share
arabic.china.org.cn | 30. 07. 2024

تحقيق إخباري: الذهب الأسود يشهد تقلبات على مدى قرن من كفاح العراقيين لتحقيق الاستقلالية

arabic.china.org.cn / 10:07:52 2024-07-30

بغداد 29 يوليو 2024 (شينخوا) قضى المُواطِن حسين علي سعيد (81 عاما) كامل حياته في مدينة كركوك الواقعة شمالي العراق والمعروفة باحتياطياتها النفطية الوفيرة.

يرى عامل النفط العراقي المتقاعد هذا أن مسقط رأسه ينعم بالعديد من الشعلات المتوهجة فوق حقول النفط المنتشرة في ربوعه، حيث تمتد خطوط أنابيب النفط الفضية من بعيد وتواصل امتدادها إلى مسافات أبعد.

تنهّد حسين قائلا "بسبب وجود النفط، فإن عيون العالم كله على العراق". وأضاف "حياتي بأكملها لها صلة وثيقة بالنفط، وكذلك مصير بلادي".

-- من الذهب الأسود إلى الكابوس الأسود

في أعقاب الحرب العالمية الأولى، دمج البريطانيون مناطق بغداد والبصرة والموصل التي استولوا عليها من الإمبراطورية العثمانية المهزومة في أمة جديدة سُميت العراق، وحكموها تحت الانتداب.

وفي أغسطس 1921، اعتلى الملك فيصل الأول، الذي نصبته بريطانيا، العرش على عجل في بغداد. ولأنه لم يكن للعراق نشيد وطني خاص به، فقد أُقيمت مراسم التتويج على أنغام النشيد الوطني البريطاني "حفظ الله الملك".

وفي عام 1927، بدأ فريق مشترك يضم شركات نفط بريطانية وهولندية وشركات نفط غربية أخرى في استكشاف حقل بابا كركر النفطي في كركوك.

قال حسين "عندما جاء البريطانيون، كانت كركوك حقا مدينة من الذهب الأسود وكان إشعال عود واحد من الثقاب كفيلا بأن يجعل غبار الجو مشتعلا".

وأضحى جشع المستعمرين واضحا حيث لم يدفعوا للعراق سوى إتاوة قدرها أربعة شلنات ذهبية لكل طن من النفط، وهو ما يعادل 12.5 في المائة من سعر طن من النفط الخام في ذلك الوقت.

وللاستيلاء على النفط، قام الغربيون ببناء خط أنابيب نفطي يمتد من كركوك إلى البحر الأبيض المتوسط، وهو أطول مشروع خط أنابيب في العالم آنذاك، حيث كان قادرا على نقل أكثر من 4 ملايين طن من النفط سنويا إلى أوروبا.

ولم ينشئوا أي مصافي نفط تجارية في العراق، ورفضوا تطوير الصناعات المحلية القائمة على النفط، ورفضوا تقاسم أي تكنولوجيا. ونتيجة لذلك، اضطر العراق على الرغم من موارده النفطية الهائلة إلى استيراد المنتجات النفطية.

أعرب حسين عن حسرته قائلا "كان العراق مثل جمل يحمل الذهب ويأكل الشوك"، وقال "لقد تدفقت الثروة إلى الغرب. وأخذ البريطانيون والفرنسيون والهولنديون والأمريكيون جميعا حصصا، لكن العراقيين لم يحصلوا على شيء".

وبدأت القوي الغربية، التي لم تكن قانعة بعد، في وضع قواعد جديدة. ففي عام 1928، عقدت ثلاث شركات نفط أمريكية وبريطانية وهولندية عملاقة اجتماعا سريا، وشكلت كارتلا مع إبرام اتفاقية أشناكاري للتحكم في سوق النفط العالمية. وفي الثلاثينيات، انضمت أربع شركات نفط غربية أخرى لها، ما كان إيذانا بإنشاء كارتل "الأخوات السبع" النفطي.

احتكرت هذه الشركات العملاقة صناعة النفط، وتحكمت في الإنتاج والنقل والتسعير والمبيعات. وفي الفترة ما بين عامي 1913 و1947، حققت شركات النفط الغربية أرباحا تتجاوز قيمتها 3.7 مليار دولار أمريكي من الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط، بما في ذلك العراق، في حين لم تدفع سوى 510 ملايين دولار كإتاوات.

وأشار حسين إلى أن "الذهب الأسود غذى العصر الذهبي للغرب، لكنه أصبح كابوساً أسوداً للعراق"، مضيفا بقوله "في بعض الأحيان رأيت أنه كان من الأفضل لنا لو لم يكن لدينا نفط على الإطلاق".

-- الكفاح من أجل الاستقلال الوطني

شهد منتصف القرن العشرين موجة قوية من الكفاح ضد الاستعمار في جميع أنحاء آسيا وأفريقيا، ما أدى إلى استقلال العديد من الدول. كما بدأ النظام الصوري، الذي كانت تسيطر عليه بريطانيا، من سلالة فيصل في التداعى.

تذكّر حسين قائلا "لقد كان بلدا شبه معدما في ذلك الوقت. وعاش الجميع في فقر وجوع. وعلى هذه الخلفية، اندلعت ثورة".

في 14 يوليو 1958، دوت أصوات إطلاق النار في بغداد حيث قام عبد الكريم قاسم بانقلاب وأطاح بفيصل الثاني، وأدى هذا إلى تأسيس جمهورية العراق ووضع نهاية للسيطرة البريطانية.

وأصبحت "استعادة الثروة المسروقة" هي صيحة الاستِنفار للجمهورية الجديدة، مع اتخاذ القضاء على الاستعمار النفطي كهدف أساسي. وفي عام 1959، أنشأ العراق وزارة النفط لإدارة الشؤون النفطية الوطنية.

على الرغم من هذه الجهود، سيطرت "الأخوات السبع" على أكثر من 80 في المائة من احتياطيات النفط العالمية، الأمر الذي مكنها من التلاعب بأسعار النفط.

ومن أجل التحرر من قيود التحكم هذه، سعى العراق إلى إقامة تحالفات مع دول العالم الثالث. ففي سبتمبر 1960، اجتمع ممثلون من فنزويلا والمملكة العربية السعودية والكويت وإيران في بغداد بدعوة من العراق، وأسسوا منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) لحماية مصالح الدول الأعضاء وضمان استقرار الأسعار في سوق النفط.

وفي الأول من يونيو 1972، قامت شركة النفط الوطنية العراقية بتأميم شركة نفط العراق التي كانت تحت سيطرة الغرب، ما أدى إلى موجة من التأميم سرعان ما امتدت إلى الكويت وفنزويلا والمملكة العربية السعودية ودول أخرى.

في أكتوبر 1973، خلال حرب يوم الغفران، أعلن منتجو النفط في الشرق الأوسط عن حظر نفطي ضد الدول الغربية الداعمة لإسرائيل. واغتنمت منظمة الأوبك هذه الفرصة لاستعادة سلطة تسعير النفط، حيث رفعت أسعار النفط من 5.12 دولار إلى 11.65 دولار للبرميل في ديسمبر.

بالنسبة للغرب، أنهت هذه الأزمة النفطية العصر الذهبيّ الذي كان فيه النفط أرخص من الماء.

ومع ارتفاع أسعار النفط، دخل العراق فترة من التطور السريع. وبحلول عام 1979، قفز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 392 دولارا في بداية تأميم النفط إلى 2858 دولارا.

وتذكّر حسين تلك الفترة ووصفها بزمن الرخاء حيث قال إن "الاقتصاد والمجتمع والعلوم والثقافة ازدهرت جميعا. وكان التعليم والرعاية الصحية مكفولين. كما زادت أجورنا، ونمت مدخراتنا، واشترت العديد من الأسر سيارات بل وسافرت أو درست في الخارج".

-- التاريخ يُعيد نفسه

في 20 مارس 2003، عندما انطلقت صفارات الإنذار من الغارات الجوية فوق بغداد، اجتاح الظلام البلاد مرة أخرى.

وأعلن الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بليو بوش قائلا "ليست لدينا أي مطامع في العراق سوى أن نزيل التهديد ونستعيد السيطرة على تلك الدولة إلى شعبها".

عند علمه بالغزو الأمريكي، أحرق حسين وزملاؤه جميع المواد المتعلقة بإنتاج النفط.

وقال "إذا لم ندمرها، فمن المؤكد أن الأمريكيين سيأتون لافتعال المشاكل".

نبع هذا الشعور الغريزي لدى حسين من معاناة البلاد في الماضي. وقد اعترف رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأسبق آلان غرينسبان في مذكراته قائلا "أشعر بالحزن لأنه من غير الملائم سياسيا الاعتراف بما يعلمه الجميع: إن حرب العراق تتعلق إلى حد كبير بالنفط".

وذكر حسين بمرارة "يبدو أن التاريخ يُعيد نفسه، مع الغزو الأمريكي الذي يُعيدنا إلى الوراء مائة عام".

في السبعينيات، مع تراجع الهيمنة الاقتصادية لأمريكا وانهيار نظام بريتون وودز، تم فك ارتباط الدولار بالذهب. ومن أجل الحفاظ على هيمنة الدولار، ربطته الولايات المتحدة بالنفط، وتأسس بذلك نظام البترودولار.

في عام 2000، تحول العراق من الدولار إلى اليورو في تجارة النفط، ما شكّل تهديدا لنظام البترودولار. وبعد الغزو الذي جرى عام 2003 وسقوط حكومة صدام حسين، فرضت الولايات المتحدة بأن تعود صادرات النفط العراقي إلى التعاملات بالدولار.

لقد دمر الغزو الأمريكي العراق. "فانهارت مستويات المعيشة الأساسية، وانخفضت المعاشات التقاعدية، وفقد كبار السن إمكانية الحصول على الرعاية الصحية، وفي بعض الأحيان كانت الإمدادات الغذائية غير مؤكدة"، حسبما أشار حسين.

في عام 2011، انسحب الجيش الأمريكي، تاركا وراءه عراقا يعاني من ركود اقتصادي وانقسام سياسي ومن بلاء الإرهاب. وقد قُدِّر أن الحرب وما تلاها من أعمال عنف في العراق أدت إلى مقتل أكثر من 200 ألف مدني ونزوح أكثر من 9 ملايين آخرين.

وقال حسين "كان ينبغي أن يكون النفط مصدر سعادة للعراقيين. ولكنه أصبح لعنة على البلاد لأكثر من قرن من الزمان".

-- الشراكة مع الجنوب العالمي

لا يزال النفط شريان الحياة الاقتصادي للعراق في الوقت الحاضر. فقد ذكر البنك الدولي في عام 2022 أن عائدات النفط شكّلت أكثر من 99 في المائة من صادرات العراق، و85 في المائة من ميزانية حكومته، و42 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال العقد الماضي.

ومن أجل تحقيق رخاء واستقلالية حقيقيين، من الأهمية بمكان أن يقوم العراق بتنويع اقتصاده.

في عام 2023، أطلق العراق مشروع "طريق التنمية" بكلفة تصل إلى 17 مليار دولار لربط ميناء رئيسي للسلع على سواحله الجنوبية بالسكك الحديدية والطرق المؤدية إلى الحدود مع تركيا في خطوة تهدف إلى تحويل اقتصاد البلاد بعد عقود من الحروب والأزمات.

إن هذا المشروع لا يدل على عزم العراق على الحد من اعتماده على النفط فحسب، بل يُظهر أيضا رغبة العراق في تعزيز التعاون مع الجنوب العالمي.

في سبتمبر 2023، استُهلّ مشروع للسكة الحديدية يربط بين مدينة البصرة العراقية وبلدة شلمجة الحدودية الإيرانية. وفي أبريل من هذا العام، وقع العراق مذكرة تفاهم رباعية بشأن مشروع "طريق التنمية" مع تركيا وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة.

ولفت حسين إلى أن "كركوك لديها الآن طرق جديدة، ووسائل نقل محسَّنة..." وعبّر قائلا "هذه هي بداية إعادة إعمار بلادنا، والمستقبل واعد أمامنا".

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号