النبطية، جنوب لبنان 7 سبتمبر 2019 (شينخوا) يلتف عشرات الشبان والشابات المتشحون بالسواد حول قدر حديدي ضخم للطهي يطلق عليه "خلقينة" عند الطرف الغربي لمدينة (النبطية) في جنوب لبنان، بينهم من يهتم بإشعال النار وتزويدها بالحطب ، وبعضهم الآخر ينشغل بتحريك محتويات خلقينة "الهريسة" حتى تنضج .

وتستوقفك كيفما تجولت خلال أيام عاشوراء في مدن وبلدات الجنوب اللبناني ، ذات الغالبية الشيعية ، الرايات السود حدادا لمناسبة ذكرى عاشوراء ومواقد تسطع بنارها تحت قدور حديدية تطبخ فيها "الهريسة".

وعاشوراء هي الأيام العشر الأولى من شهر محرم وفق التقويم الهجري، وهي أيام حزن وعزاء عند الطائفة الشيعية، حيث تحيي في العاشر من محرم ذكرى مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في عام 680 ميلادي في موقعة (كربلاء) في العراق.

وكان الإمام الحسين قد تعرض ورهط من من أهله وصحبه للحصار في (كربلاء) على يد جيش يزيد بن معاوية الخليفة الأموي الثاني الذي رفض الحسين مبايعته حيث حوصر وقتل وأهله ورفاقه فيما أسر النساء.

وللشيعة طقوس وشعائر خاصة طيلة الأيام العشر الأولى من محرم وبينها إقامة مجالس عزاء تروي واقعة مقتل الحسين وآل بيته والمعاناة التي تلقوها وسط حالة من الحزن والبكاء واللطم على الصدور كما يتم توزيع الأكل والحلويات عن روح الحسين.

ويتوج إحياء ذكرى موقعة (كربلاء) التي يعتبرها الشيعة "ثورة ضد الظلم" في العاشر من شهر محرم بالمسيرات والمواكب كما تمارس طقوس مسرحية أحداث " أحداث كربلاء".

ويقول المشرف على عملية تحضير وتوزيع الهريسة في غرب مدينته (النبطية) عادل طباجة لوكالة أنباء (شينخوا) "الهريسة طبختنا المباركة والمفضلة خلال أيام عاشوراء".

ويضيف طباجة "الكثير من الناس يساهمون قدر استطاعتهم ماديا لتمويل شراء مستلزمات إعداد الهريسة من قمح ودجاج ولحم وسمن والبعض يساهم في الطهي والتوزيع على المحتاجين وأحيانا على المارة من عامة الناس" .

ويوضح أن الإناء المستخدم في طهي الهريسة يتسع لحوالي 50 كيلوجراما من القمح و25 كيلوجراما من الدجاج وهذه الكمية كافية لإطعام أكثر من 200 شخص ، وتتم عملية الطهي يوميا على مدى تسعة أيام.

ويقول المواطن الستيني علي جابر لوكالة أنباء (شينخوا) بينما كان يشتري مستلزمات الهريسة من إحدى المحال التجارية أن معظم البلدات في جنوب لبنان تحضر الهريسة في مناسبة عاشوراء فهذا الطبق من التقاليد المتداولة منذ القدم لدى الطائفة الشيعية وخاصة في جنوب لبنان.

ويضيف "الهريسة طبق عرفه العرب منذ قبل الجاهلية، وله عدة اسماء ومنها (السويق العاشورية والحبية والشلة في العراق) وهذا الطبق المتعدد الاسماء يرتبط بشكل وثيق بذكرى عاشوراء ".

وتوضح نايفة عقيل إحدى العاملات في جمعية دينية ترعى الأيتام لوكالة أنباء (شينخوا) أنه لإعداد الهريسة ينقع القمح المقشور بالمياه لفترة 12 ساعة ليطبخ بعدها مع اللحم أو الدجاج وتضاف اليه الزبدة والسمن والملح والكركم.

وتضيف "عملية الطهي تتم بسلق القمح مع الدجاج وصولا إلى ذوبان حبيبات القمح عبر فركها بملعقة خشبية، وهذه العملية لا تحتاج إلى وقت كثير وتتم على نار خفيفة".

ويقول عضو المجلس البلدي في بلدة (زوطر) عادل حايك لوكالة أنباء (شينخوا) إن "طهي الهريسة تقوم به العائلات الميسورة والفقيرة على حد سواء ويشارك فيه الأقارب والجيران ويأتي في كثير من الأحيان ملازما لنذور يحبذ إيفاؤها في أيام عاشوراء".

وتواكب مراسم إحياء عاشوراء تقاليد إجتماعية متعددة بينها اعداد أقراص حلوى "كعك العباس" وتقديم "راحة الحلقوم مع البسكويت" حيث أصبحت هذه الأصناف مع الهريسة مرتبطة بشكل أساسي بإحياء عاشوراء.

يذكر أن الطائفة الشيعية في لبنان تشكل نسبة 31.6 في المئة من اللبنانيين البالغ تعدادهم 5.5 ملايين نسمة بحسب تقديرات نهاية العام 2018 ، وتقيم الطائفة سنويا مراسم ذكرى عاشوراء في معظم المدن والبلدات الشيعية في مختلف المناطق.