بقلم د. أُنس الزليطني شبّح.. خبيرة تونسية متخصصة في الشأن الصيني

27  مايو 2020 / شبكة الصين / تُعتبر سنة 2020 سنة حاسمة في تاريخ الصين الحديثة، حيث تأمل الصين في تحقيق التحدي الأهم الذي وضعته الاشتراكية ذات الخصائص الصينية الحديثة، ألا وهو القضاء التام على الفقر المُدقع في كامل التراب الصيني، لتحقق الصين بذلك أهم إنجاز بشري تنتظره الأمة الصينية منذ عقود طويلة. حيث تم التركيز من جديد على هذا الهدف خلال الدورتين السنويتين منذ 21 مايو الجاري، لتؤكد الصين خلال أهداف الخطة الخمسية الـ14 للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتقرير أعمال الحكومة على مواصلة المجهودات حتى في الفترة القادمة من أجل "تخليص سكان الأرياف من الفقر بشكل شامل"، وإخراج كامل المناطق المتبقية في الصين من عتبة الفقر، وذلك من خلال إنشاء المزيد من الأراضي الزراعية عالية الجودة، و"تخليص الفقراء الريفيين من الفقر وإزالة وصمة الفقر من كل المحافظات الفقيرة وفقا للمعايير القائمة في الصين" وهو ما أكده رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ خلال الدورة الثالثة للمجلس الوطني الـ13 لنواب الشعب الصيني، كما تم تقديم جزء كامل في أعمال الحكومة الصينية خلال الفترة القادمة يهتم بالأهداف المرجُوّة للتغلب على المشاكل المستعصية للقضاء على الفقر في الصين، وتم تقديم مقترح كامل يشمل هذا الهدف، ويضمن تحقيقه.

كان أغلب سكان الصين منذ أربعة عقود فقط يعيشون دون خط الفقر، ليضع الحزب الشيوعي الصيني هدفا إنسانيا فريدا يجعل من "الحلم الصيني" يقترب من الحقيقة، بإخراج جميع السكان من خط الفقر قبل نهاية العام الحالي، وهو ما تركز عليه كل أهداف الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين، ليكون إخراج كل الفقراء من خط الفقر هو الهدف الاجتماعي الأسمى في مخططات الحزب، وقد تضافرت جهود كل الجهات الصينية لتحقيقه.

منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، واجهت الصين أهم الصعوبات والتحديات الإجتماعية لها، والمتمثلة في إخراج كل مواطنيها من تحت خط الفقر، فأغلب سكانها في ذلك الوقت كانوا من الأرياف التي لا تمتلك تقنيات زراعية، ليضع الحزب الشيوعي الصيني كنقطة بداية العديد من الحقوق والحوافز للفلاحين لاستغلال الأراضي الفلاحية، وتمّ دعم الخطة الموجهة للفلاحين ضمن النقاط الهامة في سياسة الإصلاح والانفتاح منذ 1978، ثم يتم تتويج كل المخططات السابقة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في 2012 بإعلانه هدف الحزب الشيوعي الأسمى وهو " بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل"، يتشارك في الحقوق والثروات بطريقة متساوية، وذلك بتحديد إستراتجيات شاملة تستهدف كل المناطق الفقيرة في الصين. حيث ساهمت الخطط والأهداف السنوية الصينية في السنوات الأخيرة في إخراج أكثر من 10 ملايين شخص كل سنة من براثن الفقر، بذلك انخفض معدل الفقر في الصين من 10.2% إلى 0.6%.

حققت الصين على مدار العقود الأربعة الماضية أعلى نسبة عالمية في تخفيف حدة الفقر حيث تم  إنتشال أكثر من 800 مليون صيني من تحت خط الفقر، وهو ما يمثل مساهمة بأكثر من 70% في الحد من الفقر العالمي. بذلك تكون الصين سبّاقة بحوالي 10 سنوات كاملة في تنفيذ هدف الحد من الفقر الذي وضعته الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030. لكن التحدي الأصعب الذي تواجهه الصين هذا العام في الخطة الخاصة بمساعدة الفقراء تتمثل في ما خلفه وباء فيروس كورونا على الاقتصاد والمجتمع، فالصين أمامها مهمة شاقة في الأشهر المتبقية من هذا العام، من أجل رصد ومساعدة من عادوا إلى الفقر بعد تخليصهم منه، بالإضافة إلى أنها ستضاعف المجهودات من أجل ضخ أموال أكثر لتعزيز التدابير والاجراءات اللازمة لمساعدة حوالي خمسين منطقة فقيرة متبقية في الصين، من خلال توفير وظائف وفرص عمل مستقرة للقوى العاملة الريفية، وأيضا من خلال دعم الاستهلاك المحلي ومنتوجات المناطق الفقيرة، كما أقامت الصين دعوة إلى "الصناعات الهادفة إلى تخفيف الفقر لاستئناف التنمية"، وضمان استقرار وتطور الفلاحة والزراعة في الأرياف الصينية مع تقديم المزيد من الحوافز لريادة الأعمال والفلاحين في المناطق الريفية، وتوسيع قنوات توظيف الفلاحين وزيادة دخلهم، ودعم بناء منشآت البنية الزراعية الحديثة وتعزيز الخدمات الاجتماعية للعائلات الفلاحية، وغيرها من المحفزات الهامة لضمان رخاء معيشة السكان في كامل المناطق الريفية الصينية.

أعتقد أن الصين ستحقق هدفها المنشود المتمثل في القضاء على الفقر بنهاية عام 2020، وذلك بالرغم من تأثيرات وباء كوفيد-19، حيث أكدت الصين في أول حدث وتجمع سياسي هام لها خلال هذا العام، بأن الوضع الحالي لن يقف أمام تحقيق هدفها المنشود وانتشال كل الفقراء الصينيين من تحت خط الفقر بنهاية العام الجاري، وهو ما سيكون نموذجا للإنسانية ولبعض الدول التي كانت ترى من المليار و400 مليون نسمة  عائقا كبيرا أمام تطور الصين، لتجعل الأخيرة من كثافة سكانها "نعمة" تخدم كل مصالحها الاقتصادية والاجتماعية، ويكون مبدأ "مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية جمعاء" حافزا أكبر لبقية الدول التي تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030.