الصين وعمان... نموذج إيجابي للتعاون المتبادل المنفعة arabic.china.org.cn / 10:09:28 2018-05-31
بقلم هيفاء سعيد 31 مايو 2018 / شبكة الصين / العلاقات التاريخية بين الصين وعمان، تعد من أكثر العلاقات الثنائية بين الدول التي تميزت بالتطور السلس والهادئ والمستقر منذ فترة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين بكين ومسقط في الخامس والعشرين من مايو عام 1978. الإعلان عن تأسيس هذه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بالرغم من اختلاف أنظمة الحكم السياسية لهما، كان ينم عن حكمة وبعد نظر من قبل الجانبين لأهمية بدء مرحلة جديدة من الممارسة الدبلوماسية الفعلية، التي تقتضي تجاوز الاختلافات الثقافية والفكرية والأيديولوجية ووضع حجر الأساس لبناء علاقات ثنائية تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلد الآخر والاحترام المتبادل لوجهات النظر المختلفة، في خدمة تبادل المصالح والمنافع بين البلدين. وقد ساهم ذلك تدريجيا وبشكل مباشر في تعزيز العلاقات السياسية بين الجانبين، والتي اتخذت منحى جديدا لتطويرها من خلال التقليد السنوي لاجتماع فريق التشاور السياسي بين وزارتي خارجية الصين وعمان بالتناوب في عاصمتي البلدين. وكذلك تطورت لجنة التشاور السياسي إلى لجنة للتعاون الإستراتيجي، مبرهنة على التطور الدائم لهذه العلاقات. يضاف إلى ذلك، تأسيس اللجنة الصينية- العمانية المشتركة، وجمعية للصداقة في كلا البلدين، والتي شكلت جسورا من التواصل المستمر يربط الشعبين الصديقين. العامل التاريخي، طبعا، لم يغب عن أذهان قيادتي البلدين أثناء تأسيس العلاقات الدبلوماسية. فما قاد للجمع بين الصين وعمان بصورة أعمق ليس فقط قواعد الدبلوماسية العامة في حكم العلاقات الدولية، وإنما أيضا تاريخ طويل من التبادل والتواصل الذي يعود إلى مئات السنين. حيث تقول المصادر والوثائق التاريخية إن رحلات التجار العمانيين البحرية إلى الصين بدأت منذ القرن الثاني الهجري، وكانت من أقدم رحلات العرب إليها. وتطورت هذه الرحلات في القرن الثالث الهجري، حيث استضاف ميناء كانتون (الاسم الذي أطلقه العرب على مدينة قوانغتشو بجنوبي الصين) العديد من الرحالة والتجار العمانيين الذين مارسوا النشاط التجاري بين الجانبين. وتشير السجلات التاريخية إلى وصول التاجر العماني المشهور أبو عبيدة عبد الله بن القاسم العماني في حوالي عام 750 م إلى ميناء كانتون عبر المحيط الهندي انطلاقا من ميناء صحار، الذي يقع إلى الشمال من العاصمة العمانية مسقط، والمعروف قديما بطريق الحرير. ويعتقد بعض المؤرخين أن هذا الوصول المبكر للعمانيين إلى الصين في العصر الإسلامي يرجع إلى أن هذه التبادلات كانت قد بدأت سابقا، بحسب ما تظهر بعض المؤلفات والسجلات الصينية. ويقال إن الإمبراطور الصيني شن تسونغ (1048- 1085) لأسرة سونغ (960- 1279) منح الشيخ عبدالله العماني، الذي ذاع صيته بعد أن تم تعيينه رئيسا لمنطقة سكنى العرب والأجانب الآخرين في مدينة قوانغتشو، لقب جنرال الأخلاق الطيبة، حيث يحسب للشيخ عبد الله مساهمته البارزة في مجال تطوير الاتصالات الودية المتبادلة بين الصين وعمان. في السنوات الأولى من تأسيس الجسر الدبلوماسي الرسمي، كانت العلاقة بين مسقط وبكين تعكس السياسة الخارجية الشاملة للصين في منطقة الخليج. فقد دفع غزو روسيا لأفغانستان بكين إلى تقوية العلاقات الدبلوماسية مع دول الخليج، بما فيها عمان التي تقع في قلب الدائرة عند مدخل الخليج وتشترك مع إيران في التحكم في مدخل أغنى مناطق إنتاج البترول في العالم، وذلك عن طريق مضيق هرمز، الذي يعد ممرا أساسيا وحيويا لأكثر من نصف إمدادات العالم النفطية. وبحلول أوائل الثمانينيات، بدأت الصين تنظر إلى عمان ليس فقط من حيث أهميتها الإستراتيجية، بل أيضا كبلد يتمتع بموارد نفطية وفيرة. وأدت حاجة الصينيين إلى تأمين إمدادات الطاقة على المدى الطويل إلى دفعهم إلى تجديد سياستهم الخارجية تجاه المنطقة، وفي عام 1983 أصبحت عمان أول دولة عربية تصدر النفط إلى الصين. كان التعاون في مجال الطاقة المحور الأساسي الذي تدور حوله العلاقات الصينية العمانية، وقد حافظ هذا التعاون على وتيرته التصاعدية خلال الأعوام المنصرمة. أفادت التقارير الرسمية لوزارة الاقتصاد العمانية لعامي 2013 و2014 أن صادرات النفط مثلت حوالي 90% من إجمالي صادرات البلاد إلى الصين، التي تعد أكبر زبون في العالم للنفط العماني، حيث تستقبل أكثر من نصف صادرات عمان النفطية. وأوردت التقارير أن عمان شكلت في ذلك الوقت رابع أكبر شريك تجاري للصين في الشرق الأوسط. ووفقا لتلك التقارير، استثمرت الصين في مشروعات في قطاعات متعددة في عمان بما فيها البترول والبتروكيماويات، وأنفقت أموالا لتدريب المهندسين العمانيين في الخبرات التقنية والفنية ورفع كفاءة استخراج البترول. وها هي مبادرة الحزام والطريق لربط آسيا وأوروبا عبر إحياء طريق الحرير القديم، التي تعد من أهم وأشهر المبادرات التي طرحتها الصين على مستوى التبادل والتعاون الاقتصادي والتنموي والثقافي العالمي، تضفي بعدا أعمق على العلاقات التاريخية التي تربط الصين وعمان، لترجمتها سياسيا واقتصاديا إلى مستويات أعلى بما يحقق المنفعة المشتركة للبلدين في عصر النهضة الحديثة. حيث بدأت هذه المبادرة تجلب فرصا إستراتيجية متنوعة للتعاون الثنائي، وخصوصا بالنظر إلى الموقع الجغرافي المتميز لعمان في تقاطع منطقة الحزام والطريق بين الشرق والغرب. خلال كلمة ألقاها في معرض الصين والدول العربية في مدينة ينتشوان، حاضرة منطقة نينغشيا الذاتية الحكم بشمال غربي الصين، في سبتمبر 2017، أشاد يحيى بن سعيد الجابري، رئيس مجلس إدارة هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم العمانية، بالتعاون الاقتصادي بين السلطنة والصين، وقال إن حجم الاستثمار الصيني في السلطنة بلغ بنهاية عام 2015 حوالي ملياري دولار أمريكي، في حين بلغ حجم التبادل التجاري 2ر17 مليار دولار أمريكي، وبلغ حجم الصادرات العمانية النفطية إلى الصين ما نسبته 77% من الصادرات النفطية الإجمالية للسلطنة، وحوالي 10% من واردات الصين النفطية، وبلغت قيمة الصادرات العمانية غير النفطية إلى الصين حوالي 192 مليون دولار أمريكي. بحسب إحصاءات وزارة التجارة والصناعة العمانية، حقق حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2016 ذات القيمة التي وصل إليها في 2015، وأغلب الصادرات العمانية إلى الصين هي النفط ومشتقاته. بالمقابل، ارتفعت نسبة مساهمة الصين في الاستثمارات المسجلة في سلطنة عمان حتى عام 2016 إلى 56%، وشملت قطاعات مختلفة كالتجارة والإنشاءات والنقل والصناعة والخدمات متمثلة بـ 77 شركة صينية. وعلى خلفية الانخفاض الحاد لأسعار النفط منذ منتصف عام 2014، وقرار الدول المصدرة للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بخفض إنتاج النفط الخام، تسعى الحكومة العمانية الآن إلى تنويع مصادر دخلها التي تتركز بشكل كبير على النفط. وهنا يبرز الدور الكبير الذي تلعبه الصين ضمن سياستها بالانفتاح على العالم وتطوير شراكاتها الخارجية مع كافة الدول للمساهمة في دفع عجلة التنمية الاقتصادية على طول الحزام والطريق، من حيث تقديم الخبرات والإمكانيات الصناعية والتكنولوجية والعلمية والمادية اللازمة لمساعدة الدول في إيجاد حلول تناسب احتياجات البيئة الاقتصادية الخاصة لكل منها. وفي هذا السياق، تلقت السلطنة دعما ماليا صينيا على شكل قرض بقيمة 55ر3 مليارات دولار أمريكي قدمته مجموعة من المؤسسات المالية الصينية لعمان في منتصف عام 2017، لمساعدة السلطنة في تدبير التمويل الخارجي لسد عجز الميزانية الناتج عن انخفاض أسعار النفط. ويعتبر هذا القرض أكبر صفقة قرض لدول خليجية في السوق الصينية. ويشكل مشروع إنشاء المدينة الصناعية الصينية- العمانية في منطقة الدقم الساحلية نموذجا فعليا للربح المتبادل بين الجانبين، حيث تعود الاستثمارات بالمنفعة المالية المباشرة للقائمين عليها، وكذلك يتيح موقع الدقم وميناء الدقم البحري المتعدد الأغراض للشركات الصينية الوصول بسهولة إلى العديد من الأسواق الآسيوية والإفريقية. وفي المقابل سيعطي دفعا لجهود عمان الرامية إلى تنويع الاقتصاد الوطني، وتقليل الاعتماد على النفط الخام، وتوطين التكنولوجيا والخبرات الفنية، وإيجاد فرص عمل منتجة للشباب العماني، وزيادة الإنتاجية في كافة القطاعات الاقتصادية وخصوصا الصناعية منها، حيث ستتحول الدقم إلى منطقة لوجستية حيوية ومتطورة وقادرة على المنافسة لخدمة النشاط الاقتصادي والتبادل التجاري بين الخليج ومناطق العالم المختلفة. نستطيع القول إن التعاون الصيني- العماني في إطار مبادرة الحزام والطريق لم يعد حبرا على ورق، وقد خرج من نطاق التعبير اللفظي عن الرغبة المشتركة للبلدين بتأسيسه، حيث أصبح حقيقة ملموسة تتم ترجمته على أرض الواقع بشكل فعلي وبأفضل الصور. كما يشكل هذا التعاون نموذجا إيجابيا من شأنه أن يدفع باتجاه تحفيز العديد من الدول العربية الأخرى التي تتمتع بمزايا استثمارية واقتصادية مهمة للتطلع نحو الصين لبناء شراكات اقتصادية موثوقة ومربحة، وتحقق نفعا متبادلا يساعدها في مواجهة التحديات المحلية والدولية والإقليمية التي أثقلت كاهلها عبر عقود من الزمن.
|
China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000 京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号 |