بقلم ون سه *

20 أكتوبر 2021 / شبكة الصين / يعيش العالم تحديات كبيرة في العديد من القطاعات، ومن أبرزها النظام البيئي والبيولوجي خاصة في ظل تواصل تغير المناخ وعدم قدرة بعض الدول الكبرى التخلي على التصنيع والمسببات في التلوث مقابل "حياة آمنة" للجميع. وفي هذا الإطار، تأتي أهمية الاجتماع الـ15 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي أو ما يعرب عنه بـ"كوب 15" والذي عُقد في مدينة كونمينغ في جنوب غرب الصين من  11 إلى 24 أكتوبر 2021.  وقد تم عقد كوب 15 بعد تأجيله مرتين، ليحظى باهتمام وحضور واسع هذا العام، وذلك من خلال مشاركة حضورية وافتراضية لأكثر من 5000 ممثل من منظمات وحكومات دولية بالإضافة إلى الشركات والمؤسسات ذات الصلة (المرحلة الأولى من الاجتماع). ويُعتبر كوب 15 أول مؤتمر عالمي تعقده الأمم المتحدة لإبراز أهمية الحضارة الإيكولوجية، حيث تسعى الدول والأطراف المشاركة خلال هذا المؤتمر إلى البحث عن كيفية "مصالحة الإنسان للطبيعة" والبحث عن حماية البيئة والتنوع البيولوجي، وجاء اجتماع كوب 15 بكونمينغ تحت عنوان "الحضارة الإيكولوجية: بناء مستقبل مشترك لجميع أنواع الحياة على الأرض"، ليؤكد على أهمية التناغم بين البيئة والإنسان في مختلف الدول.

تولي الصين أهمية كبيرة للتنوع البيولوجي، حيث كانت من بين الأعضاء الأوائل في اتفاقية التنوع البيولوجي العالمية منذ عام 1993، لتتوسع الاتفاقية اليوم وتظم 196 طرفا. وتسعى كل هذه الدول والأطراف إلى البحث عن حلول فعلية أمام كل التحديات البيولوجية والبيئية التي تواجه البشرية جمعاء. إن مسألة التنوع البيولوجي وحماية البيئة لم تعد أمرا ثانويا في عصرنا الحالي، بل باتت أمرا ملحا لكل الشعوب. وتعتبر الصين من بين أهم الدول التي تهتم بهذا المجال، وذلك بإشراف الرئيس الصيني والحزب الشيوعي الصيني والمسؤولين ومختلف الجهات، حيث لا تخلو الخطط الرئيسية للصين من التركيز على التنوع البيولوجي والنظام البيئي بكل تفاصيله. وقد ألقى الرئيس الصيني خطابا رئيسيا في 12 أكتوبر عبر تقنية الفيديو خلال قمة القادة لاجتماع الكوب 15، وأكد من خلال كلمته على الجهود التي تبذلها الصين من أجل تنمية الحضارة الإيكولوجية وبذل المزيد من الجهود للتحول الأخضر وتسهيل التنمية المستدامة والحفاظ على الأنشطة البشرية في إطار حدود الإيكولوجيا والبيئة، وشدد شي جين بينغ على أهمية "تكثيف التعاون الدولي الأخضر" وعلى "تعزيز التضامن للتغلب على الصعوبات والاستفادة من بيئة سليمة".

تعتبر الصين نموذجا عالميا في الاهتمام بالتنوع البيولوجي، حيث تتخذ في خطتها الخمسية سواء الـ13 أو الـ14 تدابير وقوانين شاملة تسعى من خلالها لتعزيز حماية البيئة والأراضي الرطبة، والحفاظ على التنوع البيولوجي وتحسين مستوى حماية الأراضي الرطبة والحيوانات النادرة وغيرها من الجوانب البيئية الأخرى. وهو ما يفسر نجاح الصين في إضافة آلاف الكيلومترات مربع من الأراضي الرطبة بمعدل حماية تفوق الـ50%، وهذا يُعد إنجازا ليس على المستوى المحلي الصيني فحسب، بل أيضا على المستوى الدولي. كما أطلقت العديد من المقاطعات الصينية مشاريع مختلفة تهدف إلى حماية البيئة تحت عناوين مختلفة من أهمها "المياه النقية والجبال الخضراء" خلال السنوات الأخيرة، والتي تقوم بالأساس على تنفيذ أعمال التشجير وتحسين مستويات الغابات وإقامة إدارات خاصة بالتصحر وحماية التنوع البيولوجي، وذلك لتحقيق معدلات أكبر في التغطية الغابية في مختلف المقاطعات. كما قدمت الصين نموذجا لنجاح عملية إنقاذ النباتات والحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض، وأهم مثال على ذلك العناية الخاصة بحيوان الباندا، ليصبح هذا الحيوان رمزا للنجاح الصيني على الصعيد العالمي. فتواجد الباندا في عالمنا حتى اليوم ليس بمجرد تسلسل طبيعي، بل تمّ تحقيقه من خلال إقامة مراكز أبحاث ومراكز رعاية الباندا، وغيرها من الجهود الصينية الأخرى.

نجحت الصين في الاضطلاع بدور ريادي عالمي في التنوع البيولوجي وإقامة بيئة متوازنة، من خلال تعزيز الأفكار الصينية في هذه المجالات ومشاركتها مع بقية دول العالم، فعلى هامش كوب 15 بكونمينغ، تم إصدار "إعلان كونمينغ" والذي يؤكد على ضرورة الاتحاد والتعاون الدولي من أجل ضمان سير التنوع البيولوجي على طريق التعافي بحلول عام 2030. وما يميز هذا الإعلان أنه قدم 17 التزاما من أجل حماية "الحضارة الأيكولوجية" وركز على مشاركة الشعوب والمجتمعات في تبني إطار بيولوجي فعّال وضمان تنوعه عن طريق التعافي من أجل "العيش في تناغم مع الطبيعة" وتحقيق الرؤية الأممية 2050. ويظهر الدور الصيني الرائد أيضا من خلال تعزيز الحفاظ على التنوع البيولوجي في الدول النامية وإقامة "صندوق كونمينغ للتنوع البيولوجي" بقيمة 1.5 مليار يوان صيني، بالإضافة إلى التعاون الصيني مع بقية دول العالم من أجل حماية الحيوانات والنباتات النادرة وحماية البيئة، وكل ذلك يخدم مصالح مختلف الشعوب من أجل ضمان محيط متوازن وسليم لها.

*خبيرة في السياسة الدولية