الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط    أ أ أ

الحزب الشيوعي الصيني - من الثورة إلى بناء الدولة (خاص)

arabic.china.org.cn / 10:04:17 2011-07-15

في هذا المكان بشانغهاي عقد المؤتمر الوطني الأول للحزب الشيوعي الصيني


بقلم: حسين إسماعيل

15 يوليو 2011 / شبكة الصين / يختلف تعريف الحزب السياسي من مدرسة إلى أخرى وفقا لأيديولوجيتها. في الموسوعة البريطانية، الحزب السياسي هو مجموعة من الأشخاص المنظمين يسعون للحصول على السلطة السياسية وممارستها. أما تعريف عالم السياسة الفرنسي موريس دوفرجيه للحزب السياسي فهو أنه مجموعات صغيرة تنتشر في البلاد، ترتبط فيما بينها ارتباطا منظما وتنسق عملها للوصول الى الحكم عن طريق الانتخاب. أما التعريف الماركسي للحزب السياسي فهو أنه تعبير عن المصلحة الاقتصادية لطبقة ما، ويكون الحزب القطاع الطليعي لهذه الطبقة. ويصل الحزب إلى السلطة، وفقا للتعريف الماركسي، عن طريق التغيير والثورة.

القاسم المشترك في كل تعريفات الحزب السياسي، على اختلافها، هو سعي الحزب للوصول إلى السلطة، عبر سبل مختلفة، بالانتخاب وفقا لدوفرجيه، وبالتغيير والثورة وفقا لماركس.

ليس هناك حزب بدون عقيدة سياسية، أيا كان منبعها، ولم يعرف التاريخ السياسي للعالم حزبا ليس له عقيدة سياسية استطاع البقاء. ولكن التاريخ أيضا لم يعرف حزبا سياسيا ظل جامدا واستطاع أن يفلت من الفناء. العقيدة وقدرة التطور هما سر الحياة لأي حزب سياسي. فكيف ظهر الحزب الشيوعي الصيني قبل تسعين سنة، وكيف استطاع أن يبقى ويتطور، في حين اندثرت أحزاب مشابهة له في دول أخرى كانت ذات يوم من القوى الكبرى والمؤثرة في العالم؟

قد يكون من المفيد استعراض تاريخ الصين في بداية القرن العشرين؛ الفترة التي شهدت إرهاصات ظهور الحزب الشيوعي. فقد خرجت الصين من القرن التاسع عشر وهي دولة في ورطة ومجتمع في أزمة واقتصاد محطم. كان البلاط الإمبراطوري قد وصل أعلى درجات الجمود، بينما أراضي البلاد موزعة كامتيازات بين الدول الغربية التي كانت تحاول السيطرة على أكبر قدر ممكن من أراضي الصين. كان الصينيون ساخطين على السيطرة الأجنبية وعبروا عن ذلك في انتفاضة إيخهتوان (الملاكمين)، ولكنهم أيضوا كانوا مستائين من عجز حكومة بلادهم. قاموا بثورة سنة 1911 التي أنهت الحكم الإمبراطوري الذي دام ألفي سنة، وأسست جمهورية الصين برئاسة زعيم الثورة صون يات صن. ولكن السيد صون استقال في سنة 1912، وتولى الحكم يوان شي كاي الذي سعى إلى تنصيب نفسه إمبراطورا لتدخل البلاد في مرحلة من الفوضى السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، دخلتها الصين إلى جانب الحلفاء، ولكن معاهدة فرساي التي ترتبت على هذه الحرب أهملت مطالب الصينيين بإنهاء الامتيازات الأجنبية وسيطرة الأجانب على الأراضي الصينية.

شعر الصينيون، وخاصة المثقفين، بالإهانة وأدركوا عجز حكومة بلادهم فخرج الطلاب في مظاهرات حاشدة في الرابع من مايو سنة 1919 احتجاجا على معاهدة فرساي.

من رحم حركة "رابع مايو" ولد الحزب الشيوعي الصيني. لقد أخذ الصينيون يبحثون في تراثهم عن "عقيدة" توفر لهم منهجا يسيرون عليه للتخلص من واقعهم فلم يجدوا غير الفكر الكونفوشي الذي كان عقيدة الأسرات الإمبراطورية المتعاقبة التي أوصلت بلادهم إلى ما هي فيه من ضعف وهوان. والصين بلد ليس لأهله عقيدة دينية يمكن أن يستمد منها مثقفوها مبادئ وقيما اجتماعية وسياسية يسترشدون بها في مسيرة إنهاض بلادهم. نظر الصينيون شرقا نحو اليابان التي هزمت بلادهم في حرب 1894- 1895، فوجدوا فيها نظاما إمبراطوريا لا يختلف كثيرا عن النظام الذي حكم بلادهم قرونا عديدة. التفت الصينيون نحو الغرب، مصدر العلوم الحديثة والتقنيات المتقدمة، ولكن هذا الغرب هو الذي يحتل أجزاء من بلادهم ويسيطر عليها، وكراهيته تملأ قلب كل صيني. في هذه الأثناء، كان الفكر الماركسي يقدم بديلا للفكر الرأسمالي، وقد اكتسب قوة وشهرة ومكانة بعد نجاح الثورة البلشفية في القضاء على حكم قياصرة روسيا وتأسيس اتحاد الجمهوريات السوفيتية في شهر أكتوبر سنة 1917. كان الاختيار الشيوعي، إذاً، هو المناسب لإرشاد الصينيين في طريقهم لتخليصها من أمراء الحرب والنفوذ الأجنبي والنهوض بها.

ولكن الصينيين الذين اختاروا الشيوعية واجهوا معضلة نظرية، فالفكر الشيوعي يستند إلى صراع الطبقات، وتحديدا الصراع بين طبقة العمال وطبقة الرأسماليين، وهما الطبقتان الرئيسيتان في المجتمعات الغربية بعد الثورة الصناعية، ولا وجود لهما في الصين، التي كان يمثل الفلاحون أكثر من تسعين في المائة من سكانها، آنذاك. في هذه اللحظة التاريخية تحديدا؛ وضع الحزب الشيوعي الصيني بذرة تطوره، باتخاذ الريف والفلاحين القاعدة الرئيسية له، وليس المصنع والعمال. هكذا ولدت مرونة الفكر مع ولادة الحزب الشيوعي الصيني، وحل الصينيون تلك المعضلة النظرية، مثلما استطاعوا، لاحقا، حل الكثير غيرها.

بعد حركة "رابع مايو" بدأ الفكر الماركسي ينتشر في أرجاء الصين، وشكل الشيوعيون جمعيات وتجمعات مختلفة. وفي غرة شهر يوليو سنة 1921 اجتمع في شانغهاي ثلاثة عشر رجلا يمثلون أكثر من خمسين عضوا، منهم ماو تسي تونغ، وقرروا إعلان الحزب الشيوعي الصيني (تشونغقوه قونغتشان دانغ)، فكان ذلك الاجتماع هو المؤتمر الأول للحزب.

في سنة 1924، تحالف الحزب الشيوعي مع حزب الكومينتانغ لتشكيل "الجبهة المتحدة" الأولى للقضاء على أمراء الحرب الذين كانوا يسيطرون على أجزاء متفرقة من الصين، وشكل الحزبان الجيش الثوري الوطني. في سنة 1927، نقض زعيم الكومينتانغ تشيانغ كاي شيك اتفاق "الجبهة المتحدة" فدخل الحزبان في حرب أهلية استمرت حتى تشكيل "الجبهة المتحدة" الثانية في سنة 1936، استعدادا لمقاومة العدوان الياباني الذي بدأت بوادره منذ سنة 1931، وإن كان العدوان الشامل بدأ في السابع من يوليو سنة 1937. استمر تحالف الحزبين حتى أوائل سنة 1941، عندما وقعت "حادثة الجيش الرابع الجديد"، عندما غدرت قوات الكومينتانغ بقوات الشيوعيين أثناء انسحاب الأخيرة من مواقعها في مقاطعتي آنهوي وجيانغسو. كان الحزب الشيوعي الصيني، من أجل مصلحة الأمة الصينية، يكشف عورات الكومينتانغ، من جانب، ومن جانب آخر يتحمل نتيجة ذلك، حتى استمر التعاون بين الحزبين إلى أن يتم الانتصار في حرب مقاومة العدوان الياباني.

مع انتهاء الحرب العالمية الثانية في سنة 1945 وهزيمة اليابان، دخل الحزبان الشيوعي والكومينتانغ في مرحلة صراع جديدة حسمها الحزب الشيوعي لصالحه من قواعده الريفية الحصينة، وانسحبت قوات الكومينتانغ إلى جزيرة تايوان ليعلن ماو تسي تونغ، زعيم الحزب الشيوعي الصيني، في غرة أكتوبر سنة 1949 قيام جمهورية الصين الشعبية.

بقيام الصين الجديدة، انتقل الحزب الشيوعي الصيني من الثورة إلى الدولة، فكان عليه أن يعيد بناء الصين اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، فشرع في تطبيق أول خطة خمسية للتنمية، وتضمنت إصلاح الأراضي والإصلاح الاجتماعي والإصلاح الثقافي والتخطيط الاقتصادي. وقد قادت تلك التغييرات إلى ما يسمى بـ"القفزة الكبرى إلى الأمام والإصلاح الثقافي البروليتاري العظيم".

نظر الحزب الشيوعي الصيني بانفتاح إلى العالم الخارجي، وخاصة دول آسيا وأفريقيا، واستطاع أن يجعلها تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، برغم اختلاف القيم والمفاهيم السياسية والنظم في تلك الدول عما هو في الصين. وحققت الصين في تلك الفترة إنجازات ملحوظة، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. ولكن الحزب الشيوعي، في تحوله من الثورة إلى الدولة، دخل مرحلة خطيرة عندما أشعلت عناصر معينة فيه ما يسمى بـ "الثورة الثقافية الكبرى" من سنة 1966 حتى سنة 1976.

ولكن لأن هذا الحزب له عقيدة واضحة ويمتلك المرونة الكافية، فقد استطاع أن ينهض من كبوة "الثورة الثقافية". وفي الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني قرر الحزب تبني سياسة الإصلاح الاقتصادي والانفتاح على العالم الخارجي. كان محور هذه السياسة هو توجيه كافة الجهود لبناء الدولة. أدرك زعيم الحزب، دنغ شياو بينغ، التغيرات التي شهدها العالم وأنه لكي تتبوأ الصين مكانتها اللائقة فلابد أن تواكب تلك التغيرات، ولا سبيل إلى ذلك إلا بـ"تحرير الفكر". آمن السيد دنغ بأنه ليس هناك أيديولجيات جامدة وإنما مبادئ وأهداف ثابتة، فالمهم، حسب قوله، ليس لون القط طالما أنه يأكل الفأر. سمح الحزب الشيوعي الصيني بتطور أعمال اقتصادية غير مملوكة للدولة ولا للجماعة، وشجع رأس المال الخارجي على الاستثمار في الصين واتخذ إجراءات عديدة هدفها في النهاية هو تحقيق مزيد من الانفتاح الاجتماعي، وتبني ما يسمى بـ"الاشتراكية ذات الخصائص الصينية". على الجانب السياسي، لم يكن الحزب جامدا، فقد قرر السيد دنغ في بداية سنة 1989، التخلي عن كافة مناصبه في الحزب والدولة، فانتخب الحزب جيانغ تسه مين أمينا عاما للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ليكون نواة الجيل الثالث من قيادة الحزب. أنهى الحزب أبدية المنصب. ومع تطور الصين اقتصاديا وسياسيا وظهور قيم ومفاهيم وفئات اجتماعية جديدة أقدم الحزب على خطوة جرئية بتعديل دستوره فدخلت فيه لأول مرة كلمة "الدين" وذلك خلال المؤتمر الوطني السابع عشر له في سنة 2007. وشمل التعديل أيضا خطوة غير مسبوقة حيث جاء فيه أن الحزب "يشجع بثبات ويدعم ويرشد تطور القطاع غير العام".

وواصل الحزب تكيفه مع التغيرات التي تشهدها الصين والعالم، فشجع أصحاب الأعمال الخاصة على الانضمام إليه لتوسيع قاعدة عضويته بحيث يضم شخصيات تمثل كافة أطياف وتوجهات المجتمع الصيني. صار الحزب أكثر حيوية مع تولي قيادات شابة لمواقع عديدة فيه وصار أكثر انفتاحا في تعاملاته مع الأحزاب السياسية المختلفة في العالم، كما أصبح قادرا على استيعاب مستجدات العصر التقنية والفكرية.

ولكن الحزب الشيوعي الصيني، برغم كل ما سبق، يواجه جملة من التحديات في مقدمتها، حسب قول أعضائه، الفساد. ويحدد شيوي مينغ، رئيس تحرير مجلة ((العلوم الاجتماعية)) الأسبوعية والباحث بأكاديمية شانغهاي للعلوم الاجتماعية، جملة من التحديات، على المستوى الفكري، ومنها ظهور اتجاهات فكرية جديدة في الصين، مع تعمق انفتاح الصينيين على الفكر العالمي ومتابعتهم لما يحدث في أرجاء العالم من تحولات سياسية واجتماعية. بيد أن كثيرين يراهنون على قدرة الحزب الشيوعي الصيني على استيعاب هذه التحولات ومواكبتها والاستمرار في قيادة الصين لفترة زمنية طويلة.



1   2   3   4    




تعليق
مجموع التعليقات : 0
مجهول الاسم :