أنس الزليطني شبّح*

22 فبراير 2021 / شبكة الصين / يتميز نظام الإدارة والحوكمة في الصين بالتجديد والإصلاح الدائم، حيث أنه منذ نشر المجلد الأول لكتاب "شي جين بينغ حول الحكم والإدارة"، يتم إصدار نسخ جديدة لنفس الكتاب بتحديث دائم لتقديم أهم التغيرات والتوجهات في النظام الصيني وسياسة البلاد المحلية والخارجية. وقد صدرت حتى الآن ثلاث نسخ لهذا الكتاب والذي يمكن اعتباره مصدرا وشرحا واضحا لسياسة الصين بقيادة الحزب الشيوعي الصيني من الفترة الممتدة من نوفمبر 2012 حتى يناير 2020.

يحتوي المجلد الثالث من كتاب "شي جين بينغ حول الحكم والإدارة" على 92 تقريرا وخطابا ورسائل تهنئة وتوجيهات وغيرها من الآراء الهامة التي صدرت عن الرئيس الصيني شي جين بينغ، وذلك للفترة الممتدة من 18 أكتوبر 2017 إلى 13 يناير 2020، وقد تم تقسيمها حسب اختلاف المواضيع إلى 19 فصلا. وتكمن أهمية هذا المجلد الثالث فيما يقدمه من محتوى لمزيد فهم التوجه الصيني والإصلاحات والانجازات التي حققتها الصين خلال فترة بالغة الأهمية على الصعيد المحلي والعالمي، حيث أن الفترة التي يغطيها هذا الجزء من الكتاب شهدت فيها الصين عدة مناسبات "تاريخية ومهمة" في مسيرتها وعلى رأسها الاحتفال بمرور سبعين عاما على تأسيس جمهورية الصين الشعبية، واحتضنت الصين أيضا قمة شيامن لمجموعة البريكس، وهذه الفترة تواكب أيضا بداية السنة الأهم في تاريخ الأمة الصينية أي 2020 والتي كانت سنة تحقيق الهدف الصيني الأسمى والمتمثل في القضاء على الفقر في كامل التراب الصيني، وتغطي أيضا سنة بداية "أصعب" التحديات الصحية والاقتصادية التي مازال العالم حتى الآن يواجهها جراء تفشي وباء كوفيد-19.

تتشارك الصين مع بقية دول العالم التجارب والمسؤوليات وهو ما يدعو إليه شي جين بينغ في العديد من المناسبات ذُكرت في المجلد الثالث للكتاب، ومن بينها اجتماع منتدى بوآو الآسيوي الذي أقيم في جزيرة هاينان الصينية في إبريل 2018، حيث أكد شي في خطابه في هذا المنتدى أن العالم في حاجة إلى التعايش والتعاون مع بعض إذ "أن لا أحد يستطيع العيش في عزلة"، وهذه الدعوة الصينية تأكدت أهميتها مع ظهور المزيد من الأزمات العالمية وخاصة بعد تفشي فيروس كوفيد-19، لتقدم الصين نموذجا واضحا لأهمية التعاون والتشارك وعدم العزلة وتقاسم التجارب والبحث عن "إنقاذ عالمي" للبشرية جمعاء. وهذه الآراء قد ركز عليها كتاب شي حول الحكم والإدارة، والذي أكد خلاله أن الصين والعالم في حاجة إلى بعضهما البعض، وأن الدول عليها البحث عن طريق "السعادة المشتركة"، والتعامل الصحيح مع الخلافات من أجل علاقات مستقرة تضمن حياة أحسن للبشرية جمعاء وذلك من أجل تحقيق الأمل الصيني المتمثل في "حياة رغيدة للبشرية جمعاء".

أعتقد أن من أهم الأجزاء التي ركز عليها المجلد الثالث لكتاب "شي جين بينغ حول الحكم والإدارة" يهتم بعلاقة الصين بالعالم وببقية الدول من خلال توضيح دور مبادرة "الحزام والطريق" الصينية والتي تسعى إلى تشارك الصين مع العالم في المصالح والمصير، حيث تداول الكتاب كلمة الرئيس الصيني في 10 أبريل 2018 خلال المؤتمر السنوي لمنتدى بوآو لعام 2018 بأن مبادرة "الحزام والطريق" هي فكرة صينية في الأصل لكن "فرصها ونتائجها ستفيد كل العالم"، إذ أكد شي نية توجهات هذه المبادرة نحو تحسين العلاقات والتعاون بين الصين والدول المنخرطة فيها، وليس بغرض القيام بتكتلات اقتصادية أو فرض صفقات اقتصادية على الدول. كما تضمن الكتاب في نفس التوجه كلمة شي جين بينغ في 18 ديسمبر 2018 خلال الاحتفال بالذكرى الأربعين للإصلاح والانفتاح بأن الصين من خلال مبادرة "الحزام والطريق" تسعى إلى "العمل مع بقية الدول لبناء منصة جديدة من أجل التعاون الدولي وخلق محركات جديدة للتنمية المشتركة"، وأن الصين "لا تشكل تهديدا لأي دولة أخرى ولا تسعى إلى الهيمنة". جاءت هذه التوضيحات بشأن توجهات المبادرة الصينية إثر تشكيك بعض الدول من أن المبادرة لا تسعى إلى تحقيق التعاون المشترك لجميع الأطراف، وهذا التشكيك ينمّ عن جهل هذه الجهات لروح مبادرة "الحزام والطريق" كما يُظهر خوف الدول المشككة من النجاح والتقدم الصيني، لتأتي خطابات شي جين بينغ عبارة على "رسائل طمأنة" لكل الذين لم يفهموا روح المبادرة. وهو ما أكده شي خلال كلمته في منتدى قمة التعاون الدولي الثاني للحزام والطريق في 26 أبريل 2019، بأن المبادرة تستجيب لتحسين نظام الحوكمة العالمي، وتسعى إلى تحقيق "حياة أفضل" لكل الناس، إذ أن المبادرة تسعى إلى تعزيز التعاون وربط الأسواق العالمية ودمج المزيد من البلدان والمناطق في العولمة الاقتصادية من أجل تحقيق "الرخاء المشترك والمنفعة المتبادلة" وذلك حسب ما جاء في خطاب شي في قمة مجموعة العشرين في 28 يونيو 2019.

أما على المستوى المحلي والوطني، أعتقد أن أهم المحاور التي وردت في المجلد الثالث لكتاب "شي جين بينغ حول الحكم والإدارة"، هو ما ورد في الخطابات والرسائل المعنوية الداعمة التي قدمها الرئيس الصيني خلال السنوات الفارطة لأبناء وطنه من خلال تمجيد دور الشعب والشباب الصيني في نجاح البلاد، حيث تؤكد خطابات شي على أهمية "التجديد العظيم للأمة الصينية"، وهو ما ورد في خطابه في الدورة الأولى للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني الـ13 في 20 مارس 2018 وخطابه خلال إحياء الذكرى المئوية لحركة الرابع من مايو في 30 أبريل 2019، حيث أكد شي على أن شعبه قريب جدا من "تحقيق هدف الشباب الوطني"، وأن "الجدية في العمل والنضال الشعبي الذي تقوم به أجيال من الشباب" هي التي تضمن تحقيق "عصر جديد للاشتراكية الصينية". كما دفع شي روح العزيمة في صفوف شعبه والشباب الصيني في العديد من التصريحات من بينها ما ورد في خطابه في مؤتمر بناء الحزب الشيوعي الصيني في 9 يوليو 2019، والذي أشار فيه إلى أهمية روح الشباب الجادة في العمل والتي تضمن "التغلب على جميع المخاطر والتحديات" التي تواجهها الأمة الصينية. كما يمكن أن نلتمس وبوضوح "صورة وروح القائد" من خلال خطابات شي واعتزازه بعزيمة أبناء وطنه وجهودهم التنموية في خطابه في الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في 1 أكتوبر 2019، حيث أكد القائد الصيني شي جين بينغ على أهمية المجهودات التي يبذلها الشعب من أجل تحقيق هدفي المئويتين وتحقيق الحلم الصيني للنهضة الوطنية" وذلك لكي يكون "المستقبل الصيني أكثر إشراقا".

يمثل المجلد الثالث من كتاب "شي جين بينغ حول الحكم والإدارة" مصدرا مهما لفهم المزيد من التفاصيل في السياسة الصينية المحلية والدولية، كما يمثل مرجعا مهما لتعزيز مفهوم التعاون والتشارك الدولي وتوضيحا لدور الشعب الذي يمثل جزءا مهما في نجاح الصين بقيادة شي جين بينغ والحزب الشيوعي الصيني.

*خبيرة تونسية في الشأن الصيني