعة الشامخة، قال الأربعيني جهاد عامر لوكالة أنباء ((شينخوا )) إنه لمنظر مؤلم مشاهدة الدمار الذي حل بهذه التحفة المعمارية التي تجمع عظمة الحضارات القديمة".
وتابع" قيمة هذه القلعة الجمالية يحثنا للحفاظ على التراث الإنساني وعدم ألمس به، فالعالم المتحضر بحاجة إلى بناء الجسور بدلاً من القنابل، فالتاريخ لا يمكن أن يمحى بمثل هذه الأساليب العسكرية الحاقدة".
وأضاف "ما لحق بهذه القلعة من تشويه جعلني أدرك أهمية العمل على حماية التراث العالمي من النزاعات والحروب، فهو ليس ملكا لدولة واحدة، بل إرث للبشرية جمعاء".
وكانت الحدود بين لبنان وإسرائيل قد شهدت إطلاق نار وقصفا متبادلا بين حزب الله وفصائل مسلحة من جهة، والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى منذ اندلاع الحرب بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل في قطاع غزة في السابع من أكتوبر عام 2023 .
رئيس بلدية بعلبك مصطفى الشل لفت لـ ((شينخوا)) أن "قلعة بعلبك الأثرية مصنفة من قبل منظمة "اليونيسكو" ضمن لائحة التراث العالمي".
وأضاف "ضربت الغارات الإسرائيلية محيط هذه القلعة الأثرية، مما أسفر عن أضرار فادحة بأحد معالمها المعروف بـ(ثكنة غورو)،وموقف السيارت التابع لها،كما سجلت بعض التصدعات بالأحجار الضخمة والهياكل المتعددة".
يذكر أن "ثكنة غورو معلم أثري تابع لقلعة بعلبك ، شيدها الجيش الفرنسي مطلع القرن الماضي وميزها بحجارتها العملاقة وبواباتها المنحوتة بإتقان".
وأضاف الشل مثل هذه الاعتداءات تمثل انتهاكا صارخا للقوانين والأعراف الدولية، بما في ذلك اتفاقية التراث العالمي لعام 1972 واتفاقية لاهاي لعام 1954 التي تدعو لحماية التراث في مناطق النزاعات".
من جهتها الطالبة الجامعية ناهدة حميد والتي تنشغل بتوثيق الاعتداءات الإسرائيلية على المواقع الأثرية، تساءلت كيف يمكن لعاقل أن يهاجم معلما كهذا؟ فهو ليس مجرد حجارة، بل هو شهادة على وجودنا المشترك كإنسانية جمعاء.
وأضافت لـ ((شينخوا)) "رغم الحزن الذي ينتابني، لدى شعور أن بعلبك وكافة المواقع الأخرى المتضررة ستنهض من جديد، وستعود مكانا للمهرجانات الدولية وللفن والحضارة كما كانت دائما".
مسؤول قسم ترميم المواقع الأثرية التابع للمديرية العامة للآثار اللبنانية المهندس خالد الرفاعي، وخلال قيامه بجولة ميدانية شملت قلعة بعلبك والمواقع الأثرية الأخرى المتضررة، قال وفق (الوكالة الوطنية للإعلام) الرسمية إن "الغارات دمرت مبنى المنشية التاريخي الذي يعود بناؤه إلى عام 1928، وتولينا نقل اللوحة التي تؤرخ سنة بنائه، والحجارة المزخرفة والمنقوشة إلى مستودع داخل القلعة لحفظها".
وأكد بأن "الأضرار كبيرة جدا في العديد من المباني التراثية المحيطة، ومنها أوتيل بالميرا، ودير وكنيسة سيدة المعونات المارونية، وكنيسة الروم الأورثوذكس، وكنيسة القديستين بربارة وتقلا، ومطرانية بعلبك للروم الملكيين الكاثوليك".
ورأى الرفاعي أنه "لابد من تغطية مؤقتة للمواقع المتضررة بأقمشة خاصة وتكون مغلفة بالنايلون لمنع تسرب مياه الأمطار إلى داخل المباني، وللحد من إلحاق المزيد من التصدع فيها".
وقال " الخوف الكبير من قوة الارتجاجات التي تشكل خطراً على أرضية المعابد، إذ أدت الغارات إلى اهتزازات أرضية قوية، نأمل أن لا تؤدي إلى مشاكل إنشائية، وهذا الأمر ستحسمه لاحقا اللجنة الفنية والتقنية المختصة".
وخلال تجوالها في سوق النبطية الأثري بجنوب لبنان والذي دمر بشكل كامل،انهمرت دموع جومانه فحص، لحظة مشاهدتها بقايا متجر ألبسة كانت تشتري منه ملابس لأطفالها حيث قالت لـ ((شينخوا)) إنه "منظر يدمي القلوب الحية ".
وتابعت "أمام واجهة هذا المحل الزجاجية، كنت أقف لأختار أجمل الملابس لأطفالي، كانوا يركضون حولي بسعادة، واليوم كل شيء تحول إلى ركام دون ذنب".
وأضافت "من الصعب تصديق أن هذا المكان الذي كان يعج بالحياة تحول في لحظة حاقدة إلى مشهد مؤلم كأن الزمن توقف على جرح لا يلتئم".
وقال التاجر عبدو طباجة لـ ((شينخوا)) والذي دمرت الغارات محله التجاري المعد للأدوات المنزلية، "هذا السوق كان مصدر رزق وسعادة لمئات العائلات واليوم لا نرى سوى جدران منهارة وأحلام مدفونة تحت الركام".
وأضاف "قلوبنا يلفها الحزن على ما حدث من تدمير شامل لهذا السوق التراثي الضخم والجامع ، لكن كلنا أمل أن ينبض هذا المكان بالحياة من جديد، ليعود الأطفال وتعلو أصوات الباعة وبهجة السوق كما كانت".
رئيس الجمعية التعاونية لتجار النبطية محمد جابر أوضح لـ ((شينخوا)) أن القصف الإسرائيلي استهدف بشكل مباشر السوق الرئيسي التراثي في النبطية، مما أدى لتدمير كافة الأبنية التجارية والاقتصادية والمصارف على جانبيه بعرض أكثر من 250 مترا وبطول حوالي 2 كيلومتر".
واعتبر جابر أن "القصف الإسرائيلي المتعمد لهذا السوق هدف لتدمير الإرث الثقافي والشريان الاقتصادي لمدينة النبطية والبلدات المحيطة بها، والقضاء على أملاك الناس ومصادر رزقهم ومعيشتهم خاصة وأن إعادة بنائها وترميمها يلزمه ملايين الدولارات".
وقال المهندس المعماري إميل حمدان "تقييم وترميم الأضرار التي تلحقها الأعمال العسكرية في التراث عملية معقدة يلزمها في كثير من الحالات اللجوء إلى التكنولوجيا الحديثة مثل التصوير الجوي".
وأضاف"من الضروري أن تكون لدينا صور واضحة للمعلم الأثري قبل تعرضه للأذى وتوثيق لنوع الحجارة المستعملة لنجاح عملية الترميم بنسبة مقبولة".
وتابع "والأهمية الكبرى تقع على عاتق الفنيين والذين سيعملون في الترميم ومعظمه يدوي، بحيث يجب أن يتمتعوا بكفاءات مهنية عالية وقدرة في التنفيذ"
ووفقا لتقارير قوى الأمن الداخلي اللبناني وإحصاء أولي لوزارة الثقافة اللبنانية فإن التدمير الإسرائيلي للمعالم التراثية والأثرية طال 6 مقامات دينية و9 كنائس و36 مسجدا و6 قلاع أثرية وعدة أسواق تجارية تحوي أبنية تراثية.
وأشارالمكتب الإعلامي لوزير الثقافة اللبناني محمد مرتضى لـ ((شينخوا)) إلى أن" الكشف النهائي على كافة المعالم الأثرية التي تضررت بالقصف الإسرائيلي لم ينجز قبل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جنوب لبنان".
وأضاف أن "الاعتداءات الإسرائيلية تسببت في تدمير جانب من سور قلعة بعلبك والمنشآت الأثرية التابعة لها، وطالت كذلك قلعة تبنين وقلعة شمع ومعبد قصرنبا وسوق النبطية التاريخي، والكثير من المعالم التاريخية التي مسِحت بشكل كلي".
وقال مرتضى "نجري اتصالات لمساعدتنا في ترميم ما تضرر بالتعاون مع كثير من الدول الصديقة ومع منظمة "اليونيسكو"، التي تعمل جنباً إلى جنب مع الوزارة لحماية ممتلكات لبنان الثقافية، ومع مؤسسة "ALIPH" التي تساعد في أعمال الحماية والترميم".
ومنذ 27 نوفمبر الماضي يسري اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان لوضع حد للمواجهات التي نشبت بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله في 8 أكتوبر 2023 على خلفية الحرب الدائرة في قطاع غزة وتصاعدت في 23 سبتمبر الماضي. /نهاية الخبر/
انقلها الى... : |
China
Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000 京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号 |