标题图片
Home
arabic.china.org.cn | 28. 08. 2015

المساجد في بكين

دخل الإسلام منطقة بكين في القرن العاشر الميلادي. ويعتبر مسجد نيوجيه (شارع البقر) أقدم مسجد في بكين بُني عام 996 في عهد أسرة لياو. ازدهر الإسلام في عهد أسرة يوان (1271-1368) وبسبب دخول عدد كبير من المسلمين إلى بكين، فبني فيها مسجد دونغسي ومسجد أرليتشوانغ على التوالي. وانتهجت أسرة مينغ (1368-1644) سياسة التسامح مع القوميات، فبنيت أربعة مساجد جديدة منها مسجد هواشي إلى جانب ترميم المساجد التي بنيت في عهد أسرتي لياو ويوان. كان عهد أسرة تشينغ (1644-1911) أسرع فترة لانتشار الإسلام في الصين، وبنيت أكثر من 30 مسجداً من فترة حكم الإمبراطور شون تشي إلى فترة حكم الإمبراطور قوانغ شيوي. وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، شهد الإسلام تطوراً سريعاً في بكين. تأسست الجمعية الإسلامية الصينية عام 1953 في بكين. وبدعم ودفع منها تأسست جمعية بكين الإسلامية. بلغ عدد المساجد في بكين 68 مسجداً حاليا.

ومن المعروف أن المسجد هو حامل للثقافة الإسلامية، ولكل مسجد مضمون ثقافي غني، تتطور أساليب عمارته وأشكاله مع تنوع وظائفه الدينية. ذلك مثل قول بعض العلماء: "المسجد مثبت داخل إطار ثقافي عصري، هو فن ديني مشبع بأجواء تاريخية وفلسفية دينية كثيفة للقوميات المؤمنة بالإسلام." ثقافة المساجد ببكين ناتج عن التبادلات بين الثقافتين الصينية والعربية والامتزاج المتبادل بينهما، وبلورة أفكار القوميات المسلمة وأعمالها الدؤوبة ، وجمعت بين التاريخ والثقافة الدينية والقومية والتعليمية والمعمارية وفن الخط والفنون، وتشكل لها نظام معماري وأسلوب فني متميز.

ومعظم المساجد في بكين من البنايات التي تجمع الأسلوبين الصيني والعربي. يتميز توزيع البنايات العام لها بالتناظر الصارم والخط المحوري الواضح، وبناياتها مسقوفة بالقراميد المزجج فتبدو فاخرة وعظيمة مثل البنايات الإمبراطورية الصينية. وفي منظور النظام المعماري، يتكون المسجد دائما من العديد من الأفنية، وغرفه واسعة ومضاءة، والباب الرئيسي الكبير والمصلى والقاعات الجانبية الرئيسية والمئذنة وجوسق الأنصاب التذكارية، وكلها ذات أفاريز خشبية كبيرة وسقوف داخلية مثل القصور التقليدية الصينية، وفي بعض المساجد يوجد حاجز صيني الأسلوب أمام بابه الرئيسي. وإذا دققت النظر وجدت أن أسلوب توزيع البنايات في المساجد ببكين متغير ومرن، وتتجه كل المصليات والقاعات الخلفية إلي الشرق، خلافا لأسلوب توزيع البنايات الصيني التقليدي وهو أن تتجه كل بناية رئيسية إلى الجنوب، بينما نجد ديكور الحاجز مختلفا عن الأشكال التقليدية الصينية، لأنه متميز بالأسلوب الإسلامي. وبالنسبة للديكور الداخلي للمصلى في كل مسجد ببكين، نلاحظ أنه يتميز بالمزج والجمع الرائع بين فن الزخرفة العربي والزخرفة المعمارية التقليدية الصينية مع إبراز المضمون الإسلامي، مما شكل ثقافة مسجدية ذات خصائص صينية في بكين. المصلى مزخرف داخليا بالآيات القرآنية أو الأشكال الهندسية أو الزهور والأعشاب مثل المساجد العربية تماما، ولا تستخدم صور الحيوانات أبدا.

 

مسجد نيوجيه ببكين

مسجد نيوجيه من أقدم المساجد في شمالي الصين. وقد بني سنة 996م حسب ما جاء في "تاريخ قانغشانغ". كان هناك عدد من المؤرخين يشكون في صحة ذلك. ولكن ينقصهم البرهان على نفي الأمر. ولذلك فان زمن بناء المسجد السالف الذكر ظل معترفا به على وجه العموم. وتفيدنا المدونات التاريخية ان أحد العرب، ويدعى الشيخ قوام الدين، قد جاء من بلده الى الصين. وكان معه ثلاثة أولاد: ابنه البكر صدر الدين، وابنه الثاني ناصر الدين، وابنه الثالث سعد الدين، وكلهم أذكياء وأكفاء فوق العادة. وكان من طبيعتهم ان عاشوا عيشة الاعتكاف، فلم يستسيغوا أبدا الوظائف التي منحهم إياها البلاط الإمبراطوري. ولذلك فقد انعم على كل منهم بلقب أمام المسلمين حين استوطنوا الصين. أما صدر الدين فقد غادر مقره الى أماكن أخرى لنشر الإسلام، ولم يرجع. وقام سعد الدين ببناء مسجد في دونغقوه (الناحية الشرقية من بكين)، كما قام ناصر الدين ببناء مسجد في ضاحية بكين الجنوبية (أي ناحية نيوجيه اليوم) بأمر من الإمبراطور. وهذا المسجد الأخير هو مسجد نيوجيه اليوم. وقد كان صغير الحجم في بادئ الأمر، ثم اصبح على الصورة التي نراها اليوم بعد توسيع بنائه مرارا في عهد أسرتي مينغ وتشينغ (1368-1911م). وفي سنة 1474م أطلق الإمبراطور عليه اسم "لي باي سي" (دار الصلاة). ولما تم ترميمه سنة 1696م على حساب البلاط الإمبراطوري منح لوحا مكبوبا عليه "دار الصلاة الإمبراطورية".

تبلغ مساحة هذا المسجد حوالي آلاف متر مربع. ومع ان مبانيه لا تختلف عن القصور الكلاسيكية الصينية شكلا وتوزعا إلا أنها مميزة بالزخارف الإسلامية الطراز. أما قاعة الصلاة في المسجد فتواجه الشرق، وهي تشكل مع القاعة المقابلة لها وجناحي المسجد الجنوبي والشمالي دارا مربعة مثالية (أي دار تحيط بها المباني من الجهات الأربع وتتوسطها ساحة رحبة). وأما بوابة المسجد، فهي مفتوحة الى الغرب، وأمامها حاجز طوبي كبير، ووراءها برج لمشاهدة الهلال، سداسي الأضلاع مزدوج الأفاريز. وأمام قاعة الصلاة اثنتان من مقصورات الأنصاب الصخرية، تنتصب إحداهما في الجنوب والأخرى في الشمال. وتبدو مباني المسجد منسجمة متناسقة ومحكمة. فهي مجموعة كاملة من المباني الرائعة.

وتتكون قاعة الصلاة من ثلاثة مبان متراصة طولا، وتستغرق خمس فسح عرضا. وهي تغطي مساحة قدرها أكثر من ستمائة متر مربع، وتتسع لقرابة ألف مصل في آن واحد. ولو ألقيت نظرة على القاعة من الخارج، لوجدتها مبنى كلاسيكيا صينيا نموذجيا بما تتميز به من الأفاريز المرفوعة والتركيبات الخشبية الزاهية الألوان، غير ان زخارفها الداخلية إسلامية الطراز تماما. وهي تثير في النفوس شعورا بالمهابة الإجلال. ومحارب قاعة الصلاة مسقوف بمقصورة مسدسة الأضلاع مخروطية الشكل .. مميزة بالسقف الدائري الملون من عهد أسرة سونغ (960-1279م). وعلى جدرانها الجنوبية والشمالية نوافذ مكونة بالكتابات العربية. وفي قاعة الصلاة ثماني عشرة دعامة واحد وعشرون عقدا. وتظهر على عتبات العقود العليا نقوس من الآيات القرآنية والتسابيح الإلهية والمدائح النبوية القوية الخطوط .. وعلى جنبات الدعامات القرمزية اللون نقوش لزهور النيلوفر المموهة بالذهب، مما يشكل مع الثريات المعلقة في القاعة منظرا فريدا من نوعه. وهو يبهر الأبصار ويبعث على المهابة. وكان لهذه القاعة عيب متمثل في الحرارة الخانقة التي يعاني منها المصلون صيفا والبرد القارص شتاء لشدة قدمها، ولكن هذا العيب قد تم تفاديه بعد تزويدها بأجهزة التهوية منذ سنوات. ولو ذهبت الى الركن الجنوبي الشرقي من المسجد لألفيت نفسك أما مرقدين أخيرين للشيخ احمد البرتاني المتوفى سنة 1280 م والشيخ عماد الدين المتوفى سنة 1283م، وهما من علماء الإسلام العرب الذين جاءوا الى الصين لنشر الإسلام. وتنتصب بجوار هذين الضريحين شاهدتان منقوشتان بكتابات عربية واضحة الخطوط حتى يومنا هذا. وهما في نظر المسلمين المحليين من روائع الآثار الإسلامية.

ومن ضمن محفوظات المسجد لوح منقوش عليه أمر، أعلنه الإمبراطور كانغشي سنة 1694م بخصوص المسلمين. اذ قيل انه لما وجد الحاقدين على الإسلام المسجد مضاء بالأنوار المتألقة في ليالي رمضان، وشي بالمسلمين الى الإمبراطور بدافع التقرب اليه، وزعم قائلا: "ان المسلمين يجتمعون ليلا، ويتفرقون نهار، فيبدو أنهم يستعدون للتمرد". فتوجه الإمبراطور ¨C وهي في بزة مدنية- الى المسجد خفية للتحقق من الأمر. ولكن تبين له ان كل ما ورد في وعظ الإمام هو من التعليم الإسلامية الداعية الى الخير والناهية عن الشر، فما لبث ان أصدر أمرا جاء فيه: "ليكن في علم جميع المقاطعات انه: اذا افترى أحد الموظفين أو الرعايا على المسلمين بالتمرد، متذرعا بذريعة تافهة، فلا بد من معاقبته معاقبة شديدة قبل استشارة القيادة العليا. وليتمسك المسلمون بالإسلام دون السماح لهم بمخالفة أمري هذا ..".

وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة 1949 خصصت الحكومة مبلغا لترميم مسجد نيوجيه ترميما شاملا ولكنه عاني من التخريبات الخطيرة في هوس "الثورة الثقافية"، كما أغلقت أبوابه أكثر من عشر سنوات. وفي سنة 1979 أعيد ترميمه على نطاق واسع. وعبر أكثر من سنة من الإصلاحات الدقيقة تجددت ملامح هذا المسجد العريق كما كانت عليه سابقا.

 

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
1   2   3   4   5   الصفحة التالية  


 
انقلها الى... :

الترتيب للأخبار

تعليق

تعليق
مجهول
الاسم :
(0) مجموع التعليقات :
China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号