تحقيق إخباري: أمل وتفاؤل بين سكان الموصل العراقية على الرغم من ان حركة الإعمار بطيئة

الموصل، العراق 9 ديسمبر 2018 (شينخوا) مرت سنة على إعلان رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي استعادة قواته جميع الاراضي العراقية وطرد التنظيم المتطرف منها، وسنة ونصف على استعادة الموصل كبرى مدن الشمال وتحسن الوضع الامني فيها الا ان حركة الاعمار ما تزال تسير ببطيء رغم الدمار الكبير.

ورغم البطأ في عمليات الاعمار لاسباب مختلفة الا ان هذا لم يفقد الموصليون الامل باعادة اعمار مدينتهم التي لحق بها دمار كبير بسبب التنظيم المتطرف او العمليات العسكرية لطرده، فأهالي الموصل متفائلين بمستقبل افضل رغم كل الظروف الصعبة التي ما تزال تحيط بهم.

المدينة القديمة وسط الموصل والتي شهدت اعنف المعارك ولحقت بها افدح الاضرار ما تزال صور الدمار والخراب هي السائدة فيها، الا ان المتجول فيها يلاحظ وجود تغيرات هنا وهناك، فقد فتحت بعض المحال والمقاهي أبوابها وعادت بعض العوائل إلى منازلها بعد ان عمرتها بجهودها الذاتية.

ويؤكد أهالي الموصل القديمة بشكل خاص على ضرورة استمرار عجلة الحياة بالدوران من خلال التعاون فيما بينهم وبين الجهات الحكومية والمنظمات الانسانية لاعادة اعمار هذه المدينة التي شهدت دمارا كبيرا طال كل شيء.

وقال محمد ابوطيبة صاحب محل السرحان المشهور ببيع القهوة في الموصل القديمة لكنه الان يفتح محله بصورة مؤقتة بالجانب الشرقي بالموصل ويعمل على اعمار محله المدمر والعودة اليه خلال شهرين، قال لوكالة أنباء (شينخوا) "كنت في مركز الموصل التجاري وهو باب السراي وعملي ممتاز، لكن بسبب الحرب اصبحنا مشتتين وانخفض دخلنا بشكل كبير، كلي امل بالعودة لموقعي الاصلي الاول وسط المدينة القديمة (باب السراي) شريان الموصل التجاري، ونأمل بان تستمر الحياة اكثر واكثر وتسير بوتيرة اعلى واعلى وافضل".

واوضح ان هناك جهودا من بعض الخيرين وجهودا من الحكومة للتعاون على اعادة اعمار الموصل القديمة وما دمر خلال عمليات التحرير، مضيفا "بدأنا باعادة اعمار المحال التجارية والاسواق والدور، والطرقات على وشك ان تعبد، وتمت اعادة المياه والمجاري وغيرها من الامور التي تنشط الحياة في الموصل".

وبشأن رأيه باعادة الاعمار، قال ابوطيبة "اعادة الاعمار بالنسبة للمدينة القديمة والجانب الغربي خاصة تسير لكنها بطيئة جدا، فقد مرت سنة ونصف على التحرير، وابسط شيء المفروض ان نعيد اعمار سوق السراي الذي هو شريان الموصل التجاري، لكنه لحد الان لم يتم اعماره".

ويرى ان هناك بعض الامور التي تعيق الاعمار مثل الفساد لكن هذا يجب ان لا يوقف عجلة الحياة ولا يمنع التعاون قائلا "يد بيد ونتكاتف جميعا، لاعادة اعمار الموصل واعادة بناء الموصل خاصة والعراق عامة، انا متفائل بان تعود الموصل افضل، ودائما اقول سوف يكون الساحل الايمن (الغربي) اجمل وارقى واروع من الجانب الايسر (الشرقي)، لكن المسالة تحتاج إلى صبر ووقت".

ودعا ابوطيبة الحكومة المركزية إلى التعاون ووضع يدها بيد اهالي الموصل لتسريع عملية الاعمار قائلا "يجب على الحكومة ان تتعاون معنا ونكون يدا بيد وتسرع بعملية الاعمار حتى نعمل ليلا ونهارا لاعادة اعمار مدينتنا الحبيبة الموصل"، كما دعا الشركات الاجنبية الى المجيء للموصل والى العراق للعمل والاستفادة من الفرص الموجودة حاليا.

واقر ابوطيبة بوجود نقص كبير في بناء المدارس واعادة اعمار الجسور، ونقص في الابنية الصحيحة ونقص في جوانب اخرى الا ان ذلك لا يمنعه من التفاؤل بالمستقبل الذي يراه زاهرا قائلا "تطلعاتنا للمستقبل رائعة جدا وانا متفائل جدا، امنيتي ان اعود إلى المدينة القديمة وإلى سوق السراي، وان ابيع واشتري وارجع مع عائلتي إلى مكاني الذي عشت فيه وتربيت به، هذه امنيتي واتطلع لتحقيقها، وعلى جميع المسئولين ان يسمعوا بان هذه امنية كل مواطن موصلي يريد ان يعود إلى داره وإلى منطقته ويعيش بتفاؤل بين احبابه وناسه واقاربه".

السلطات المحلية في الموصل ورغم امكانياتها المتواضعة وقلة المخصصات المالية تواصل عملها باصرار وتحدي وتقر وتعترف ببطيء عمليات الاعمار لكنها تؤكد على استمرارها وعدم توقفها لتقديم اية خدمة حتى لو كانت بسيطة الاهالي المدينة.

وقال حمدون غانم مسئول بلدي في قاطع المدينة القديمة اثناء اشرافه على رفع انقاض إحدى الدوائر الحكومية المدمرة "إن عمليات اعادة الاعمار تسير وغير متوقفة لكنها ليست بالمستوى المطلوب والذي يتلائم مع حجم الدمار في الموصل، لكن ورغم امكانياتنا المتواضعة فقد قمنا برفع انقاض اكثر من 20 دائرة حكومية في الجانب الغربي من الموصل وعملنا متواصل".

وتابع والحسرة والالم بادية عليه "نحن نعمل بجد لاعادة اعمار مدينتنا لكن هناك بعض المعوقات منها الاجراءات البيروقراطية والتعقيدات الادارية، فمثلا نقوم برفع انقاض البنايات التي تعود ملكيتها للدولة ويجب علينا ان نستخرج الحديد وعزله عن بقية الانقاض، ومن ثم تأتي لجنة لجرده وتسجيل كمياته ونوعياته، ومن ثم تبلغ بغداد بكتاب رسمي (خطاب) للحصول على موافقتها لبيعه بمزايدة علنية وفقا للقانون، وهذا يحتاج لوقت طويل ما يؤدي إلى تأخير عمليات رفع الانقاض وبالتالي تأخير عمليات اعمار المؤسسات الحكومية التي تقدم خدمات للمواطنين".

واضاف "ان انخفاض المخصصات المالية في الموازنة العامة للموصل والتي هي قليلة جدا مقارنة بالدمار الكبير الذي لحق بها جراء ما قام به التنظيم المتطرف او نتيجة العمليات العسكرية لاخراج هذا التنظيم وخاصة من المدينة القديمة التي اتخذها مقرا له، لذلك نطالب الحكومة المركزية بزيادة المخصصات المالية واستثناء الموصل من كل القوانين لكي يتم اعمارها".

واقترح غانم على الحكومة العراقية تخصيص كل الاموال التي تحتاجها الموصل لاعادة اعمارها وبعد عودة الحياة إلى طبيعتها واعمار الموصل يمكن للحكومة ان تبدأ بقطع ما خصصته للموصل من ميزانيتها، مبينا انه اشبه بقرض من الحكومة ويسدد من حصة الموصل في الميزانية خلال السنوات المقبلة.

وخلص إلى القول "سنواصل عملنا ونحن مصرون على اعادة اعمار الموصل، رغم كل المعوقات والصعوبات لان ارادة الانسان اقوى من كل التحديات والظروف، واهالي الموصل لديهم قوة تحمل وصبر وارادة قوية، فالموصل ستعود افضل مما كانت، وكلنا امل بالمستقبل وبتعاون الحكومة المركزية ومساندتها".

اثناء التجوال في المدينة القديمة ترى العديد من الآليات تعمل والمزيد من المحال التجارية يتم اعادة اعمارها وفتحها لكنها كلها بجهود ذاتية بالاعتماد على النفس، سكان المدينة يطالبون الحكومة بتعويضهم لكي يعيدوا بناء مساكنهم وممتلكاتهم لطي صفحة الماضي الاليم والانطلاق نحو مستقبل افضل.

وكان زهير الاعرجي قائممام الموصل (أعلى مسئول اداري بالمدينة) اوضح في لقاء سابق مع (شينخوا) أن 11500 وحدة سكنية (منزل وشقة) دمرت في المدينة القديمة، فضلا عن تدمير البنى التحتية فيها لمشاريع الماء والكهرباء، مبينا ان نسبة الدمار بعموم احياء الموصل تراوحت بين 10 بالمائة إلى 100 بالمائة كما هو الحال في المدينة القديمة.

وزاد تفاؤل اهالي المدينة القديمة خلال الايام القليلة الماضية، عندما شاهدوا الآليات والشاحنات تبدأ بعملية رفع الانقاض من جامع النوري ومنارته الشهيرة الحدباء، استعدادا لاعماره، واصفين ذلك بانه جرعة امل وتفاؤل لاعادة اعمار المدينة بشكل عام لان اعمار الجامع سوف يشجع على العودة واعمار المنازل والدور القريبة منه.

على صعيد متصل، أقر مصطفى الهيتي رئيس صندوق اعمار المناطق المتضررة من العمليات الارهابية والذي اسسته الحكومة العراقية في 2015 لينسق بين المنظمات الدولية والجهات العراقية بعمليات اعادة الاعمار، اقر بقله المخصصات المالية للمناطق المتضررة ما أدى إلى تباطؤ عمليات الاعمار.

وقال الهيتي لـ (شينخوا) "إن الاموال المرصودة للصندوق لا تتناسب اطلاقا مع حاجة الاعمار والمبلغ الكبير الذي نحتاجه واليوم وبعد مرور نحو ثلاث سنوات على تأسيس الصندوق لم نحصل الا على اقل من 2 بالمائة من الحاجة الفعلية لنا، وبالتالي فان مساحة 40 بالمائة من العراق تحتاج إلى اعادة الاعمار لايمكن اعمارها بهذه المبالغ الزهيدة".

وكشف الهيتي ان المشاريع التي يعمل عليها صندوق الاعمار هي 743 مشروعا منها 499 مشروعا بتمويل من الموازنة الفدرالية وبقية المشاريع بالاعتماد على القروض والمنح الدولية، مبينا ان 441 من هذه المشاريع قد انجزت وبواقع 150 مشروعا في عام 2016 و 163 مشروعا في 2017 و 183 مشروعا في 2018 ومن بينها مجموعة من الجسور التي تم انجازها في محافظات الموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى وعمليات تبليط لعدد من الطرق الرئيسية التي تربط بين المحافظات وتربط العراق بدول الجوار وانجاز مشاريع في مجال الكهرباء والماء الصالح للشرب والمدارس والمراكز الصحية.

ووصف الهيتي هذه المشاريع التي نفذها الصندوق بانها مهمة جدا واسهمت في عودة النازحين وتقليص عددهم من ستة ملايين إلى مليون و 900 الف نازح.

وأكد أن الصندوق يركز على نقطة مهمة اخرى وهي اعادة بناء الانسان في المناطق المحررة، قائلا "لدينا برنامج نطلق عليه برنامج الدعم الانساني حيث تم ايجاد مراكز متخصصة في هذه المناطق لدعم الناس، وعلى سبيل المثال فان احد المراكز في مدينة الموصل، سجل التحاق 35 الف شخص طوعيا من مختلف الاعمار للمعالجة من الاثار النفسية للحروب والكوارث التي سببتها فلسفة تنظيم (داعش) الاجرامية في تفخيخ الاطفال والاعمال الاجرامية الاخرى التي قام بها".

واضاف الهيتي ان "موضوع الاعمار لا يوجد فيه سقف زمني، ولكن يمكن ان نحدده بمراحل وهي الاهم والمهم، والمشاريع التي تحتاج إلى وقت طويل، فالاشياء الضرورية لحياة الناس يتم التعامل معها وفق المدى القصير وهو اقل من سنتين ونصف وتشمل الماء والكهرباء والصحة والطرق والجسور، لكن موضوع مثل اعادة اعمار المعامل الانتاجية غير موجود في اعادة الاعمار حاليا ويمكن ان يحال إلى المشاريع طويلة الامد التي تنجز بالاستثمار".

وسيطر التنظيم المتطرف العام 2014 على نحو 40 بالمائة من الاراضي العراقية، واعلن مدينة الموصل عاصمة لدولته التي اعلنها زعيمه ابو بكر البغدادي من جامع النوري بالمدينة القديمة، ما ادى إلى نزوح ملايين العراقيين، وخاضت القوات العراقية معارك ضارية استمرت أكثر من ثلاث سنوات أسفرت عن اعلان استعادة السيطرة على جميع الاراضي والنقاط الحدودية من سيطرة التنظيم المتطرف في التاسع من ديسمبر العام الماضي.