12 فبراير 2015 / شبكة الصين / توفي البروفيسور كارل دغيراسي عن عمر 91 سنة في منزله بمدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية مساء 30 يناير الماضي بعد صراع طويل مع مرض السرطان. وبرغم شهرته الواسعة ومنحه لقب "مكتشف حبوب منع الحمل" إلا أن هذا التتويج لم يكن كافيا لوصف حياة دغيراسي، الذي كان واحدا من أشهر الكيميائيين في العالم ورجل أعمال ناجحا وروائيا وشاعرا وجامعا للأعمال الفنية وراعيا للفنون.

البحث العلمي

تمكن دغيراسي في عام 1951 من تطوير هرمون أنثوي يسمى "نوريثيندرون" وهو في عمر 28 سنة ليكون الأساس لموانع الحمل التي تؤخذ عن طريق الفم للنساء، لتبدأ بعدها أبحاث حول توفير وسائل لمنع الحمل تأخذ عن طريق الفم، ووافقت إدارة الأغذية والدواء الأمريكية على حبوب منع الحمل عام 1960 رغم الجدل الكبير الذي أثير حولها.

ولعبت أشكال منع الحمل دورا في عدم الإنجاب "الطوعي" وساهمت بشكل كبير في تغيير الأفكار والمبادئ المجتمعية وحقوق المرأة دورها في الأسرة والمجتمع. وفي عام 2000 اختيرت حبوب منع الحمل كثاني أهم اختراع في تاريخ البشرية خلال الألفية الثانية. ومنح دغيراسي في البداية مكافأة رمزية مقدارها "دولار واحد" نظير دوره في اكتشاف وتطوير حبوب منع الحمل، إلا أنه حصل في وقت لاحق على حصة من أسهم مؤسسة "سينتكس ـ Syntex" للمستحضرات الدوائية، ليجني ثروة طائلة بعد ارتفاع أسهم الشركة بسبب التوزيع الواسع لحبوب منع الحمل في الأسواق.

وبعد النجاح الكبير الذي حققه، لم يتخل دغيراسي عن بحوثه العلمية، حيث تولي رئاسة مختبرات سينتكس في مكسيكو سيتي وبالو ألتو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وأسس في عام 1968 شركته الخاصة "زويكون ـ Zoecon" المتخصصة في مجال التكنولوجيا الحيوية حيث ركز على تطوير بدائل آمنة بيئيا لمكافحة الآفات من خلال استخدام هرمونات نمو حشرات لتعطيل دورة "التطور الناقص".

وللبروفيسور كارل دغيراسي العديد من براءات الاختراع المسجلة باسمه، وقد نشر أكثر من 1200 بحث علمي في حياته، وعمل أستاذا للكيمياء في جامعة واين عام 1952 ثم في جامعة ستانفورد عام 1959، كما نال أكثر من 30 جائزة وقلادة من حكومات ومنظمات دولية، إلا أنه لم يتوج بجائزة نوبل.

الكتابة

بدأ كارل دغيراسي تجربة التأليف والكتابة بعد تقاعده، وتأثير علاقته العاطفية الأخيرة التي بدأت عام 1977 مع الناقدة ديان ميدلبروك أستاذة الآداب بجامعة ستانفورد الخاصة في سان فرانسيسكو، بعد زواجين انتهيا بالطلاق.

وقال دغيراسي في مقابلة صحفية واصفا علاقته بديان "يبدو أننا من عالمين مختلفين تماما، رغم عملنا في نفس الجامعة". إلا أن العلاقة بين الحبيبين لم تستمر طويا بعد انفصالهما في عام 1983، ما دفعه للانخراط في دراسة فنون الأدب للتعبير عن صدمته، لينجز روايته الأولى بعد عام واحد من انفصاله عن صديقته.

وتدور أحداث الرواية التي أهداها إلى ميدلبروك حول العلاقة التي جمعت بينهما ونهايتها الحزينة وقد نالت إعجاب صديقته الناقدة. ولم يوافق دغيراسي على نشر هذه الرواية، وفي عام 1985 تزوج من ميدلبروك، التي شجعته على الكتابة. وقال العالم الكبير إنه تحول إلى شخص آخر منذ ذلك الوقت، ليبدأ في عام 1986 مهنة جديدة كمؤلف مسرحي.

وقد نشر دغيراسي أكثر من 20 رواية ومسرحية، وصفت جميعها بـ"العالمية" كونها أدخلت أسلوبا جديدا معتمدا على الخيال للتعبير عن الأفكار حول العلم والعلماء، وكان أشهرها مسرحية تناولت تغيرات المجتمع والفصل بين الجنس والتكاثر.

العمل الخيري

أهتم العالم والمؤلف المسرحي كارل دغيراسي بالفنون وأصبح راعيا لها، بعد صدمته بانتحار ابنته الوحيدة باميلا من زواجه الثاني في 5 يوليو 1978 وهي في سن الـ28 من عمرها، وأدرك أن حالة الكآبة التي أصابت ابنته العاشقة للفنون كانت نتيجة مباشرة للعزلة. ليقرر بعدها تحويل مزرعته الخاصة في سان فرانسيسكو إلى مقر لإقامة الفنانين. ولاقى مشروع دغيراسي تأييد ودعم أكثر من 2000 فنان في مجالات التصوير والآداب والرقص والموسيقى.

ولقب البروفيسور كارل دغيراسي بـ"رجل عصر النهضة" مثل الإيطالي ليوناردو دا فينشي الذي كان رساما ومهندسا وعالما وموسيقيا ونحاتا مشهورا في نفس الوقت.