بقلم ون سه، خبيرة في السياسة الدولية

18 نوفمبر 2023 / شبكة الصين/ إن العلاقات الصينية-الأمريكية تتميز بنمطها الفريد وتُعتبر من أهم العلاقات الثنائية في العالم، إذ يؤثر مسار العلاقة الصينية-الأمريكية على التوجه الاقتصادي والسياسي العالمي، وخلال السنوات الأخيرة، مرت العلاقات بين البلدين بتجاذبات عديدة طالت التجارة والتكنولوجيا وحتى العلاقات الأمنية والدبلوماسية. وفي محاولة لكسر الجمود والبحث عن الاستقرار في العلاقة الثنائية بين البلدين، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بتلبية دعوة نظيره الأمريكي جو بايدن من خلال زيارة إلى سان فرانسيسكو الأمريكية من 14 نوفمبر إلى 17 نوفمبر، وجرى لقاء بينهما بالتزامن مع قمة منتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادي (أبيك)، ويُعتبر هذا اللقاء الثاني وجها لوجه بين الرئيسين منذ انتخاب جو بايدن، وهي الزيارة الأولى للرئيس الصيني منذ عام 2017. ونظرا لأهمية هذه الزيارة، فقد خصص المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية أكثر من 120 ممثلا من حوالي 80 شركة صينية للتوجه إلى الولايات للمشاركة في قمة الرؤساء التنفيذين لمنتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) لعام 2023، والتي تهتم بالعديد من المجالات المختلفة من بينها الاقتصاد الرقمي وتصنيع الآلات والطب الحيوي والذكاء الاصطناعي.

وخلال اجتماع الرئيس الصيني شي جين بينغ مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في 15 نوفمبر الجاري، دعا شي إلى "تبني رؤية جديدة للعمل معا" وأهمية أن تقوم هذه العلاقة على مبدأ الاحترام المتبادل قائلا "إن الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين هي الدروس التي تعلمها الجانبان من العلاقات الصينية-الأمريكية على مدار خمسين عاما وكذلك من الصراعات بين الدول الكبرى على مر التاريخ"، حيث إن العلاقات بين البلدين تُعتبر "أهم علاقة ثنائية في العالم". وقد جذبت محادثات سان فرانسيسكو بين الرئيسين أنظار العالم، حيث توصل الجانبان إلى أكثر من 20 توافقا مشتركا في العديد من المجالات من بينها السياسة الخارجية والتبادلات الشعبية والحوكمة العالمية والأمن العسكري والقضايا الهامة على الساحة العالمية. وقد تم وضع "رؤية سان فرانسيسكو" المستقبلية بين البلدين، والتي تحدد اتجاه تحسين العلاقات الصينية-الأمريكية وكيفية تطويرها. كما دعا الرئيس الصيني إلى أهمية اتباع "الركائز الخمس" لتعزيز العلاقات الصينية-الأمريكية، والتي تتمثل في العمل المشترك بين البلدين "على تكوين فهم صحيح، وعلى إدارة الخلافات والسيطرة عليها بشكل فعال، وتدعيم التعاون المتبادل المنفعة، وتحمل المسؤولية كالدول الكبرى، وتعزيز التواصل الإنساني والثقافي".

ومن أهم ما جاء في المحادثات بين الرئيسين والتي جرت لحوالي أربع ساعات، ما حدده الرئيس الصيني في آفاق التنمية ونواياها واستراتيجيتها تجاه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال قوله إن "الصين لن تتبع المسار القديم للاستعمار والنهب أو المسار الخاطئ المتمثل في السعي إلى الهيمنة بقوة متزايدة، ولا تصدّر أيديولوجيتها، وليس لديها خطة لتجاوز الولايات المتحدة أو إزاحتها، وبالمثل، لا ينبغي للولايات المتحدة أن تخطط لقمع الصين واحتوائها"، وهذا يعطي أساسا واضحا ومتينا لفتح "صفحة" جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين تقوم على استراتيجية صينية واضحة. ومن أجل تحقيق مسار أكثر شمولية ونجاح في العلاقات بين البلدين، لا بد من تخطي الخلافات ومواجهة التحديات مع ضرورة تعزيز التبادلات الشعبية بشكل ملموس، حيث يلعب شعب البلدين دورا مهما في تعزيز العلاقات الثنائية، وهو ما أكده شي جين بينغ بأن "مستقبل العلاقات الصينية-الأمريكية سيحدده الشعبان. كلما زادت الصعوبات، زادت حاجتنا إلى إقامة علاقة أوثق بين شعبينا وفتح قلوبنا لبعضنا البعض". وقد اتفق الرئيسان على تنفيذ المزيد من الإجراءات لتسهيل السفر والتبادلات الشعبية بين البلدين من بينها زيادة رحلات المسافرين المباشرة وإجراء حوار رفيع المستوى حول السياحة وتوسيع التواصل بين قطاعات التربية والتعليم والثقافة والرياضة وغيرها.

يمكن اعتبار زيارة شي جين بينغ إلى الولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر 2023 ووضع "رؤية سان فرانسيسكو" نقطة تحول مهمة في مسار العلاقة الصينية-الأمريكية الحديثة، والتي لها وقع هام على البلدين وأيضا على بقية العالم وخاصة في المجال التجاري، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية والصين تتصدران قائمة أهم اقتصاديين في العالم، لذلك فإن العلاقات التجارية بينهما لها وقع كبير على اقتصاد العالم، فبسبب التجاذبات التي شهدتها العلاقات في السنوات الأخيرة، تراجعت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الأول من عام 2023 بنسبة 17.9% أي بإجمالي 240 مليار دولار، فيما بلغت صادرات الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين حوالي 88 مليار دولار أمريكي، وهو ما يؤثر بشكل كبير على استقرار الاقتصاد العالمي. كما أن تحقيق استقرار في العلاقة الصينية-الأمريكية في مختلف المجالات يساهم في توفير أرضية مناسبة للدول الكبرى لحل القضايا العالمية وأيضا تحقيق المزيد من الرخاء للمجتمع الدولي.