arabic.china.org.cn | 21. 04. 2018

تحقيق إخباري: في دوما .. ركام وشبكة أنفاق واسعة وسجن التوبة سييء السمعة

دوما، ريف دمشق 20 إبريل 2018 (شينخوا)مدينة دوما التي كانت تسمى عروسة الغوطة الشرقية بريف دمشق الشرقي، والتي كانت آخر معقل يخرج منه مسلحو "جيش الإسلام " باتجاه الشمال السوري، كانت وعلى مدار سنوات، محط اهتمام لكثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية.

اليوم وبعد خروج مسلحي "جيش الإسلام " من تلك المدينة، بدأت تنفض عنها غبار الإرهاب ، ويتنفس أهلها الصعداء، لتعود دورة الحياة إليها من جديد، وتتوقف عجلة المعارك الطاحنة، التي كانت مباني دوما المدمرة خير شاهد على ضراوتها.


---- دوما .. دمار واسع

يبدو أن حجم الدمار الذي لحق بمدينة دوما من الجهة الشمالية الغربية كان خير دليل على شدة المعارك التي كانت تدور بين مقاتلي "جيش الإسلام " من جهة والجيش السوري وحلفائه من جهة ثانية.

فالمدينة وللوهلة الأولى تبدو وكأنها مدينة أشباح، خالية من السكان؛ فالمباني مدمرة وأعمدة الكهرباء محنية على الأرض وأسلاكها مقطوعة ، والمحلات التجارية مدمرة، وقسم كبير منها محروق، وتكاد تكون معالم المدينة للذي يعرفها، غير واضحة المعالم.

وشاهد مراسلو وكالة أنباء ((شينخوا)) الذين زاروا مدينة دوما برفقة وسائل إعلام دولية، أهالي مدينة دوما يتنقلون إما سيرا على الأقدام ، أو عبر الدراجات الهوائية وعربات تجرها حيوانات، بسبب ندرة السيارات أولا، ولكثرة السواتر الترابية التي تعيق الحركة، وكثرة الركام الذي أغلق أجزاء كبيرة من أحياء المدينة.

وقال أبو محمد (41 سنة)، الذي جلس أمام أحد المباني المدمرة على كرسي بلاستيكي أزرق لـ((شينخوا)) إن "الحرب خلفت دمارا كبيرا جدا بالبنى التحتية في مدينة دوما"، مؤكدا أن المباني غير مؤهلة للسكن.

في حين جاءت عائلة أبو ياسين إلى مدينة دوما، بعد أن غادرتها قبل نحو سبع سنوات، لتجد أن بيتها قد دمر، وتحول إلى مقر عمليات لـ"جيش الإسلام ".

وقال أبو ياسين، وهو يشرح لمراسلي ((شينخوا)) عن جمالية بيته، وكيف بناه قبل اندلاع الحرب، معربا عن أسفه لرؤية المدينة التي عاش فيها لسنوات، بهذا المشهد المأساوي.

وعلى مدار أكثر من ست سنوات، شهدت مدينة دوما معارك شرسة بسبب سيطرة مسلحي "جيش الإسلام " عليها وقيامهم بإطلاق قذائف على العاصمة السورية دمشق، وترافق ذلك بشن القوات الحكومية غارات جوية على مصادر النيران.


---- شبكة أنفاق واسعة ومربع أمني

وخلال سنوات الصراع ، تمكن مقاتلو "جيش الإسلام " من خطف عدد من المدنيين من عدة بلدات كانت موالية للحكومة السورية مجاورة للغوطة الشرقية، وسخروهم بحفر شبكة من الأنفاق التي تشكل بحد ذاتها مدينة أخرى تحت الأرض، يتم من خلالها التنقل بين مقرات قياداتهم ومستودعات الذخيرة، إضافة لحفر أنفاق تربط بعض البلدات بمدينة دوما، يتنقل فيها السكان المدنيون لشراء احتياجاتهم.

وعثر الجيش السوري بعد خروج مقاتلي "جيش الإسلام " من مدينة دوما على شبكة أنفاق، بطول يتراوح من 4 إلى 5 كم وتتفرع إلى أنفاق فرعية طول الواحد منها نحو 600 متر موصولة إلى أماكن إقامتهم، واكتشف الجيش أيضا مساند رمي ومتاريس وخطوطا قتالية وتحصينات.

كما استولى مقاتلو "جيش الإسلام " على مؤسسات حكومية سورية، وحولوها إلى مصانع لتصنيع القذائف والعبوات الناسفة، وأخرى لمستودعات الوقود وغيرها .

وشاهد مراسلو ((شينخوا)) مقرا كبيرا كان مركزا ثقافيا تم تحويله لمعمل لتصنيع قذائف الهاون ويحتوي على عدد كبير من الآلات الكبيرة، واسطوانات قذائف هاون فارغة جاهزة لوضع المواد المتفجرة بداخلها، وبجواره أكثر من نفق ترتبط بمقر آخر هو معمل لتصنيع القنابل.

وفي سياق متصل، كان مقاتلو "جيش الإسلام " قد اتخذوا من الملعب البلدي بمدينة دوما مقرا لهم، واعتبر ذلك المقر بمثابة المربع الأمني لقادة "جيش الإسلام " والفصائل المتحالفة معه، وعثر بجانبه على عدد من الدبابات والمدافع وعربات نقل الجنود المحروقة، والتي كسبها المسلحون من الجيش السوري في الماضي.

وحملت تلك الأسلحة الثقيلة شعار "جيش الإسلام "، إضافة إلى مقرات ومكاتب تحت الأرض خاصة لقياديي هذا الجيش، مجهزة بكل ما تحتاجه من ماء وكهرباء.

وقبل مغادرتهم المدينة، قام مقاتلو "جيش الإسلام " بحرق تلك المقرات، وأصبحت أثرا بعد عين، ومجرد جدران سوداء مظلمة.

وقال مصدر عسكري سوري لـ((شينخوا)) بدمشق إن "إرهابيي جيش الإسلام قاموا بحرق عدد من الدبابات والأسلحة الثقيلة قبل مغادرتهم مدينة دوما باتجاه جرابلس، كي لا يستفيد منها الجيش السوري" .

وأضاف المصدر العسكري الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن "هناك نفق طويل طوله حوالي 3.5 كلم يربط المقر مع مستودعات الذخيرة في أطراف دوما من الجهة الجنوبية الشرقية"، مبينا أنه تم العثور على مكتب خاص لزهران علوش قائد "جيش الإسلام "، والذي قتل بغارة جوية.

وأوضح المصدر العسكري أن شبكة الأنفاق هذه كانت تؤمن حماية كبيرة لإرهابيي جيش الإسلام والتنقل بحرية دون أن يراهم الجيش السوري.

وكانوا لا يسمحون لأي شخص الاقتراب من هذا المربع الأمني الذي تم تحصينه بشكل كبير جدا بحيث لا يستطيع سلاح الطيران السوري استهدافه أو كشفه.

وأكد أبو إبراهيم ( 64 عاما) ومنزله قريب من ذلك المربع الأمني، في حديث لـ ((شينخوا)) أنه "لم يكن يسمح لأي شخص بالاقتراب من هذا المكان"، مشيرا إلى أنه تمت تصفية أكثر من شخص حاول الاقتراب من هذا المكان بحجة أنه يسرب معلومات للجيش السوري عن مقاتلي جيش الإسلام .

وأشار إلى أن الوضع كان مأساويا خلال وجود مقاتلي جيش الإسلام . والآن ، وبعد دخول الجيش السوري، عاد الأمن والأمان إلى المدينة.


---- سجن التوبة .. سجن سييء السمعة بدوما

لم يغب إسم سجن التوبة التابع لمقاتلي "جيش الإسلام " في دوما عن بال آلاف السوريين الذين انتظروا بفارغ الصبر تحرير ذويهم المختطفين من مدنيين وجنود قابعين داخله منذ سنين.

فهذا السجن كانت تدور بداخله الكثير من القصص والحكايات المؤلمة في ظل ظروف إنسانية صعبة، وهو مكان موحش يقبع تحت الأرض ، الأمر الذي ترك في نفوس أهالي المدينة، أثرا سيئا لشدة التعذيب وأشكاله المختلفة.

وسجن التوبة هذا يقع في الجهة الجنوبية من دوما، وبجانبه حديقة كبيرة، ويضم العشرات من الغرف الكبيرة والصغيرة المتقابلة، وهي مظلمة ولا يوجد فيها نوافذ ما عدا باب كبير أسود اللون تعلوه نافذة صغيرة مغطاة بشبك، وبداخلها أغطية وبعض الفرشات الأسفنجية الممزقة، ومغسلة مركبة على أحد جدران غرفة السجن.

وبوسط البناء توجد فسحة سماوية مغطاة بشبكة من الحديد، وكانت بمثابة فسحة سماوية يتمكن من خلالها المسجونون من قضاء بعض الوقت للتنفس كما يقال.

كما لوحظ وجود عبارات كتبت على جدران إحدى الغرف، تشير إلى المناطق التي كان السجناء ينتمون إليها، ومعظمهم من بلدات الغوطة الشرقية وبعض المحافظات السورية الموالية للحكومة السورية.

وقال مصدر عسكري إن "السجن السيئ السمعة لدى الكثير من الأهالي ، تم العثور بداخله على غرف للتعذيب، ويحتوي كذلك على شبكة أنفاق تحته بحيث يتم التنقل بداخله دون السير على وجه الأرض."

ولم نتمكن من سماع الروايات من الأهالي أو المخطوفين لكون هذه المناطق لا تزال تخضع للتفتيش من قبل عناصر الجيش السوري.

كما تنبعث من داخل سجن التوبة بعض الروائح الكريهة من بعض الغرف، لربما كان يتم دفن بعض السجناء بداخلها.

وقام "جيش الإسلام " على مدى سنوات الحرب في سوريا، بسجن آلاف المدنيين والعسكريين، في ما يسمى بـ"سجن التوبة"، في دوما أكبر مدن الغوطة الشرقية.

وعمد تنظيم "جيش الإسلام " من حين لآخر إلى إظهار ما لديه من مختطفين في أقفاص حديدية على سيارات تتجول في دوما، ثم تنشر صورا وفيديوهات للمختطفين وأغلبهم من أهالي بلدة عدرا العمالية التي هاجمها جيش الإسلام قبل أعوام وخطف منها مئات المدنيين بما في ذلك النساء والأطفال.


---- آمال بمستقبل أفضل مع عودة دوما إلى سيطرة الدولة السورية

وبالرغم من حجم الدمار الذي حل بهذه المدينة التي يعتمد أهلها على الزراعة وتربية المواشي والأبقار، وتحول مدينتهم إلى مدينة أشباح، إلا أن معظم أهلها لا يزال يساوره الأمل بمستقبل أفضل وغد مشرق بعد خروج المسلحين منها، واندحار الإرهاب فيها.

وقالت رفيقة الصبان، وهي تحمل كيسا فيه بازلاء "اليوم اشتريت قليلا من البطاطا والخيار، ففرحت بهم كثيرا"، مؤكدة أن الوضع في مدينة دوما بات أفضل بكثير مما كانت عليه قبل أشهر.

وتابعت الصبان، وهي سيدة ترتدي حجابا أسود اللون على رأسها ويغطي قسما من وجهها، لـ((شينخوا)) بدمشق "أنا متفائلة بغد أفضل .. الأيام القادمة ستحمل معها الخير لهذه المدينة التي عاشت أياما صعبة طيلة الست سنوات الماضية".

ووقفت رفيقة الصبان، بجانب ساحة الشهداء المدمرة، التي تحولت إلى ركام، ولم يعد منها سوى عامود اسمنتي انتصب بوسط الساحة وعليه آثار الطلقات والشظايا التي سقطت بالقرب منه، وراحت تتحدث وكأن هذا الركام والدمار المخيف الذي يحيط بها، لا يعني لها شيئا، وقالت "سابقا كنا نخرج بشكل محدود، والآن أفضل، نستطيع السير دون خوف "، لافتة إلى أنها منذ أكثر من أربع سنوات ونصف، لم تتمكن من زيارة العاصمة دمشق.

وأضافت الصبان وهي موظفة سابقة في إحدى مؤسسات الحكومة السورية أن "مناظر الدمار والخراب ليست جيدة، ولكن اعتدنا على رؤيتها " .

وبالقرب من الساحة ذاتها، خرج فيصل الحصوبية (42 عاما) ومعه ثلاثة أطفال، من مبنى شبه مدمر، وقال "لم أغادر دوما وبقيت فيها وتحملت كل ما هو صعب".

وأضاف فيصل "بعد خروج مقاتلي جيش الإسلام من مدينة دوما أصبحت المدينة أفضل" ، مشيرا إلى أن مستلزمات الحياة باتت متوفرة أكثر من ذي قبل.

ووصف حياته أثناء وجود مقاتلي جيش الإسلام بـأنها "مأساوية "، مشيرا إلى أن كل شيء كان قليلا ، وإذا وجد فهو غالي الثمن.

وأعرب فيصل عن أمله في أن المدينة تتحسن يوما بعد آخر، مشيرا إلى أن أولاده بدأوا بالعودة إلى المدارس بعد انقطاع دام لسنوات، وهذا بحسب تعبيره "إنجاز هام" .

وروى فيصل، وهو يشير بيده التي اتشحت باللون الأسود ، كيف بدأ بإزالة الأنقاض من أمام مدخل بيته شبه المدمر، لكي يتمكن أطفاله من الخروج بسهولة منه إلى الشارع العام.

وفي جولة لـ((شينخوا)) أيضا إلى مدينة دوما، زار مراسلوها المستشفى الذي تم إسعاف المصابين فيه بالحادثة الكيماوية المزعومة . وهو مرتبط بشبكة ضخمة من الأنفاق تحت الأرض، وكلها متصلة مع بعضها البعض وتؤدي إلى عدة مناطق في دوما، وغرفة العمليات في مستشفى دوما كانت واحدة من النقاط الرئيسية في شبكة الأنفاق هذه.

وبعد خروج مسلحي جيش الإسلام من دوما، أصبحت كامل بلدات الغوطة الشرقية تحت سيطرة الجيش السوري، وأسدل الستار على آخر فصول القتال في الغوطة الشرقية.

1   2   3   4   5   6   >  


   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

الترتيب للأخبار

تعليق

تعليق
مجهول
الاسم :
(0) مجموع التعليقات :
China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号