标题图片
الصفحة الأولى | حجم الخط    أ أ أ

أهم الموضوعات / الصين (مقالة خاصة): خواطر عن غزة ... وأبعد: في عيني عالم صيني

arabic.china.org.cn / 10:51:38 2014-09-01

بقلم شيويه تشينغ قوه

بكين أول سبتمبر 2014 (شينخوا) قمت في شهر تموز الماضي بزيارة إلى إسرائيل لحضور ورشة عمل حول إسرائيل والشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، وشارك فيها 18 أكاديميا من مختلف دول العالم. أهمية هذه الزيارة بالنسبة لي، لا تكمن في كونها زيارتي الأولى لإسرائيل بحيث أتاحت لي فرصة للنظر إلى قضايا المنطقة من منظار جديد فقط ، ولا في غنى المحاضرات الأكاديمية واللقاءات التفاعلية والزيارات الميدانية التي حفل بها البرنامج، بل في تزامنها مع الجولة الجديدة من الصراع الدائر بين إسرائيل وحركة حماس. فطوال الأسبوعين كانت صفارات الإنذار تتنامى إلى أسماعنا بشكل شبه يومي، سواء أكنا في تل أبيب أم في القدس. نعم، كانت إسرائيل في حالة حرب كما يعرفها العالم، ولكن يقيني أن دلالات الحرب تختلف إختلافا كبيرا بالنسبة إلى طرفيها: فكانت مدن إسرائيل، بساحاتها وأسواقها وحاناتها ، لا تزال مليئة بأهلها، وكانت شواطئ تل أبيب لا تزال مزدحمة بمحبي الشمس والبحر والسباحة، لأن مواطنيها واثقون بأن نظام القبة الحديدية قادر على حمايتهم من الصواريخ التي انطلقت من غزة. أما سكان غزة، فكانوا، وما زالوا حتى لحظة كتابة هذه المقالة، يعيشون مأساة إنسانية كبرى حيث ترتفع صيحات الثكالى والأيتام وتتطاير شظايا القذائف وأشلاء الأجساد، وهي مشاهد ترسخت في أذهان كل من يتابع التغطيات الإخبارية للمأساة، وكأن غزة كلمة لا تحمل معنى سوى المأساة.

صحيح أن تجليات الحرب لم تتبين بوضوح في الظاهر الإسرائيلي ، لكنها لم تغب عن إدراك المراقبين للمجتمع الإسرائيلي من الداخل. فكان أصحاب الفنادق السياحية يشكون من قلة السياح الأجانب في هذا الموسم السياحي التقليدي، وكانت أحاديث الناس وأخبار التلفزيون المحلي تدور كلها حول الحرب. وأتذكر أن طالبة جامعية يهودية من أصل روسي صادفتها في حيفا طرحت علي سؤالا: "لماذا لا يقف العالم بجانبنا في حربنا ضد الإرهاب؟ وما ذنبنا ونحن ندافع عن شعبنا وبلادنا؟" كانت تسألني بنبرة تشي بالاستغراب والقلق وخيبة الأمل. أما المناقشات التي جرت في أعقاب المحاضرات واللقاءات، فلم تخل من ملاسنات لفظية تصل في بعض الأحيان إلى درجة الحدة والتوتر بين المحاضرين الإسرائيليين والأكاديميين الأجانب ،خاصة عندما تتعلق بالاحتلال والمستوطنات وجدار الفصل والعقاب الجماعي. وشهدت شوارع تل أبيب مظاهرات يهودية عديدة بين المؤيدين للحرب ومعارضيها. وبعد زيارتنا لمتحف المحرقة اليهودية في القدس واستماعنا إلى شرح لمعاناة اليهود في "غيتو" وارسو الشهير قبيل الحرب العالمية الثانية، كنا نتهامس فيما بيننا: لا شك أن معاناة الشعب اليهودي جديرة بالتعاطف، ولكن ماذا عن معاناة الشعب الفلسطيني في غزة المحاصرة - التي صارت أكبر "غيتو" في عالمنا المعاصر بل أكبر معتقل فيه؟

هكذا، كشفت حرب غزة الأخيرة مجددا عن مكامن الضعف في إسرائيل: التناقضات والتوترات الداخلية في عمق المجتمع، الحيرة من مستقبل مجهول، والقلق الناتج عن سلبية الرأي العام العالمي وقلة ثقة الذات بالشرعية الأخلاقية للسياسة الإسرائيلية الحالية، وهو القلق الذي لا يخففه اعتقاد الناس بأنهم أصحاب الحق في العيش في "أرض الميعاد" هذه التي يظنونها "وطنهم التاريخي" أيضا. وهكذا، استطاعت غزة مجددا، ببؤسها وشقائها ودمويتها، "تعكير مزاج العدو وراحته، لأنها كابوسه، لأنها برتقال ملغوم، وأطفال بلا طفولة، وشيوخ بلا شيخوخة، ونساء بلا رغبات" على حد قول الشاعر محمود درويش. أما أطفال غزة، فيا لهم من أطفال! لأنهم -كما كتب أحد الصحفيين من هيئة الإذاعة البريطانية- إذا بلغوا السادسة من العمر، فيعني ذلك أنهم قد اختبروا ثلاث حروب: في 2008 و2012 و2014!

كانت مواضيع الورشة، على وفرتها وتنوعها ، تدور حول محور واحد هو الصراع العربي الإسرائيلي: ماضيه وحاضره ومستقبله. وعبر جميع الخبراء الإسرائيليين عن قناعتهم بأن فكرة محو إسرائيل من الوجود أو إلقاء اليهود في البحر قد تبخرت وتلاشت في واقع الأمر، ولكن جوهر المشكلة لا يزال باقيا. فالصراع الدائر بين إسرائيل وحماس، كما قالوا، هو صراع سياسي عسكري بقدر ما هو صراع فكري أيديولوجي. بل نلاحظ بوضوح محاولتهم تصوير هذا الصراع على أنه صراع أخلاقي قيمي أيضا، وتتجلى هذه المحاولة أوضح ما تتجلى في تصريح نتانياهو الذي أدلى به بعد اختطاف الشباب اليهود الثلاثة: " نحن نقدس الحياة وأعداؤنا يقدسون الموت! نحن نقدس الرحمة وهم يقدسون القسوة." وهو تصريح تدحضه بقوة وحشية تصرفات الحكومة الإسرائيلية ذاتها من ناحية، وقد يلقى، من ناحية أخرى، ما يوحي بصحته في أعمال التنظيمات الإرهابية والمتطرفة تحت ستار الدين والتي تنتشر في العالمين العربي والإسلامي .لذا، تحدّث عدة باحثين عن المصلحة الإسرائيلية التي تقتضي إضعاف حركة حماس إلى أبعد الحدود وجعلها في وضعية "البطة العرجاء"، بدلا من سحقها واستئصالها تماما، لأن وجود حماس سيزوّد إسرائيل دوما ببعض الشرعية لتبرير لجوئها إلى القوة ضد أية مقاومة فلسطينية، كما يزودها بحجّةٍ تسوقها أمام العالم بأنها دولة تقع في الجبهة الأمامية في الحرب الكونية ضد الإرهاب والتطرف.

وتطرق الباحثون، الإسرائيليون والأجانب، إلى تداعيات الوضع العربي الراهن على القضية الفلسطينية، واتفق الجميع على أن "الربيع العربي" الذي ارتدّ إلى "شتاء عربي" بامتياز، قد انقلب في حقيقة الأمر، وفي سخرية عبثية، إلى وضع أشبه ما يكون بـ ربيع دافئ لإسرائيل، حيث أن إسرائيل، صارت أكثر دول المنطقة ارتياحا للوضع الراهن. فقد انهارت الدول التي كانت تعادي إسرائيل بشدة، مثل سورية والعراق وليبيا، وتعاني العديد من الدول من أزمات داخلية سياسية واقتصادية مروعة، وتنهمك دول أخرى في تشكيل تحالفات ضد )أو مع( الإسلام السياسي أو إيران أو داعش أو غيرها. وهو وضع يجعل من الاهتمام بالقضية الفلسطينية نوعا من الترف السياسي، على مستوى الحكومات على الأقل ، ويجعل إسرائيل أقرب إلى حليف، بدلا من عدو، للعديد من الحكومات العربية. وتثبت صحة هذا الرأي مقولة خبير سياسي اسرائيلي في الورشة: "جميع الأبواب مفتوحة الآن"، في إشارة إلى وجود اتصالات عربية اسرائيلية شاملة عبر قنوات علنية أو سرية، ومقولة لخبير آخر: "لا نشكو من ضغوط عربية بقدر ما نشكو من ضغوط دولية خارج المنطقة جراء ما يحدث في غزة."

والجدير بالذكر أن القائمين على الورشة دعوا بعض الشخصيات الفلسطينية السياسية والأكاديمية والدينية والشبابية في إسرائيل للتعبير عن وجهات نظرهم في بعض المسائل الخلافية. وهو شيء في حد ذاته يعني الكثير. ومما يكسب احترامنا أن هذه الشخصيات، وعلى الرغم من مناصبها في الجامعات والأجهزة الإسرائيلية ، إلا أنه ما زلوا متمسكين بالمواقف الفلسطينية من هذه المسائل والتي تغاير المواقف الإسرائيلية. ومما يزيدنا احتراما لهم أن معظمهم استطاع أن يقرأ الأحداث السياسية بشكل عقلاني وموضوعي، بعيدين عن الخطابات الانفعالية والنرجسية. ولم يتجنبوا، في سياق تحليلهم لأسباب ومجريات هذه الأحداث ، ذكر الأخطاء والسلبيات الفلسطينية والعربية، بداية من عهد الانتداب البريطاني في أوائل القرن الماضي، مرورا بنكبة عام 1948 ونكسة عام 1967, وصولا إلى انطلاق عملية السلام في أوسلو عام 1993, وما بعدها. وأكتفي هنا بذكر بعض جوانب هذه السلبيات من دون الغوص في تفاصيلها وشواهدها. فقد أشاروا مثلا، إلى قِصر النظر عند السياسيين العرب وعجزهم عن التنبؤ الدقيق بأحداث المستقبل، ووضع المصالح الآنية والجزئية فوق المصالح الوطنية والقومية البعيدة المدى، والافتقار إلى الجرأة في مواجهة التحديات وتحمل المسؤولية، والميل دائما إلى إلقاء اللوم على الآخرين، والنزعة الغيبية التي تسليم الأمر إلى القضاء والقدر حينا، وتعليق الأمل على الغير حينا آخر.. ولا شك أنها سلبيات لا تزال تهيمن على تصرفات وعقليات كثير من العرب في الوقت الراهن.

ومن بين الحكايات التاريخية التي سمعتها في الورشة حكاية شدت انتباهي وظلت تستحوذ عليّ: ففي آذار عام 1934 قام الزعيم الصهيوني بن غوريون بزيارة لموسى العلمي، وهو شخصية سياسية فلسطينية مرموقة في القدس، حيث طرح عليه فكرة مفادها أن الصهيونية ستجلب الازدهار الاقتصادي والتقدم الاجتماعي لفلسطين، فردّ عليه العلمي بأنه يفضل أن يبقى بلده مخرّبا لمائة سنة، على أن تقام دولة يهودية على أرض فلسطين. فماذا سيقول موسى العلمي، هذا الفلسطيني الوطني النزيه كما وصفه بن غوريون في يومياته، ماذا سيقول لو انبعث اليوم من قبره فيرى أن دولة إسرائيل قد قامت واستقرت على أرض بلده، وأن فلسطينه باتت مخربة ممزقة تعاني ما تعانيه اليوم؟ ويرى أن عالمه العربي يقع في مستنقع الفوضى والتفكك والضياع ، بالشكل الذي لم يتصوره قط في حياته أو في مماته؟



   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر

 
انقلها الى... :
تعليق
مجموع التعليقات : 0
مجهول الاسم :

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号