بقلم د.أُنـــس الزليطني

26 سبتمبر 2019 / شبكة الصين / تشهد بكين خلال هذه الأيام تحضيرات مستمرة للاحتفال بالعيد الوطني الصيني، حيث أن الأول من أكتوبر المقبل ستحتفل الصين بالذكرى الـ70 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية (1949-2019)، إذ تحمل العقود السبعة الماضية تاريخا مشرّفا وصورة واضحة للإنجازات الصينية المذهلة.

إن تصنيف النموذج الصيني على أنه من بين أهم النماذج الدولية، جاء نتيجة لنجاح التجربة الصينية الفريدة التي شملت كل القطاعات، حيث حققت الصين في وقت قصير معجزة اقتصادية، ليتحول اقتصادها إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وحسب بيانات المصلحة الوطنية للإحصاء الصينية، تطور الاقتصاد الصيني خلال السبعين عاما الماضية بصفة كبيرة، إذ ارتفع إجمالي الناتج المحلي بمعدل سنوي متوسطه 8.1 بالمائة، كما ارتفع إجمالي الناتج المحلي الصيني من 67.9 مليار يوان عام 1952 إلى 90.03 تريليون يوان عام 2018، رافقه تطور في الإيرادات المالية الصينية التي كانت 6.2 مليار يوان فقط عام 1950 لتبلغ 18.34 تريليون يوان في 2018، لتحتل بذلك القاطرة الصينية الصدارة العالمية في العديد من المستويات، فالصين تحتل المرتبة الأولى عالميا منذ 13 عاما من حيث احتياطي النقد الأجنبي الذي بلغ 3.1 تريليون دولار أمريكي في نهاية عام 2018، كما بلغ تكوين رأس المال في الصين 44.9% ليساهم ذلك في 32.4% في النمو الاقتصادي الصيني.

ومع التطور المستمر للقوة الاقتصادية الصينية، شاركت الصين بشكل فعّال في الاقتصاد العالمي واهتمت بتحسين الهيكل الصناعي، ليتحول خلال العقود السبعة الماضية من اقتصاد يعتمد على الصناعات الأولية إلى اقتصاد يعتمد على قطاعات جديدة مثل الصناعات المتطورة والتكنولوجيا الرائدة وقطاع الخدمات مع الاهتمام بتطوير القطاع الزراعي لضمان الأمن الغذائي في البلاد، حيث ارتفع إجمالي إنتاج الحبوب في الصين من 113.18 مليون طن عام 1949 ليقفز إلى حوالي 657.89 مليون طن في عام 2018. كما اهتمت الصين أيضا بتطوير البنية التحتية في البلاد.

كما اهتمت الصين خلال الأعوام الـ70 الماضية، بتطوير التعاون التجاري والاقتصادي مع كل الدول الخارجية التي تتعامل معها على أساس الاحترام المتبادل في إطار تحقيق المنفعة المشتركة، بذلك حقق معدل إجمالي الصادرات والواردات الصينية قفزة هامة من 1.13 مليار دولار أمريكي عام 1950 إلى 4.6 تريليون دولار عام 2018، وقد ارتفعت هذه النسبة خاصة بتعزيز الصين التعاون مع الدول الخارجية من خلال سياسة الانفتاح والإصلاح وصولا إلى مبادرة "الحزام والطريق".

ولتحقيق المزيد من الإنجازات في كل القطاعات أعطت الصين أهمية كبرى لتطوير بنيتها التحتية، حيث شهدت شبكات النقل والاتصالات وإنتاج الطاقة طفرة كبيرة، إذ كان إجمالي طول السكك الحديدية في 1949 حوالي 21.8 ألف كيلومتر، ليصل طول هذه الشبكة إلى 132 ألف كيلومتر عام 2018، وبذلك تمثل شبكة السكك الحديدية العالية السرعة في الصين أكثر من 60% من الإجمالي العالمي.

كما شمل التطور الصيني خلال الـ70 عاما الماضية، اهتمام الحكومة بترفيع نسبة الحضرنة في المدن الصيني لتصل إلى 59.58% عام 2018، جاء ذلك نتيجة لارتفاع عدد المدن الصينية من 132 مدينة عام 1949 إلى 672 مدينة نهاية عام 2018.

لقد حققت الصين معجزات في العديد من القطاعات، لكن تبقى خطتها الإنسانية والاجتماعية المتمثلة في القضاء على الفقر نهائيا في كامل التراب الصيني، هي أكثر المخططات نبلا، حيث لا تهتم باقتصاد دولة بحالها فحسب بل أيضا بمصالح الفرد وترفيع مستواه.

إذ انتشلت الصين أكثر من 740 مليون شخص من الفقر خلال أربعين عاما، كما وضع الرئيس الصيني شي جين بينغ، مخططا صارما يصبو إلى تحقيق التحدي الأكبر للصين المتمثل في القضاء على الفقر بشكل تام، لتنتشل الصين خلال الـ6 أعوام الماضية، أكثر من 60 مليون شخص من الفقر. ولتحقيق ذلك، قامت الصين بتحسين المستوى المعيشي للسكان خاصة في المناطق الريفية الفقيرة، كما أقامت تسهيلات للمشاريع في هذه المناطق، وأقامت أكبر مخطط ونظام للضمان الاجتماعي في العالم، حيث يغطي نظام معاش الشيخوخة الأساسي أكثر من 900 مليون شخص كما يغطي التأمين الصحي أكثر من 1.3 مليار شخص.

 ووفقا لتقرير الأهداف الإنمائية الألفية للأمم المتحدة، تجاوزت نسبة مساهمة الصين في تخفيض الفقر العالمي 70%. لتتحول التجربة الصينية في مكافحة الفقر تجربة مثالية تبرز نجاح حوكمة البلاد في توفير حياة رغيدة للمجتمع الصيني ولكل المجتمعات.

إن ما حققته الصين خلال هذه الأعوام السبعين الماضية من نجاحات عظيمة عادت بالنفع على الصين وعلى العالم أيضا. حيث حققت الصين طفرات شاملة في أغلب المجالات المحلية والدولية، أهمها شملت المجال الاقتصادي، المجال السياسي والمجال الاجتماعي. لتصبح بذلك مثالا يُحتذى به وتجربة فريدة في العالم تسعى العديد من الدول الخارجية إلى تطبيق ما يتماشى من هذه التجربة مع اقتصاداتها ومجتمعاتها.