بقلم ون سه، خبيرة في السياسة الدولية

19 ديسمبر 2023 /شبكة الصين/ شهدت العلاقات الصينية-العربية تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، وتعمقت أكثر بعد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية وإقامة القمة الصينية-العربية الأولى في ديسمبر 2022. وقد أشاد شي خلال الزيارة بروح الصداقة الصينية العربية التي امتدت لآلاف السنين، واقترح بناء مجتمع صيني عربي للمستقبل المشترك نحو عصر جديد، معلنا بأن الصين ستعمل مع الجانب العربي لتنفيذ "الأعمال الثمانية الرئيسية المشتركة"، حيث تم وضع تصميم على أعلى مستوى لتطوير العلاقات الصينية العربية في العصر الجديد. كما كانت الزيارة " تاريخية" وقد فتحت آفاقا جديدة لمواصلة تحقيق المزيد من النتائج المثمرة للتعاون بين الجانبين، حيث أقامت الصين تعاونا شاملا مع العديد من الدول العربية كما تبلورت الصداقة العميقة بين الجانبين في العديد من الجوانب في عام 2023، أهمها الموقف السياسي الصيني الهام في القضية الفلسطينية، حيث بذلت الصين جهودا ملموسة للسعي إلى حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وطرحت سلسلة من المقترحات لدعم القضية وطالبت بالتسوية السياسية للقضية الفلسطينية، ودعت إلى "حل الدولتين" لدعم سلام منطقة الشرق الأوسط وبقية دول العالم.

كما شهدت العلاقات الثنائية بين الصين والدول العربية العديد من الإنجازات الملموسة في عام 2023 شملت مجال الاستثمارات والتجارة والفضاء والطاقة، حيث ساهمت الصين في إطلاق القمر الصناعي "مصر سات-2" من مركز جيوتشيوان وذلك يُعتبر أول تعاون في المجال الفضائي والتكنولوجي بين الصين وإحدى الدول المشاركة في مبادرة "الحزام والطريق". وفي مجال الطاقة حققت الصين العديد من الإنجازات المهمة خلال هذا العام مع الدول العربية من بينها العقود والاتفاقيات مع العديد مع الجهات المعنية بالغاز الطبيعي والمحروقات إذ تُعتبر الصين الشريك الأهم في هذا المجال خاصة مع الدول الخليجية. ومن بين أهم الإنجازات الصينية في هذا المجال أيضا إنشاء شركات صينية محطات لمعالجة الغاز الطبيعي من بينها محطة الحلفاية في العراق والتي شهدت تقدما كبيرا خلال هذا العام، وسيساهم بتوفير الطاقة النظيفة ويوفر العديد من مواطن الشغل الهامة للسكان.

أما في مجال الاستثمار، فقد شهد الجانبان تعاونا مكثفا برز خاصة بعد الإعلان عن اتفاقيات في معرض الصين والدول العربية السادس في نينغشيا في سبتمبر 2023، حيث تم توقيع اتفاقيات تشمل أكثر من 400 مشروع باستثمارات إجمالية تزيد عن 23 مليار دولار أمريكي، تغطي مجالات متعددة من الاقتصاد والتجارة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة وغيرها، كما شهدت مؤتمرات أخرى بين الصين والدول العربية توقيع اتفاقيات هامة كان آخرها مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين العاشر في المملكة العربية السعودية في يونيو بتوقيع استثمارات بقيمة تزيد عن 10 مليار دولار أمريكي.

كما يشمل التعاون الثنائي بين الصين والدول العربية مجال التعليم أيضا، حيث وقعت الصين اتفاقيات تعاون مع الدول العربية من أجل تعزيز التواصل المعمق بين الجانبين من خلال التعاون اللغوي، وتوجد في الصين حوالي 50 كلية وجامعة متخصصة في تدريس اللغة العربية وتوجد فصول كونفشيوس في العديد من الدول العربية لتعليم اللغة الصينية، وقد اعتمدت العديد من الدول العربية تعليم اللغة الصينية في مدارس ابتدائية وثانوية أيضا الجامعات، بالإضافة إلى إقامة منتديات أكاديمية مشتركة والاعلان عن مشاريع لترجمة كتب صينية للغة العربية وأيضا تعزيز زيارات التبادلات التعاونية بين الجانب الصيني والدول العربية في مجال التعليم.

أما المجال التجاري فهو مجال حيوي بين الجانبين إذ يشهد نموا دائما بين الصين والدول العربية، خاصة بعد أن انضمت 22 دولة عربية إلى مبادرة "الحزام والطريق" بالإضافة إلى إقامة علاقات شراكة شاملة بين الصين والعديد من هذه الدول، وهو ما يظهر في التعاون التجاري المتطور بين الجانبين حيث تُعتبر الصين الشريك التجاري الأول للدول العربية بحوالي 200 مليار دولار أمريكي في النصف الأول من عام 2023، بتنوع كبير في المنتجات التي لم تعد تقتصر على الملابس والنسيج بل شملت الآن الآلات والمعدات المتطورة وأيضا القطاعات الجديدة الواعدة.

تسعى الصين والدول العربية إلى تعزيز التعاون المشترك، وقد شهدت التنمية بين الجانبين والتي تشمل مختلف القطاعات زخما قويا في عام 2023، وتطور التعاون ليفتح آفاقا كبيرة في العديد من المجالات الهامة مثل التقنية والابتكار والتكنولوجيا والترويج المشترك للبيانات الضخمة والحوسبة السحابية وبناء المدن الذكية، مما يساهم في تعزيز التعاون ضمن "الحزام والطريق" ويضخ حيوية جديدة في تعزيز بناء مجتمع صيني عربي ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد.