الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط    أ أ أ

صحيفة الاقتصادية السعودية: الصين وفائضها التجاري المتقلص


نشرت صحيفة الاقتصادية السعودية 19 فبراير مقالا للأستاذ فان جانج بعنوان

الصين وفائضها التجاري المتقلص

كانت الصين طيلة عام 2010 موضعا للانتقاد من جانب الكونجرس الأمريكي (وجهات أخرى عديدة) بدعوى ''تلاعبها'' بعملتها من أجل الحفاظ على ميزة التصدير، وبالتالي الحفاظ على فائضها التجاري، وهناك من زعم أن السلوك الذي تنتهجه الصين كان المصدر للاختلال الضخم في التوازن العالمي اليوم.

ولكن الصين رفضت تحميلها المسؤولية عن هذا الاختلال وأنكرت المطالبة الأمريكية المتكررة برفع قيمة عملتها بشكل كبير. ولقد ارتفعت قيمة الرنمينبي الصيني في مقابل الدولار الأمريكي بنحو 3 في المائة فقط أثناء الفترة من حزيران (يونيو) 2010 وحتى نهاية العام. وطبقا لتحليل استخدمه بعض خبراء الاقتصاد والساسة الأمريكيين، فإن المعدل المنخفض لرفع قيمة العملية الصينية، إلى جانب نمو الصادرات الصينية الذي زاد في عام 2009 بنسبة 31 في المائة مقارنة بعام 2009، لا بد وأن يكون قد أسهم في زيادة الفائض التجاري الصيني بهامش عريض.

الواقع أن الفائض التجاري الصيني تناقص في عام 2010 بنسبة 6.4 في المائة مقارنة بعام 2009. ولقد جاء هذا الانحدار في أعقاب هبوط بنسبة 30 في المائة في الفائض التجاري الصيني في عام 2008، وكان ذلك راجعا إلى الأزمة المالية العالمية وما أعقب ذلك من ركود. وفي الإجمال، تقلص الفائض التجاري الصيني بنسبة 36 في المائة بالقياس المطلق على الدولار الأمريكي، كما انخفض الفائض بنسبة تتجاوز النصف (53 في المائة) كحصة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العامين الماضيين. وعلى هذا فقد هبطت نسبة الفائض في الحساب الجاري الصيني إلى الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 4.6 في المائة، وهذا أدنى كثيرا من القمة التي بلغتها هذه النسبة في عام 2007 (11.3 في المائة).

وتظهر هذه البيانات بشكل قاطع أن نظرية ''سعر الصرف المحوري'' في تفسير الفائض التجاري لا ينسجم مع الحقيقة. فقد أصبح اقتصاد الصين على مدى العامين الماضيين أكثر توازنا في علاقاتها التجارية الخارجية، على الرغم من عدم حدوث تعديلات كبيرة في أسعار الصرف.

والسبب بطبيعة الحال يرجع إلى الزيادة الكبيرة في الطلب المحلي الصيني. فقد ارتفع الإجمالي الحقيقي من المبيعات من السلع الاستهلاكية بنسبة 14.8 في المائة في عام 2010، كما سجلت الاستثمارات المحلية الثابتة الحقيقية نموا بلغت نسبته 19.5 في المائة. ونتيجة لهذا، فقد سجل الطلب على الاستيراد، بالدولار الأمريكي، نموا بلغ 38.7 في المائة، وهو ما تجاوز النمو في التصدير والذي بلغ 31 في المائة. وببساطة، إذا تمكنت أي دولة من تحسين توازنها الداخلي، فإنها لا بد وأن تصبح أكثر توازنا على المستوى الخارجي، بصرف النظر عن ضآلة التغير في سعر الصرف.

والسؤال الثاني هو: هل تتمكن الصين من خفض فائضها التجاري بمستويات أكبر في حين تستمر في الحفاظ على سياستها القائمة على ''الرفع التدريجي'' لقيمة الرنمينبي؟ الواقع أن هذه النتيجة مرجحة إلى حد كبير في الأعوام المقبلة، أثناء مدة الخطة الخمسية الجديدة.

كبداية، يجري الآن تطبيق العديد من الإصلاحات المالية والضريبية الكبيرة أو الإعداد لتطبيقها، مثل الزيادة في تحصيل أرباح الشركات المملوكة للدولة وزيادة ضريبة الموارد المفروضة على صناعات مثل النفط والتعدين، من أجل خفض مدخرات الشركات. وسيشتمل الأمر أيضا على خفض ضريبة الدخل الشخصي في غضون الأعوام القليلة المقبلة من أجل زيادة الدخل الأسري الذي يمكن إنفاقه.

وفي إطار الخطة الخمسية الجديدة (2011 - 2015)، تم تحديد بعض الأهداف الثابتة الملزمة فيما يتصل بإصلاح شبكة الأمان الاجتماعي. وفي النهاية فإن نظام الضمان الاجتماعي سيوفر التغطية الشاملة، بما في ذلك تغطية السكان في الريف والعمال المهاجرون في المدن الصينية. وسيتاح المزيد من الأموال العامة للتعليم والرعاية الصحية في المناطق الريفية. وسيتوافر المزيد من الخدمات العامة للمهاجرين الجدد إلى المناطق الحضرية. وكل هذه التغييرات من شأنها أن تزيد من الاستهلاك المحلي في كل من الأمدين القريب والبعيد.

وعندما تتحقق كل هذه الإصلاحات فإن معدل الادخار الوطني في الصين قد ينخفض من 51 في المائة حاليا إلى 45 في المائة. وسيؤثر هذا بشكل واضح من حيث خفض الفائض في الحساب الجاري، وهو ما يعكس صافي المدخرات الوطنية.

فضلا عن ذلك فإن الحكومة الصينية، على المستويين المركزي والمحلي، ستظل حريصة على الاستمرار في تنفيذ الاستثمارات في البنية الأساسية بهدف دعم المزيد من التحضر والتصنيع. كما تم وضع خطة طموحة لإنشاء شبكة قطارات وطنية عالية السرعة. كما تعمل جميع المناطق الحضرية الكبرى، بما في ذلك بعض المدن من المرتبة الثانية من الأهمية، على بناء أنظمة النقل العامة بحيث تتضمن المزيد من الأنفاق وشبكات السكك الحديدية الخفيفة.

وسيزداد الطلب القوي أيضا على مرافق حضرية أخرى؛ وذلك لأن عدد سكان المناطق الحضرية في الصين سيستمر في الزيادة بشكل هائل في المستقبل المنظور. ولأن نسبة التحضر لا تزال منخفضة إلى حد كبير (48 في المائة)، فإن الاستثمار المرتفع نسبيا في مشاريع البنية الأساسية قد يصبح مستداما لفترة طويلة. وستستنزف هذه الاستثمارات أغلب مدخرات البلاد الوطنية وتعمل على دعم الطلب العالي على الواردات.

لذا، فيبدو من المرجح أن ينخفض الفائض في الحساب الجاري الصيني إلى ما دون 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي قبل أن يمر وقت طويل - بل وقد ينخفض إلى مستوى أدنى، إن لم يتحول إلى عجز صريح. وبعبارة أخرى، فإن الصين قادرة بسهولة على بلوغ الهدف الذي حددته ''الدلالات الإرشادية'' لخفض الخلل في التوازن العالمي بحلول عام 2015، كما اقترح مسؤولون من الولايات المتحدة أخيرا في الاجتماع الوزاري لمجموعة العشرين الذي استضافته مدينة ثول في تشرين الثاني (نوفمبر).

والسؤال الرئيس الآن هو: ماذا يحدث في الولايات المتحدة، والتي تمثل الجانب الآخر من الاختلال العظيم في التوازن؟.. كان العجز في الحساب الجاري الأمريكي في تضاؤل أثناء الأرباع الأخيرة، وذلك بفضل نمو الصادرات. وهذه أنباء طيبة. ولقد حدث ذلك من دون تعديل كبير نحو الهبوط لأسعار الصرف؛ وذلك بسبب ضعف اليورو وبعض العملات الرئيسة الأخرى.

لقد أسهم التيسير النقدي الذي أقره مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة في رفع التوقعات فيما يتصل بانخفاض قيمة الدولار الأمريكي على نحو يساعد في دعم الصادرات الأمريكية. ولكن المدخرات المحلية تظل متدنية في مواجهة المستويات المرتفعة من الديون العامة. ومرة أخرى، لا بد أن ندرك أن السبب الأساسي وراء الاختلال في التوازن العالمي اليوم كامن في المشكلات البنيوية المحلية على الجانبين. ولن تلعب أسعار الصرف سوى دور ثانوي في إعادة التوازن.

 

شبكة الصين /5 مارس 2011/





تعليق
مجموع التعليقات : 0
مجهول الاسم :