بقلم ون سه، خبيرة في السياسة الدولية

18 ديسمبر 2024 / شبكة الصين / استقبلت العاصمة السعودية-الرياض- مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) لمدة أسبوعين والذي اختتم في 14 ديسمبر 2024، وهو أول مؤتمر من نوعه يعقد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإثر المؤتمر، تم الاتفاق على 35 قرارا حول مواضيع محورية تساهم في الحد من تدهور الأراضي ومكافحة التصحر. وكانت الصين إحدى أهم الدول المشاركة في هذا المؤتمر، حيث تميز جناح الصين في هذه الدورة للمؤتمر، فهو أكبر جناح وطني مخصص في المؤتمر بعد جناح الدولة المضيفة، كما قدمت الصين تقنيات مبتكرة في مكافحة التصحر في جناحها، وأهمها الروبوتات المتطورة لزراعة الأشجار والتقنيات الزراعية الحديثة. كما عرضت الصين تجاربها الناجحة في استصلاح الأراضي والتخفيف من الجفاف مما أبرز دورها البارز في هذا المجال على المستوى العالمي، ودعت الصين أيضا خلال المؤتمر إلى تعزيز التعاون الدولي لمواجهة هذه الظاهرة البيئية وتحدياتها المتعددة.

اهتمت الصين بشكل كبير بمكافحة التصحر نظرا لأنها من بين الدول التي تعاني من حالات التصحر، وقد أقامت العديد من الخطط الفعّالة لمكافحة هذه الظاهرة البيئية، كما حققت الصين إنجازات مهمة في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة. وقد ساهم التطور العلمي والتكنولوجي في مكافحة التصحر في الصين، حيث ساهمت البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وأيضا الحوسبة السحابية إلى توفير التكنولوجيا الفائقة لدعم عملية مكافحة التصحر، واتبعت الصين سياسة الدمج بين مكافحة التصحر وتوليد الطاقة الكهربائية وعملية البذر الجوي بالطائرات المسيرة، لتصبح بذلك أول دولة تحقق نموا صفريا في تدهور الأراضي وهي الأولى عالميا من حيث مساحة الغابات المزروعة ونمو نسبة التغطية الحرجية، كما حققت البلاد نتائج مميزة في مجال التشجير، إذ زرعت الصين في عام 2023 أكثر من 8 ملايين هكتار من الأشجار، وعالجت مساحات كبيرة من الأراضي المتصحرة، وارتفع الغطاء الغابي في الصين والذي يعتبر الأكبر من نوعه في العالم، ووفرت الصين ربع المساحات الخضراء الجديدة في العالم.

تُعتبر الصين من الدول الرائدة في مكافحة التصحر على المستوى العالمي، وذلك يعود إلى سياساتها المتعددة في هذا المجال للمحافظة على مواردها الطبيعية المتنوعة والهامة. حيث أقامت الصين العديد من المشاريع الكبرى لمكافحة التصحر والتي نجحت في تقليص مساحة الأراضي المتصحرة، وتحسين البيئة الأيكولوجية في العديد من المناطق، وأقامت مشاريع متعددة لتحقيق التوازن البيئي وتقليل انبعاثات الكربون. ومن بين أهم المساهمات الصينية في مكافحة التصحر هو "مشروع السور الأخضر العظيم"، وهو من أكبر مشاريع إعادة التشجير في العالم والذي يهدف إلى إقامة حاجز أخضر يمتد عبر شمال الصين من أجل مكافحة التصحر وقد أقيم هذا المشروع منذ عام 1978 ومن المتوقع أن يكتمل في عام 2050 وسيبلغ طوله حينها 4500 كيلومتر، وقد نقلته الصين إلى أفريقيا وساهمت بذلك في تطوير النسخة الأفريقية من هذا المشروع. كما يبرز دور الصين الدولي في مكافحة التصحر من خلال مشاركتها في العديد من المبادرات العالمية في هذا المجال، أهمها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، وتساهم الصين أيضا في دعم مكافحة هذه الظاهرة البيئية من خلال التعاون مع العديد من الدول الأخرى وأهمها الدول الأفريقية ودول آسيا الوسطى.

تتميز الصين بتحقيقها نتائج بارزة في عملية مكافحة التصحر وفي نفس الوقت تبادل الخبرات والتجارب مع الدول الأخرى، حيث تستقبل الصين سنويا عددا كبيرا من المسؤولين والفنيين للمشاركة في منتديات وفعاليات متعددة حول البيئية ومكافحة التصحر وكيفية تخطي التحديات البيئية، وتقديم التجربة الصينية في هذا المجال لمختلف الدول. كما قدمت الصين تقنيات زراعية متطورة لمقاومة تصحر الأراضي للعديد من الدول التي تعاني من هذه الظواهر البيئية وخاصة منها الدول الأفريقية، ووضعت الصين العديد من مشاريع التشجير على نطاق واسع محليا وعالميا. وساهمت مبادرة "الحزام والطريق" أيضا في تعزيز التعاون البيئي بين الصين ومختلف الدول، وفي هذا الإطار قامت الصين بإطلاق مشاريع لتطوير الغابات في الدول المشاركة في المبادرة، مع التركيز على مراقبة التربة والتشجير. وقد أقامت أيضا العديد من مراكز الأبحاث المتطورة الدولية المتخصصة في التصحر، أهمها "مركز التدريب والتعاون الدولي لمكافحة التصحر في بكين". كما توجد مشاريع بحثية مشتركة بين الصين ودول أخرى، تهدف إلى تعزيز عملية مكافحة التصحر من خلال تقديم تقنيات واستراتيجيات متطورة، وتوفر الصين العديد من المعدات والموارد الزراعية مثل البذور والتقنيات الزراعية المتقدمة للدول الأخرى.

تُعد تجربة الصين نموذجا يُحتذى به في مكافحة التصحر وفي التعامل مع التحديات والصعوبات البيئية الكبرى، وقد نجحت البلاد في إبراز مساهمتها الدولية في هذا المجال من خلال التعاون الدولي، حيث لعبت دورا كبيرا في تحسين إدارة الأراضي في المناطق القاحلة في العديد من الدول أهمها باكستان وإيران من خلال مشاريع صينية في الزراعة بتكنولوجيات متقدمة، وأقامت الصين شركات بارزة على المستوى العالمي لمقاومة التصحر، الأمر الذي يبرز التزامها بالتعاون الدولي في حماية البيئة.