arabic.china.org.cn | 23. 10. 2024 |
بقلم لي يا نان*
23 أكتوبر 2024 / شبكة الصين / مع تصاعد حدة التوترات بين إسرائيل وإيران، يبدو أن حربا جديدة ناجمة عن اتساع رقعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على شفا الاشتعال. وفي لحظة خطرة يقع وضع المنطقة فيها على شفير الهاوية، حث وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في مكالمة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي، الأطراف المعنية على توخي الحذر ووضع حد للكوارث الإنسانية، مؤكدا على أن الأولويات القصوى في الوقت الراهن تتمثل في تحقيق وقف شامل ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع، مشيرا إلى أن تصعيد التوترات والاضطرابات في المنطقة لا يخدم مصالح أي طرف.
وما ذُكر سلفا أحدث الجهود الصينية المبذولة لدفع تهدئة الوضع وتعزيز إحلال السلام في المنطقة، ويُعتبر تجسيدا ملموسا لدور الصين البناء في شؤون الشرق الأوسط. وبعد اندلاع الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أكتوبر 2023، دعت الصين في مناسبات دولية ثنائية ومتعددة الأطراف عديدة إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، ودعم المجتمع الدولي الذي تقوده الأمم المتحدة لاتخاذ الخطوات اللازمة لمنع تصعيد الصراع والتخفيف من الكورث الإنسانية، مطالبة بحل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية على أساس "حل الدولتين"، وكسر الحلقة المفرغة للصراعات.
وعلى مدى العام الماضي، قدمت الصين مساعدات إنسانية بمئات ملايين الدولارات وكميات كبيرة من المستلزمات التي يحتاج إليها قطاع غزة بشكل ملح، وتبرعت أيضا للأونرو بثلاثة ملايين دولار. وأصدرت مع الدول العربية على هامش منتدى التعاون الصيني العربي بيانا مشتركا بشأن القضية الفلسطينية طرحت فيه مسارا محددا لتهدئة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وعلاوة على ذلك، استضافت في العاصمة بكين حوارا بين 14 فصيلا فلسطينيا للتوصل إلى توافق بشأن إنهاء الخلاف وتحقيق الوحدة، مما أرسى حجر الأساس لاستئناف عملية السلام في المنطقة.
وظلت الصين تقف إلى جانب السلام والحقيقة والصواب بخصوص الصراعات بالمنطقة، حيث ظلت تعمل دوما على حماية الاستقرار والسلام ودفع تحقيق النمو والرخاء بالمنطقة وتنفيذ المبادئ المحورية لسياستها تجاه المنطقة بنشاط. وبوصفها من القلة القليلة من الدول الكبيرة التي تنتهج سياسة خارجية مستقلة سلمية في منطقة الشرق الأوسط، وتتمسك باحترام الدور السيادي لدول المنطقة، ودعم استقلالها الإستراتيجي، بدلا من دعم الوكلاء ورسم مناطق النفوذ والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
وفي السنوات الأخيرة، عملت الصين على دفع الحوار الأمني المتعدد الأطراف في منطقة الخليج، والمساعدة في بناء هيكل أمني جماعي جديد في المنطقة، ورعاية المصالحة بين السعودية وإيران، مما أضفى طاقة إيجابية على استقرار المنطقة، ودحض الأكاذيب والافتراءات التي صنعتها الدول الغربية ضد الصين.
وتتجاوز سياسة الصين الموجهة لمنطقة الشرق الأوسط الأنماط السياسية التقليدية التي تبنتها باقي الدول الكبيرة. وظلت المنطقة بقعة تتصارع عليها الدول الكبيرة. فخلال الحرب الباردة، تنافست الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على رسم مناطق النفوذ في المنطقة. وبعد ذلك، بدأت الولايات المتحدة التدخل في شؤون المنطقة بشكل شامل وعميق، استنادا إلى الدولار والقوات الأمريكية المرابطة ومنظومة الحلفاء، في محاولة للسيطرة على المنطقة. وفي المرحلة الحالية، بدأت الولايات المتحدة تعديل تخطيط إستراتيجياتها العالمية، وتنفيذ الانكماش الإستراتيجي في المنطقة، لكنها غير مستعدة للتخلي عن مكاسبها القائمة. لذلك باشرت التخطيط لما سمته بـ"المنطقة بعد العصر الأمريكي"، حيث بذلت الجهود للتوسط بين إسرائيل ودول الخليج لتحقيق تطبيع العلاقات بينها، لإعادة هيكلة منظومة حلفائها في المنطقة، سعيا لتحقيق أهدافها المرجوة المتمثلة في صون مكاسبها واحتواء إيران، في محاولة لتنفيذ "إستراتيجية التوازن خارج المجال".
ولكن، أثبت التاريخ والواقع أن رسم مناطق النفوذ وتشكيل التكتلات والمعسكرات واصطناع الصراعات، لا يسهم في تسوية التناقضات القائمة بين المذاهب الدينية والمجموعات العرقية فحسب، بل يعمق سوء الفهم والحقد، ويولد المزيد من النزاعات والصراعات في المنطقة. وتُعتبر هذه الجولة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي انفجارا ضخما للتناقضات القديمة في الظروف الجديدة، وكذلك رمزا لفشل سياسات الولايات المتحدة الموجهة للمنطقة.
وبالمقابل، ظلت الصين تدعو على الدوام إلى احترام التقاليد الثقافية والتاريخية لدول المنطقة وسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، وتسوية القضايا عبر الحوار والتشاور، وتنفيذ تعددية الأطراف الحقيقية، الأمر الذي قدم أفكارا جديدة لمساعدة المنطقة على تجاوز "الدوائر الغريبة من الاضطرابات والفوضى" التي صنعها التاريخ وتكرر ظهورها.
وتتماشي سياسة الصين الموجهة للمنطقة مع اتجاه تطور التاريخ المتمثل في تعددية الأطراف، وكذلك تلبي مصالح مختلف الدول المعنية. وتشمل تعددية الأطراف البُعدين الداخلي والخارجي. فمن جهة، مع تراجع نفوذ الولايات المتحدة وتصاعد تأثير الصين وروسيا وأوروبا في المنطقة، تتكثف خيارات التعاون أمام دول المنطقة، وتتوسع مساحة تطوير علاقات خارجية متنوعة ومتوازنة. لذلك، لا تحرص دول المنطقة على الانحياز إلى دولة كبيرة بعينها. ومن جهة أخرى، تتغير توازنات القوى في المنطقة بشكل متواصل، حيث تتوازن السعودية وإيران وتركيا ومصر وإسرائيل وغيرها من الدول من حيث القوى على المسرح السياسي في المنطقة، ما جعلها تشرع في تحويل مركز ثقلها من الاتجاه الجيوسياسي إلى أوجه تنميتها وحكمها. وتشهد المنطقة نموا ورخاء في حال الوئام والتعاون بين هذه الدول، وتعاني من الفوضى والاضطرابات في ظل الصراع والتنافس بين.
وعلى هذه الخلفية، تدمج الصين سياساتها الموجهة للمنطقة بمبادراتها العالمية الثلاث، لتصبح طاقة إيجابية تسهم في دفع عجلة إحلال السلام وتحقيق تنمية المنطقة بشكل متزايد.
وبناء على احترام واقع المنطقة، وانطلاقا من الإجماع الذي توصلت إليها دول المنطقة، تعمل الصين على دمج المبادرات العالمية الثلاث بممارساتها الدبلوماسية في الشرق الأوسط، لتوفير حلول جديدة تمحو أوجه القصور في المنطقة من حيث الأمن والتنمية، وجلب تجربة وآمال جديدة لحل المعضلات الأمنية في المنطقة، ويتحلى ذلك بأهمية واقعية بالغة، في وقت حاسم تقف المنطقة فيه أمام مفترقة الطرق بين السلام والحرب.
*لي يا نا، الباحثة المشاركة في معهد الشرق الأوسط التابع لمعهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة.
________________________________________________
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة موقف موقع شبكة الصين الإخباري.
انقلها الى... : |
China
Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000 京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号 |