arabic.china.org.cn | 10. 02. 2020

تونسية مقيمة في الصين: أزمة كورونا تزيد ثقتي في الصين

 

 

بقلم د. أُنس الزليطني شبّح، خبيرة تونسية في الشأن الصيني

 

10 فبراير 2020 / شبكة الصين / أقيم في الصين منذ 13 عاما وبالتحديد في بكين، لكن منذ بداية 2020 أعيش تجربة واستثنائية في هذا البلد الصديق، حيث أنني وجدت نفسي رفقة عائلتي نخوض تجربة خاصة جدا تتمثل في تقاسم "محنة كورونا" مع أصدقائنا الصينيين. منذ ظهور فيروس كورونا الجديد في أواخر ديسمبر 2019 حتى الآن مرت تجربتي بعدة مراحل، فمنذ إعلان الحكومة الصينية عن ظهور فيروس جديد تحت اسم "فيروس كورونا الجديد 2019"، بدأت أتابع عن كثب تطور المستجدات مثلي مثل بقية كل من يعيش في الصين، وذلك من خلال متابعة حينية للإعلام الصيني الذي يقدم المعلومات باستمرار حول تفشي الفيروس، وتوضيح معرفة أعراضه وكيفية الوقاية منه، ومن خلال استعمال أيضا تطبيقات جديدة سهلت علينا الوصول إلى كل المعلومات بطريقة سلسة للغاية، وهو ما جعلني أشعر بالطمأنينة رغم محاولة الاعلام الخارجي التشكيك في مصداقية هذه المعلومات.

 

ثم في مرحلة ثانية وبالتحديد في 24 يناير 2020، قامت الحكومة الصينية عشية عيد الربيع الصيني بإعلان حالة طوارئ من الدرجة الأولى على كامل الصين، والاعلان عن الحضر الصحي وعزل مدينة "ووهان" حيث أنها مركز تفشي فيروس كورونا الجديد، وذلك من أجل احتواء الفيروس والتصدي لعدم تفشيه بصفة أسرع خلال أكبر هجرة بشرية نشهدها سنويا في عيد الربيع الصيني، مع القيام بعدة اجراءات تسهيلية لالغاء الحجوزات وتذاكر التنقل بين المقاطعات الصينية، وخلال هذه المرحلة اتخذت الصين قرارات حاسمة في الوقت المناسب، حيث أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عن حزمة من الإجراءات الصارمة لمكافحة فيروس كورونا، واتخذت الحكومة الصينية عدة إجراءات وقائية سعيا منها إلى السيطرة على الوضع، وترأس كبار المسؤولين الصينيين معركة الصين ضد فيروس كورونا، وتم تكوين جبهة أمامية تواجه مخاطر هذه الحرب، تتكون من مسؤولين وطواقم طبية وقوات عسكرية  ومتطوعين وغيرهم من عدة مجالات أخرى.

 

كما خصصت الحكومة المركزية الصينية ما قيمته 17.29 مليار يوان صيني (حوالي 2.5 مليارات دولار أمريكي) لمكافحة الوباء حتى الساعة السادسة من مساء الـ8 من فبراير الجاري، وتم إصدار قرار بناء في مدة عشرة أيام فقط، لمستشفيين في مدينة "ووهان" لاحتواء عدد أكبر من المصابين بفيروس كورونا.

 

وفي مرحلة ثالثة، وهي التي تبقى راسخة في ذهني ما حييت، هي مرحلة الوعي الذاتي من كل المواطنين، شاهدت "ثقافة الثقة" و"الوعي الذاتي"، فالحكومة الصينية وضعت مقاطعة "هوبي" في الحجر الصحي، لكن بقية المقاطعات إختار سكانها تطبيق الحجر الذاتي، دون املاءات قانونية تجبرهم على ذلك، وهو ما يفسر درجة الوعي من جهة ودرجة ثقة الصينيين بحكومتهم من جهة أخرى، وهذه التجربة يمكن أن تكون مثالا يقتدى به، فرغم أهمية عيد الربيع الصيني ومهرجاناته وطقوسه التي ينتظرها الصينيون بفارغ الصبر كل عام، إلا أنهم التزموا بالتعليمات الوقائية واختاروا البقاء في بيوتهم والكثير منهم لم يعد إلى مسقط رأسه للاحتفال مع العائلة، وتكونت صورة أخرى للمجتمع الصيني العملي والمحب لتقاليده، إلى صورة المواطن المنضبط والواعي بدرجة المسؤولية والتعاون والتآزر.

 

إن المراحل التي عشتها ولا زلت أعيشها حتى الآن خلال هذه التجربة الفريدة في الصين تعلمت منها الكثير، حيث أن الفترة حرجة وهو ما لا شك فيه، لكن رغم صعوبة المرحلة، إلا أن فيروس كورونا زاد ثقتي في الصين وزاد ثقتي في نجاحها في تخطي هذا الامتحان بامتياز، فالقرارات التي اتخذتها الصين في وقت حاسم جدا هي قرارات صائبة، من إعلان حالة طوارئ صحية، إلى تعليق الدروس وتمديد عطلة عيد الربيع، إلى تعليق الرحلات السياحية خارج الصين، كل هذا يخدم البشرية على حساب خسائر اقتصادية ومادية فادحة، حيث وضعت الصين سلامة مواطنيها في الدرجة الأولى، بل وضخت مبالغ كبيرة لدعم مكافحة فيروس كورونا وهو ما يبين أن الحكومة الصينية تمتلك قدرة مالية قوية في إدارة الأزمة.

 

ما أبهرني أيضا، هو أن الحياة اليومية ومستلزماتنا لم تنقص، لزمت البقاء في حجر ذاتي للمساهمة في مكافحة الوباء، لكن كل مرة أخرج للضرورة القصوى محترمة كل طرق الوقاية، أقتنع أكثر بأن وصف الصين بـ"القاطرة" ليس مجرد تملّق، بل هي حقيقة، حيث أن شوارع بكين مضيئة ونظيفة كأن شيئا لم يكن، كما أن المحلات الغذائية مليئة بكل المستلزمات، كما لاحظت وجود "جنود الصفوف الأولى" مثل رجال الشرطة وعمال النظافة وعمال قطاع الصحة والعديد من المكافحين الذين ساهموا في كل هذا الاستقرار.

 

رغم الكمية الهائلة من رسائل الذعر والتخويف التي شاهدتها منذ ظهور فيروس كورونا الجديد على وسائل التواصل الاجتماعية الخارجية، إلا أنني اخترت البقاء برفقة أفراد عائلتي في الصين واخترنا تقاسم التجربة برُمتها مع الصينيين خلال وقت الضيق، فالتنقل والسفر لا يساهم في الحد من انتشار الوباء، ولا يضمن سلامتنا وسلامة الآخرين، كما أننا على ثقة بأن الصين بكل هذه الإجراءات والمجهودات تتمتع بقدرات كبيرة تجعلها محض ثقتنا في نجاحها في هذه المعركة، وسنكون شاهدين على نجاحها في هذا التحدي، فهذه المعركة لن تُضعف الصين بل ستقويها أكثر وتجعلها حكومة وشعبا عنوانا للعمل والثقة والوعي.

 

 

 

-------------------------------------

 

الآراء الواردة في المقال تعكس آراء الكاتب فحسب، وليس الشبكة


 

 

1   2   >  


   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号