الصين تبحث عن الثراء في الداخل

">
الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط    أ أ أ

الصين تبحث عن الثراء في الداخل


نشرت صحيفة الشبيبة العمانية 26 فبراير مقالا بعنوان:

الصين تبحث عن الثراء في الداخل

ماتزال الصين تمارس تحقيق نمو بقيادة الصادرات، وهي الإستراتيجية التي خدمت دولا أخرى نامية بشكل جيد أيضا. فالصادرات الصينية مسؤولة عن ما بين 40 بالمئة و60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، بينما تمثل الصادرات ما نسبته 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا، على الرغم من أن ذلك كان متوقعا قبل بضعة أشهر، وتحديدا من بعد شهر أغسطس الفائت، وضعت الصين بداية العام الجاري حجر زاوية ذا أهمية رمزية في بنائها الاقتصادي، وذلك بتخطيها رسميا اليابان لتصبح هي صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد أمريكا. وعلى الرغم من أن نهوض الصين وصعودها يحملان امكانات أن تدعم النمو العالمي، هما يفاقمان في الوقت نفسه من التوترات.

ورغم وصول اقتصادها إلى هذه المكانة الرفيعة، ماتزال الصين دولة فقيرة. لكن هذا أيضا يعطيها فرصة المزيد من النمو والانطلاق من مستوى منخفض الى مستويات أعلى. لكنها أيضا، ولأنها دولة نامية، هي من المحتمل أن تواصل التركيز على الصادرات، على الرغم من أن إستراتيجيتها الاقتصادية الأخيرة تشير إلى احتمال أن تبدأ إعادة توازن اقتصادها ليميل أكثر نحو تحفيز الطلب المحلي.

وفي حال مقارنتنا بين الصين والاقتصاديات الأخرى الكبرى حول العالم، لوجدنا الاختلافات واضحة. فربما تكون الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد من حيث الحجم حقا، لكنها تحتل المرتبة رقم 119 من بين دول العالم من حيث متوسط دخل الفرد فيها، بحسب بيانات البنك الدولي.

وعلى الرغم من أن حجم الاقتصاد الياباني والذي وصل نهاية العام الفائت إلى 5.5 تريليون دولار أمريكي، أصغر من حجم الاقتصاد الصيني، والذي وصل إلى 5.9 تريليون دولار أمريكي نهاية العام الفائت أيضا، نجد أن متوسط دخل الفرد في اليابان أعلى عشر مرات من متوسط دخل الفرد في الصين، فهو يصل في اليابان إلى 40 ألف دولار أمريكي. أما متوسط دخل الفرد في أمريكا، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم والذي وصل حجمه نهاية العام الفائت إلى 14.9 تريليون دولار، فيصل إلى 47 ألف دولار، أكبر من مثيله الياباني بقليل، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي.

وما تزال الصين تمارس تحقيق نمو بقيادة الصادرات، وهي الإستراتيجية التي خدمت دول أخرى نامية بشكل جيد أيضا. فالصادرات الصينية مسؤولة عن ما بين 40 بالمئة و60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، بينما تمثل الصادرات ما نسبته 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا، ونفس النسبة فيما يخص اليابان أيضا. وكان هذا موطن خلافات بين الاقتصاديات الكبرى، لأن هناك دولا أخرى نامية ترغب في تحقيق النمو من خلال زيادة الصادرات.

لكن الصين تخطط إلى إعادة التوازن لاقتصادها، وتوجيهه أكثر نحو الطلب المحلي، وهذا معناه الانتقال بعيدا عن الصادرات. وهذا الانتقال، جزئيا، هو ردة فعل صينية تجاه الواردات الأضعف من الغرب؛ فالمستهلكون الصينيون مهتمون أكثر بسداد ديونهم للبنوك أكثر من اهتمامهم بالعودة الى مستويات الإنفاق السابقة.

كما أن الحكومة الصينية تريد تجنب الاحتجاجات في المصانع التي حدثت في العام 2009 عندما انهارت الصادرات وتم تسريح العمال بأعداد ضخمة. ويمكن للصين أن تقوم بتلك النقلة نحو تحفيز الطلب المحلي على حساب تحفيز الصادرات لأن لديها طبقة متوسطة ناشئة كبيرة العدد، والتي حققت مستوى معقولا من الدخل خلال العقود الثلاثة الأولى من عهد الإصلاح.

وكانت الصين تتحدث عن مثل هذه الإصلاحات في نموها الاقتصادي منذ فترة، لكن أبرز التحركات في هذا الصدد كانت في الخريف الفائت عندما أقدمت الحكومة الصينية على تغيير السياسات. وستكون الخطة الخمسية الثانية عشرة والتي تمت الموافقة عليها الخريف الفائت، والتي سيبدأ العمل بها من الشهر القادم، هذه الخطة الخمسية الثانية عشرة ستركز على تطوير قطاع الخدمات في الدولة، وعلى زيادة نسبة التمدين وتحسين الدخول.

وتشكل صناعة الخدمات 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الصيني، وهي نسبة منخفضة بشكل نسبي. أيضا، أكثر من نصف تعداد الصين هم سكان رعويون ومزارعون. لذا، سيحسن توجه الصين نحو التمدين من حياة المزارعين والفقراء المهاجرين إلى المدن بحثا عن عمل، وسيوفر هذا التمدين الكثير من فرص العمل الأفضل لسكان المناطق الريفية. وهذا بدوره سيساعد في زيادة الدخول وتوسيع القاعدة الاستهلاكية. كما أن تحسين دخول العمال في المناطق الحضرية جزء من الإستراتيجية أيضا. فعلى الرغم من أن الأجور كانت تزيد منذ فترة وبمعدل سريع، كانت الدخول تنخفض- لارتفاع معدلات التضخم- وهذا يفسر جزئيا انخفاض الاستهلاك إلى ما نسبته 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، والذي هو أقل من مثيله في العديد من الاقتصاديات الكبرى.

والهدف الإجمالي، وهو هدف طموح، هو الحفاظ على الثلاثين عاما القادمة من النمو. فالصين حذرة مما يسمى" فخ دولة الدخول المتوسطة" والذي تمكنت دول قليلة من الدول التي علقت فيه من أن تنتقل بنفسها إلى مصافي الدول الثرية، لأن النمو يتباطأ في غياب التطورات والتحسينات التكنولوجية والإنتاجية. وهذا سيعني أن الصين سترغب في أن تواصل الاندماج في الاقتصاد العالمي والتكامل معه، وبذا يمكن لشركاتها أن تتعلم في الوقت الذي تنافس فيه على الساحة العالمية. لكن هذا معناه أيضا أنها تحتاج إلى إصلاح اقتصادها المحلي لتحسن من ظروف العمل للشركات الخاصة، وتحسن من سوق العمل وتزيل منه كل المعوقات. وهذا أمر لا مفر منه في صيانة الاقتصاد والنمو الاقتصادي والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.

وهذا الانتقال في السياسة يشير إلى أن الصين ربما تكون قد بدأت تدرك أنه بمقدورها أن تكون تاجرا كبيرا حتى وإن كان اقتصادها مدفوعا بشكل كبير بشركاتها الداخلية ومستهلكيها المحليين، كما هو الحال مع أمريكا واليابان. لكن هناك دولا أخرى ترغب في رؤية الخطة الخمسية الثانية عشرة يتم تطبيقها اليوم قبل الغد، على يد الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

 

شبكة الصين /7 مارس 2011/





تعليق
مجموع التعليقات : 0
مجهول الاسم :