share
arabic.china.org.cn | 05. 12. 2024

مقالة خاصة: الحرب تجعل من البيوت مقابر في السودان

arabic.china.org.cn / 20:57:14 2024-12-05

الخرطوم 5 ديسمبر 2024 (شينخوا) رغم مرور ما يقارب عام ونصف العام على الواقعة، إلا أن السوداني محي الدين صالح، لا ينسي كيف تم دفن شقيقته في منتصف الليل في مقبرة ضحلة بفناء منزلهم في منطقة الإنقاذ جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم.

وجرت مراسم الدفن قبل نحو 17 شهرا، دون حضور مشيعين من الأهل، ولم يقم عزاء بعد ذلك وفق التقاليد والعادات في السودان، بحسب صالح.

وقال الرجل لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لم يحضر أحد من أهلي مراسم الدفن المعتادة، كنا أربعة أشخاص فقط، قمنا بدفن شقيقتي في حفرة ليست عميقة في حوش منزلنا، ولم أستطع إقامة مراسم عزاء".

وأصيبت شقيقة صالح في وقت متأخر من نهار 17 يوليو من العام 2023 برصاصة طائشة، وتوفت بعد ساعات بسبب عدم القدرة على إسعافها لأي مشفى مجاور نتيجة المعارك العنيفة التي كانت تدور بالمنطقة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وقال صالح "لقد قتلتها الحرب مرتين، فقد سلبت حياتها، وحرمتها من أن تجد جنازة لائقة".

وتابع "كانت الجنازة مناسبة اجتماعية يسير فيها المئات أو الآلاف بصحبة عربة تحمل جنازة المتوفي من منزله إلى المقابر المعروفة والقريبة بالحي، أما مراسم العزاء فقد كانت تستمر لأيام ويحضرها كل معارف الميت وأقاربه وزملاؤه".

وأضاف "ولكن الحرب حرمتنا من هذه العادات والطقوس".

ولم تقتصر إقامة المقابر بسبب الحرب على المنازل فقط، ففي منطقة السلمة جنوبي العاصمة السودانية، تحول سوق "العشائين" الواقع وسط المنطقة السكنية إلى "مقابر مؤقتة".

وبعدما كان السوق مكانا يضج بالحياة في المنطقة المأهولة بالسكان، تحولت محلاته التجارية إلى ركام وأرضه إلى أكوام من تراب تحتضن داخلها من ماتوا بآلة الحرب أو بسبب تأثيرات الصراع من جوع ومرض.

وقال المحامي إيهاب هاشم، الذي يسكن على مقربة من سوق العشائين، خلال سيره في جنبات السوق إن "هذه المقابر تقف الآن شاهدة على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ما حدث هنا شي لا يصدق، لقد مات العشرات بسبب المواجهات المباشرة أو القذائف العشوائية".

وتابع هاشم، وهو واحد من بعض سكان المنطقة الذين صمدوا في منازلهم رغم ضراوة المعارك، التي شهدتها منطقة جنوب الحزام، القريبة من المقر الرئيسي لقوات الدعم السريع "أيضا هناك من ماتوا بسبب تأثيرات الحرب وانتشار الجوع وانعدام الأدوية والرعاية الصحية".

ولا يتذكر هاشم أسماء كل من دفنوا في سوق العشائين، ولا يعرف غالبيتهم، ولكنه لا ينسى جاره، الذي مات بطلقة طائشة في فناء منزله.

وقال المحامي السوداني "كنت مشاركا وشاهدا على دفن أكثر من 20 جثة داخل هذا السوق الذي تعرض مرتين للقصف في الفترة ما بين يونيو وسبتمبر من العام 2023، من بين هؤلاء لا أنسى جاري عبد اللطيف الذي قتل داخل منزله بعدما أصابته رصاصة طائشة".

وأضاف "لم يكن هناك بد من دفن هؤلاء في أطراف السوق، فلم يكن متاحا الوصول إلى المقابر ولم يكن هناك أي خيار آخر".

ومن داخل منزل هاشم، يمكن رؤية أكوام من التراب على جانبي السوق تعلوها أكياس بلاستيكية وأشياء عالقة وحشائش صغيرة طور النمو نتيجة تساقط الأمطار الأخيرة.

ويشير هاشم إلى أنه بجانب الدفن في السوق، هناك عدد من الموتي تم دفنهم داخل المنازل.

وقال "إن الوضع الأمني كان صعبا للغاية، وكانت هناك جثث متحللة بالشوارع، وقد قامت لجان أهلية بجمع الجثث ودفنها في أقرب مكان، وهناك جثث تم دفنها حيث وجدت بسبب تحللها واستحالة نقلها".

ومع إقرار هاشم بأن ظاهرة دفن الموتي داخل المنازل والأسواق والميادين العامة شكلت معالجة معقولة بسبب الظروف الأمنية، إلا أنه أشار إلى تبعات قانونية ربما تشكل أزمة في وقت لاحق.

وقال في هذا السياق إنه "من الناحية القانونية فإن دفن الجثث دون إتباع البروتوكول القانوني قد يشكل أزمة في وقت لاحق"، موضحا "أن الطريقة التي تم بها دفن الموتي لم تتبع الطرق القانونية السليمة، ولم تتم عبر جهات قانونية، مما يهدر الحقوق القانونية للضحايا، ويطمس الحقائق المتعلقة بملابسات وفاة هؤلاء".

وأشار هاشم إلى أن الحرب اضطرت السودانيين إلى تغيير عاداتهم الخاصة بتشييع ودفن الموتي "في مقابر معلومة ومشهورة، الآن أصبح مجرد دفن دون أي طقوس أو مراسم".

وبجانب مدينة الخرطوم، شملت ظاهرة دفن الموتى داخل المنازل مدينتي ام درمان والخرطوم بحري، وهي المدن الثلاث المكونة للعاصمة السودانية.

وربما كانت منطقة "حي العمدة" بمدينة ام درمان أكثر المناطق التي تركزت بها ظاهرة دفن الموتى داخل المنازل وفي الساحات العامة والميادين وحتى داخل المدارس والمساجد.

وقال السوداني أشرف عبد الرحمن، وهو أحد سكان حي العمدة، إنه شارك في دفن ثلاثة قتلى داخل منزلهم المجاور لمنزله بالحي في شهر مايو من العام 2023.

وأضاف عبد الرحمن أنه "بعد اندلاع المعارك بأقل من شهر، سقطت قذيفة على منزل مجاور، توفى ثلاثة من أفراد العائلة ولم نجد أي طريقة لدفنهم في المقابر التي لا تبعد عنا إلا نحو 400 متر".

وتابع "كان خروجنا إلى الشارع ومحاولة الدفن بالمقابر تعني نتيجة واحدة وهي القتل، كانت المنطقة ملتهبة والمعارك ساخنة، والرصاص ينهمر كالمطر، لم يكن أمامنا إلا خيار دفنهم داخل المنزل".

ومضي قائلا "كان قرارا صعبا، ولكن كنا مضطرين لذلك، نعلم أن إكرام الميت هو دفنه، وهذا ما فعلناه".

ويشير عبد الرحمن إلى حالات عدة لدفن موتى داخل المنازل وفي الميادين العامة بمنطقة ام درمان القديمة، قائلا إنه "في بدايات الحرب كان من الشائع أن تجد كلبا على أبواب أحد المنازل، وهو ينهش أجزاء من جثمان متوفي، لذلك كانت فكرة دفن هؤلاء الموتي داخل المنازل معالجة مقبولة وإن كانت قاسية".

وخلال الفترة الأولى من وقوع الحرب في السودان، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بقصص لقتلى تم دفنهم داخل منازل أو في ميادين عامة.

ومن بين تلك القصص، دفن الطبيبة مجدولين يوسف وشقيقتها في 13 مايو 2023، في حديقة منزلهما في الخرطوم، لتعذر دفنهما في المقابر بسبب خطورة الوضع الأمني.

ووُجدت الطبيبة وشقيقتها تحت أنقاض منزلهما جراء قصف مدفعي بمنطقة العمارات وسط الخرطوم، وهي منطقة قريبة من مطار الخرطوم، وكانت تشهد وقتها مواجهات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي ما تزال تسيطر على المنطقة.

كما تم دفن الموسيقي وعازف الكمان المعروف في السودان خالد سنهوري، أمام منزله بحي الملازمين بام درمان في شهر يوليو 2023.

وتوفى سنهوري إثر هبوط حاد في الدورة الدموية، وبسبب الوضع الأمني حينذاك، تعذّر نقله إلى المستشفى، وبعد وفاته فشل جيرانه في الخروج به إلى المقابر، فقاموا بدفنه أمام منزله.

ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد الجثث التي تم دفنها داخل المنازل أو في الساحات وأمام المرافق العامة منذ بداية القتال حتى الآن، لكن إحصائيات لجان المقاومة، وهي مجموعات شبابية تطوعية، تشير إلى أن العدد تجاوز ثلاثة آلاف جثة.

ومع استمرار القتال في مناطق عدة بالعاصمة السودانية، فإن نقابات ومنظمات تطوعية ما تزال تنشر توجيهات لكيفية التعامل مع قتلى الحرب، ووضع علامات دالة على مكان القبر، ورقم مخصص لكل جثة، وكتابة مكان الوفاة، وعدم غسل الجثامين التي تحللت، وتحديد مكان الدفن عند التبليغ لدى الجهات المختصة.

ويشهد السودان منذ منتصف أبريل 2023 حربا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع خلفت نحو 27120 قتيلا، وفق موقع ((ACLED))، وهي منظمة غير حكومية متخصصة في جمع بيانات النزاعات المفصلة. 

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号