إمكانات كامنة وهائلة لدول بريكس وتفعيلها يتطلب جهودا كبيرة arabic.china.org.cn / 13:28:49 2017-08-30
بقلم رئيس تحرير شبكة الصين وانغ شياو هوي 30 أغسطس 2017 /شبكة الصين/ بعد مرور عشرة أعوام على انطلاق آلية تعاون "بريكس"، تطورت مجموعة بريكس عبر جهودها المستمرة من مفهوم طرحه اقتصاديو مؤسسة غولدمان ساكس الأمريكية إلى آلية محورية للتعاون متعددة الأطراف في العالم تلعب دورا كبيرا في الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية العالمية. وحققت دول بريكس إنجازات ملموسة خلال السنوات العشر الماضية حيث مثلت 23% من حجم الاقتصاد العالمي في عام 2016 مقارنة مع 12% عام 2006، كما ارتفعت حصة دول بريكس في الاستثمار الأجنبي العالمي من 7% إلى 12%، بينما ساهمت بنسبة تفوق 50% في النمو الاقتصادي العالمي، ووصل حجم التبادل التجاري بين الدول الخمس إلى نحو 300 مليار دولار. وخلال السنوات الأخيرة رأى كثير من وسائل الإعلام الغربية أن قيمة مجموعة "بريكس" تراجعت، ولكن الحديث عن قيمة بريكس هو في الحقيقة أمر لا معنى له لأن دول بريكس ليست خمس سبائك ذهبية مخزونة في مصرف، بل هي آلية تعاون متعددة الأطراف شكلتها خمسة اقتصادات مستقلة، فتتغير قيمتها ودورها في حدود معين حتما نتيجة تأثير الوضع الاقتصادي الدولي والمحلي وغيره من العوامل، ما يجب أن نولي اهتماما له هو اتجاه تنمية بريكس وإمكاناتها الكامنة والتحديات التي ستواجه بريكس خلال السنوات العشر المقبلة.
لماذا شكلت الدول الخمس مجموعة موحدة؟ يعتبر إنشاء آلية تعاون دول بريكس من المتطلبات الموضوعية لبناء نظام دولي جديد، فبعد انتهاء الحرب الباردة تشكل نظام دولي جديد خلال عملية طويلة ومعقدة ومفعمة بالتغيرات. وخلاصة القول، تدعو الولايات المتحدة واليابان والدول الغربية الأخرى إلى نظام جديد يعتبر تعديلا وامتدادا للنظام الدولي القديم بهدف الحفاظ على مكانتها القيادية في العالم. أما الصين وغيرها من الدول النامية فتأمل في تعزيز تواجدها في الشؤون الدولية وإقرار مصير دولها وأممها بشكل مستقل، وبناء نظام دولي جديد متساوٍ وذي منفعة متبادلة وثقة متبادلة. ويمثل سكان الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا نحو 42.88% من سكان العالم موزعين على قارات أوروبا وآسيا وأمريكا وإفريقيا، كما تعتبر هذه الدول من أسرع الدول نموا اقتصاديا في العالم، إلى جانب التنوع الحضاري والنشاط الاقتصادي الذي تتسم به هذه الدول. ومع النمو الاقتصادي وارتفاع نفوذها على الساحة الدولية، أصبحت للدول الخمس تطلعات مشتركة لصوت أكبر على الساحة الدولية ومجال أوسع للتنمية، وذلك يتطلب كسر النظام القديم وبناء نظام دولي جديد. إن هذه التطلعات والاحتياجات المشتركة جمعت الدول الخمس التي تقع في مناطق مختلفة وتتسم بأنظمة اجتماعية واقتصادية مختلفة، لتشكل معا آلية تعاون "بريكس".
ما هو الوضع الحالي للدول الخمس؟ مرت عشرة أعوام على تأسيس آلية "بريكس، حيث اجتازت الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا باعتبارها ممثلة للاقتصادات الصاعدة والدول النامية، اجتازت معا المتاعب والمصاعب. فمن ناحية الموارد وطريق التنمية، تتمتع كل دولة في بريكس بمزاياها الخاصة ومجالات واسعة للنمو، كما تعتبر أربع دول في بريكس دولا كبيرة السكان باستثناء جنوب إفريقيا. فقد بلغ عدد سكان كل من الصين والهند 1.37 مليار و1.3 مليار نسمة على التوالي وفقا لبيانات عام 2015، واحتلت الدولتان المركز الأول والثاني في العالم من حيث تعداد السكان. وتعتبر جميع الدول الخمس غنية بالموارد وترتفع قوتها العلمية والتكنولوجية بشكل مستمر. وتعتبر روسيا من القوى العالمية القديمة ووارثة نتائج الدراسات العلمية للاتحاد السوفيتي، كما حققت تطورات جديدة في السنوات الأخيرة. أما الصين والهند فقد انضمتا إلى صفوف الدول الرائدة في مجال الطيران والفضاء والصناعة الميكانيكية والحاسوب والطب، بينما تعتبر البرازيل دولة قوية في صناعة الحديد وصناعة الطائرات. وتتوزع دول بريكس الخمس في قارات آسيا وأوروبا وأمريكا وإفريقيا، حيث توجد في الصين حضارة استمرت خمسة آلاف عام متواصلة، بينما تحتضن الهند اثنين من الأديان العالمية، الهندوسية والبوذية وتعبر روسيا قارتي آسيا وأوروبا وتربط الحضارة الشرقية وبالغربية، فيما تتميز البرازيل وجنوب إفريقيا بالتنوع العرقي والثقافي. وهكذا تمثل هذه الدول الخمس نموذجا للاندماج الثقافي والتكامل بين الحضارات. وتواجه دول بريكس وآلية تعاونها تحديات هائلة حتما في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي وضغوط التراجع وصعود النزعة الحمائية التجارية والمناهضة للعولمة وانتشار تهديد الإرهاب وغيرها من الأحداث التي تؤثر سلبا على مجموعة بريكس وآليتها. وشهدت دول بريكس اتجاهات نمو مختلفة خلال السنوات الأخيرة، حيث حافظت الصين والهند على وتيرة نمو سريعة نسبيا بينما تواجه كل من روسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا صعوبات اقتصادية بسبب انخفاض أسعار النفط وغيره من المواد الخامة وعدم الاستقرار السياسي واشتداد الصراعات الاجتماعية. واستغلت الدول الغربية الاختلاف الثقافي والأيديولوجي بين دول بريكس لزرع الفتنة بينها، فأطلقت على الصين وروسيا ما يسمى بـ"الدولة السلطوية أو الشمولية" بينما منحت الهند وغيرها من الدول مسمى "الدول الديمقراطية"، وتحاول الولايات المتحدة واليابان علنا التقرب إلى الهند لاحتواء الصين. وإضافة إلى أن الصين تختلف الاستراتيجيات التنموية لدول بريكس اختلافا كبيرا. فعلى سبيل المثال، طرحت الصين مبادرة "الحزام والطريق" بينما طرحت الهند خطة "الرياح الموسمية" فيما قادت روسيا الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي، وتعمل البرازيل وجنوب إفريقيا أيضا على دفع التكامل الاقتصادي في منطقتهما. وفي يونيو 2017، دخلت قوات هندية الأراضي الصينية لأسباب مزعومة وعرقلت تنفيذ مشروع إنشائي للجانب الصيني، ما أدى إلى توتر على الحدود. وتصرفات الهند هذه تضر بالعلاقات الصينية الهندية وتلقي بظلالها على قمة مجموعة بريكس والتعاون المستقبلي.
مجموعة متماسكة أم اتحاد فضفاض؟ دخلت آلية التعاون دول بريكس عقدها الثاني ومرحلة حاسمة. ولو شبهنا الدول الخمس، بخمس قوالب من طوب البناء فلا شك أن الطوب المتراص يشكل فقط "اتحادا فضفاض" غير نافع، ولا بد من وجود آلية تعاون تمثل هنا مادة تماسك وتلاصق تربط قوالب الطوب لتصبح حائطا قويا. فكيف يمكن أن تكوّن آلية التعاون هذه ربطا أوثق؟ أولا، يجب تكوين رؤية بعيدة وتعزيز الوعي بمجموعة ذات مصير مشترك. وعلى الرغم من اختلاف الأهداف والتطلعات للدول الخمس، إلا أنه يجب عليها التقدم نحو اتجاه واحد بقدر الإمكان وتجنب التباعد، ويجب السيطرة على الأزمات والخلافات وحل المشاكل داخل نطاق السيطرة. وفي هذا الصدد جاء خبر سار بإعلان وزارة الخارجية الصينية يوم الإثنين الماضي انسحاب القوات الهندية إلى الجانب الهندي من الحدود، ومواصلة الصين ممارسة حقوقها السيادية وحماية السيادة والأرضي وفقا للمعاهدات التاريخية. ولا شك أن هذا خبر سار بالنسبة لقمة بريكس المقرر انعقادها في مدينة شيامن الصينية، وكذلك بالنسبة للعلاقات الصينية الهندية والسلام والاستقرار في منطقة آسيا المحيط الهادئ. ثانيا، تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الخمس. تتمتع جميع كل دولة في مجموعة بريكس بمزاياها الاقتصادية ما يوفر إمكانات كبيرة للتكامل بينها ومجالا أوسع للتعاون في قطاع العلوم والتكنولوجيا والطاقة والقدرات الإنتاجية والبنية التحتية. وإذا تمكنت الدول الخمس من تحقيق التكامل وتفعيل مزاياها الخاصة، فستصبح دافعة ورائدة للنمو الاقتصادي العالمي لعقد ثاني. ثالثا، تعزيز التبادلات وبحث سبل التعاون والتغلب على الصعوبات. أسست دول بريكس آليات تبادل على مختلف المستويات، منها اجتماعات القادة ووزراء الخارجية والمالية، كما تجرى تبادلات بين مؤسسات الأبحاث بشكل دوري وتعتبر ندوة دول بريكس حول حكم البلاد وإدارة شؤونها التي انعقدت في مدينة تشيوانتشو منتصف أغسطس الجاري، مثالا على ذلك. حيث توصل الأطراف إلى توافق لإدراج الحكم والإدارة ضمن موضوعات التبادلات الثقافية والإنسانية بين الدول لتوفير الحكمة لحل المشاكل الخاصة والمشتركة. رابعا، تعزيز التبادلات الثقافية والإنسانية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. تعمل دول بريكس على تعزيز التفاهم بين شعوبها من خلال التبادلات الثقافية من خلال مجالات السياحة والأفلام والموسيقى وذلك بهدف تعزيز الحوار والفهم المتبادل بين الحضارات، مما يبني أساسا شعبيا يدعم آلية التعاون بين دول بريكس بشكل فعّال. ومثلما قال الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال قمة دول بريكس الثامنة المنعقدة في غوا الهندية عام 2016، فإن دول بريكس بمثابة خمسة أصابع، وعندما تبسط اليد يختلف كل أصبع عن الآخر وعندما تقبض اليد تصبحت الأصابع قبضة قوية.
|
China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000 京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号 |