الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط أ أ أ |
التنمية الصينية من منظور فلسفي عربي- الشاعر والمفكر عبد المعطي حجازي في حوار مع ((الصين اليوم)) (خاص)
أجرى الحوار: عادل صبري
15 يوليو 2011 / شبكة الصين / ترتبط الثورة في أذهان كثيرين بحالة الفوضى التي تحدث عقب انهيار الأنظمة والسلطة القائمة. ويعتبر البعض انهيار الدولة المرحلة الأولى للثورة، التي يتم خلالها تغيير النظام ككل، وطرح أفكار جديدة حول الدولة ومؤسساتها الرئيسية، ونقل البلاد إلى مرحلة الاستقرار السياسي الحقيقي، في النظام والمجتمع. ويجمع مفكرون على أن ثورة سنة 1911 في الصين بقيادة صون يات صن، أم الثورات في الشرق. فقد هبت رياح التغيير ضد الأباطرة والاستعمار في الصين، وامتدت آثارها في اتجاه الهند، التي انطلقت في عشرينيات القرن الماضي، ووصلت ريحها إلى مصر ودول الشرق الأوسط في نفس الوقت تقريبا.
بمناسبة مرور تسعين سنة على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني الذي قاد الصين في فترة الثورة وأقام الصين الجديدة وقادها، حاورت ((الصين اليوم)) الفيلسوف والشاعر العربي الكبير الدكتور أحمد عبد المعطي حجازي، للتعرف عن قرب على رؤيته لتطور الصين في ظل قيادة الحزب الشيوعي، وقدرة هذا الحزب على وصل الماضي بالحاضر للانطلاق إلى المستقبل.
((الصين اليوم)): ما أهمية الثورات في حياة الشعوب؟
د.عبد المعطي حجازي: الثورة طاقة تتجسد في المجتمع، وتقع عندما لا تستجيب مؤسسات السلطة لحاجات الإنسان المتجددة، ولأن المؤسسات القديمة تعيش في غير زمانها، وتريد أن تصنع المستقبل، على الأسس التي كانت تعيش عليها في الماضي. وعندما لا تجد الجماهير أمامها منفذا إلا أن تثور تقع الثورة، وقد اكتملت كل عناصرها الموضوعية سواء كانت هذه العناصر تنتمي إلى طبقات جديدة أو تعبر عن مصالح وثقافة جديدة. تحقق ذلك في الثورة الفرنسية عام 1799، عندما حالت السلطة دون التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها البلاد، وأحدثها الحزب الشيوعي الروسي في روسيا قسرا بعد أن نقل أفكاره الماركسية إلى مجتمع جديد يقع أغلبه في قارة آسيا، عام 1917، ولكنه كان لا ينتمي إلى تلك الأفكار التي نشأت في أوروبا فاضطر الحزب إلى فرض الاستبداد وخلق ما يسمي بديكتاتورية الطبقة العاملة حتى يحكم قبضته على شعب يرفض المبادئ التي قامت عليها الثورة الشيوعية.
((الصين اليوم)): ما رؤيتك للثورة الصينية التي قادها الحزب الشيوعي؟
د. عبد المعطي حجازي: نجحت الثورة في الصين لحاجة المجتمع إلى التغيير، فالمجتمع الصيني كان يعاني من الفساد الإمبراطوري، والتدخل الغربي في شئونه واقتطاع أجزاء من أراضيه، على يد سبع دول أوروبية وروسيا واليابان، والشعب كان يدرك أهمية أن يحافظ على ماضيه العريق وأراضيه الشاسعة، وكانت ثورته ضد الظلم والطغيان والاحتلال، ورغبة في أن تحصل الأغلبية الفقيرة على حقها في العمل والغذاء وفرص التنمية، ووقف المجاعات التي كانت تجتاح البلاد وتزداد كوارثها من عام لآخر. ولم تبدأ الثورة الصينية من فراغ بل قامت في بداية العقد الثاني من القرن الماضي، واستمرت من عام 1911 حتى نجحت في تحقيق مسيرتها عام 1949، بوصول قوافل التحرير التي قادها الحزب الشيوعي الصيني من أعماق الريف إلى قلب العاصمة بكين في أكتوبر عام 1949. ومن أنجح الأمور التي عرفتها الثورة الصينية أنها كانت قادرة على تطوير ذاتها، بحيث لم تتوقف عند تحقيق مصالح لفئة دون أخرى وإنما انتقلت من مرحلة دعم حقوق العمال والفلاحين إلى تنمية الإنسان الصيني على كافة الأصعدة.
((الصين اليوم)): ما هي أهم إنجازات الثورة الصينية في رأيك؟
د.عبد المعطي حجازي: تمكنت الثورة الصينية من نقل البلاد من حالة الفوضى والاحتلال والانغلاق على الذات إلى الانفتاح على العالم، بعد أن تحقق الاستقرار التام لها، بعد وصولها للحكم عام 1949، حتى عام 1979. وكانت الكلمة المشهورة للزعيم دنغ شياو بنغ "لا يهم أن يكون القط أسود أو أبيض ولكن الأهم أن يكون القط قادرا على صيد الفأر"، وهي من الأقوال التي تحولت من مجرد ألفاظ ورؤى ثورية إلى منهج فلسفي في الحياة، تدفع زعماء العالم إلى ضرورة البحث عن مصالح الشعوب بما يتلاءم مع الواقع الذي يحيط بهم. ولهذا تطورت الصين وشهدت عمليات تنمية شاملة على كافة الأصعدة وأصبحت عملاقا اقتصاديا يتعامل مع الشرق والغرب بصدر مفتوح، وجعلت الصين المنغلقة على نفسها تفتح أبوابها للأجانب، ورأس المال الخاص من الداخل والخارج، دون أن تطاردها مخاوف عودة الاحتلال كما حدث في الماضي، أو أوهام التقوقع على الذات التي دفعت ضريبتها في القرن التاسع عشر باقتطاع أجزاء شاسعة من أراضيها أمام الغزو الأجنبي والطامعين في أراضيها الشاسعة في الشمال والجنوب والشرق والغرب.
((الصين اليوم)): ما قيمة الثورة عند الشعوب؟
د.عبد المعطي حجازي: عندما تؤول الثورة إلى فريق يعادى أهدافها، فلن تستنهض همم الشعوب، أما إذا كان القادة يعملون على تحرير شعوبهم ونقلهم إلى حياة التحرر والحرية، فهذا ما يجعل للثورة قيمة، تدفع الناس إلى النهضة في كل شيء بداية من التطور الصناعي إلى التحول الحضاري والسيادة الثقافية، ونعتقد أن هذا ما أحدثته الثورة الصينية على مدى تاريخها الطويل.
((الصين اليوم)): هل يمكن أن تصبح الثورة ملهمة في مكان ومحبطة في مكان آخر؟ د.عبد المعطي حجازي: من أبسط التعريفات للديمقراطية هي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، وهذا المبدأ العام لا يخص شعبا دون آخر، ولكي نقبل الديمقراطية علينا أن نحتكم إلى دولة القانون، حيث السيادة للشعب وقوانينه التي يشرعها ويطبقها دون تمييز بين طائفة أو قومية أو معتنقي دين بعينه. ويقع الإحباط من حالة الثورة عندما تحصد فئة ثمار الثورة دون غيرها في المجتمع، كما حدث في روسيا، عقب اندلاع ثورة البلاشفة عام 1917 عندما أرادت أن تطبق الفلسفة الماركسية كما وضعها كارل ماركس وفقا لمفاهيمه التي تربى عليها في غربي أوروبا، وعندما اصطدمت برفض مجتمع تقليدي لهذه الأفكار حاولت فرضها بالقوة، وخلقت ما يسمى بديكتاتورية الطبقة العاملة. وهذا المبدأ كان ضد أهداف الثورة التي كانت تدعو للحرية والعدالة والمساواة، في بادئ الأمر، ونعتقد أن الثورة الصينية لم تقع في هذا المنزلق لأنها حرصت على أن تكون الأفكار المستوردة من الخارج ملائمة للمجتمع المحلي، بحيث حافظت على حقوق الأقليات القومية والدينية، بما يراعي المصلحة العليا للوطن، ويحقق الانسجام بين كافة أعضاء المجتمع الذي يضم خمس سكان العالم.
((الصين اليوم)): متى يلتقي الشرق بالشرق وتكون العلاقة بين العرب والصين أكثر متانة؟.
د.عبد المعطي حجازي: عندما نبني الأساس المتين لدولة مدنية تقوم فيها العلاقة بين السلطة والشعب على أساس المواطنة، سوف نتقدم ونجد ألف فرصة للالتقاء مع بلاد الشرق. وعندما نستلهم تجربة الهند أو ماليزيا أو الصين أو أي دولة، لا يهم أن تكون "القطة سوداء أو بيضاء، المهم أن تكون قادرة على اصطياد الفئران" كما قال الزعيم دنغ شياو بينغ. ما أعنيه هنا هو الانفتاح على العالم والمقارنة بين تجاربه لخلق مزيج من التجارب الناجحة نستطيع تطبيقها وتطويرها فى مصر وكافة الدول العربية.
تعليق |
مجموع التعليقات : 0 |