بقلم ون سه، خبيرة في السياسة الدولية

24 سبتمبر 2024 / شبكة الصين / قبل ثلاث سنوات، اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة التنمية العالمية خلال المناقشة العامة للدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، داعيا إلى بناء توافق حول السعي لتحقيق التنمية ودفع النمو المشترك والمساعدة في تسريع تنفيذ أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030.

ومنذ ذلك الحين، تم العمل على تعزيز المبادرة بشكل مستمر، وتم وضع آليات يتم تنفيذها بشكل متزايد، كما بدأت ملامح التعاون العملي في إطارها تتشكل تدريجيا، وهو ما يقدم حلا صينيا لتجسير الفجوة التنموية ببلدان الجنوب العالمي، فضلا عن بناء عالم أفضل معا.

تجمع الصين والدول الأفريقية علاقات صداقة ممتدة عبر التاريخ، ففي السابق كانت الدول الأفريقية تتوجه إلى الصين عبر طريق الحرير القديم للتبادلات التجارية، وتطورت هذه العلاقات في العصر الحديث، لتبرز علاقات شراكة مميزة بين الصين الدول الأفريقية في مختلف المجالات، حيث تعزز التعاون الصيني-الإفريقي في التجارة والتعليم والبنية التحتية والمشاريع الكبرى، فالصين تساهم بشكل كبير في تطوير المباني والطرقات والمرافق العمومية في العديد من الدول الأفريقية، كما توفر مئات الآلاف من الوظائف المتنوعة للسكان المحليين من خلال مشاركتهم في المشاريع الصينية في أفريقيا، إذ توجد في أفريقيا حوالي 3000 شركة صينية تعمل على تحسين معيشة الناس وتوفير الظروف الملائمة لحياة أفضل للشعوب الأفريقية.

تُعتبر الصين الشريك الأهم ووجهة مهمة للدول الأفريقية، فهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتتميز بسوق استهلاكية الأكبر عالميا وبريادتها في مختلف المجالات وخاصة منها التكنولوجيا والتقنيات المتطورة، أما الدول الأفريقية فهي أيضا وجهة مميزة للصين، إذ أنها منطقة ثرية بالموارد الطبيعية وتحتاج إلى شريك استراتيجي لإقامة تعاون مربح في مختلف المجالات ولا يقتصر هذا التعاون على الاستثمارات والتجارة فحسب، بل يشمل أيضا التعاون في التعليم والتبادلات الشعبية والخبرات الطبية والمجالات والطاقة ذات الجودة العالية وغيرها. وقد أبرزت الصين أنها لا تقيم علاقة أحادية مع أفريقيا، بل هي علاقة ذات ربح مشترك، حيث تقدم الصين العديد من المساعدات لهذه الدول وتتبادل مع أفريقيا العديد من التجارب المفيدة التي تساهم في تطويرها وتقديم حلول ونماذج متنوعة تساهم في تحسين الظروف المعيشية في الدول الأفريقية.

تربط الصين علاقات متميزة وشراكة إستراتيجية مع الدول الأفريقية، كما تسعى الصين أيضا إلى مزيد تعميق التعاون المشترك مع القارة السمراء، وقد تبلورت هذه العلاقات بشكل أبرز منذ إقامة منتدى التعاون الصيني-الأفريقي في عام 2000 والذي يسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة والتعاون المشترك القائم على الاحترام والربح المتبادلين. وقد سجلت التبادلات في العديد من المجالات بين الجانبين تطورا هاما، ارتفعت قيمة واردات وصادرات الصين إلى أفريقيا من أقل من 100 مليار يوان في عام 2000 إلى 1.88 تريليون يوان في عام 2022، بزيادة تراكمية بأكثر من 20 مرة، وتواصل هذا التطور في التبادلات التجارية ليسجل ما إجماليه 282.1 مليار دولار أمريكي في عام 2023، بزيادة سنوية قدرها 1.5%، ويعتبر هذا الحجم قياسيا في تاريخ التعاون الصيني-الإفريقي. وما يميز هذه التبادلات التجارية أنها لا تقتصر على صادرات الصين للدول الأفريقية، بل تشمل صادرات من الجانبين، حيث ارتفعت واردات الصين من المكسرات والخضروات والزهور والفواكه من أفريقيا بنسبة 130% و 32% و 14% و 7% على التوالي على أساس سنوي، كما قفزت صادرات الصين إلى أفريقيا خاصة منها بطاريات الليثيوم وأيضا مركبات الطاقة التي تطورت بنسبة أكثر من 290%، وهو ما يبرز دور الصين في تحقيق التحول الأخضر في الدول الأفريقية.

تدعم الصين السياسات الأفريقية المستقبلية وتساهم في تحقيق التكامل الاقتصادي-الإفريقي، وذلك من خلال دعم "جدول أعمال عام 2063" للاتحاد الإفريقي، والذي يهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي والترابط بين الهياكل الأساسية وتعزيز القوة الإنتاجية والفلاحية. كما تسعى الصين إلى دعم مختلف الدول الأفريقية، حيث أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال افتتاح منتدى التعاون الصيني-الأفريقي في بكين خلال سبتمبر 2024 أنه من أجل تنفيذ خطط العمل الـ10 للشراكة، ستوفر الحكومة الصينية دعما ماليا بقيمة 360 مليار يوان على مدار السنوات الثلاث المقبلة.

كما أعرب الرئيس شي عن استعداد الصين لتنفيذ 30 مشروعا لارتباطية البنية التحتية في إفريقيا، وتعزيز تعاون "الحزام والطريق" عالي الجودة بشكل مشترك، واستعدادها لإصدار بيان مشترك بشأن تعميق التعاون في هذا المجال في إطار مبادرة التنمية العالمية مع إفريقيا، وتنفيذ 1000 مشروع "صغير وجميل" إزاء تحسين سبل العيش. كما تسعى الصين إلى تعميق التعاون في القطاعات الاستراتيجية مع القارة في عدة مجالات مثل الزراعة والتصنيع والاتصالات والطاقة، والتي تعتبر حاسمة في تسريع عملية التنمية في أفريقيا، وتوفر حياة أفضل للشعوب الأفريقية.

لقد حقق التعاون بين الصين وأفريقيا في إطار مبادرة التنمية العالمية تقدما ملموسا. وفي المستقبل، وفي ظل التوجيه الإستراتيجي لمبادرة التنمية العالمية، سيغتنم الجانبان قمة منتدى التعاون الصيني-الإفريقي لعام 2024  كفرصة لمواصلة البحث عن المزيد من استراتيجيات التنمية المشتركة والعمل بشكل مشترك على تعزيز التنمية العالمية.