الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط    أ أ أ

الصين: قَفَزَ الأرنب


نشر موقع الصين بعيون عربية 7 فبراير مقالا خاصا له بعنوان: الصين: قَفَزَ الأرنب

بكين ـ من د . رافع أبو رحمة

مع دقات الساعة الأولى لصباح الثالث من شباط 2011م ودّعت الصين " عام النمر " واستقبلت " عام الأرنب " في احتفالها التقليدي السنوي بعيد الربيع ورأس السنة الصينية، لكن الأرنب الصيني الجديد بخصائصه المعدنية ـ حسب تصنيفات الأبراج والنجوم ـ يختلف عن سابقه الأرضيّ في الدورة الفلكية الماضية 1999م، فالأرنب الجديد يتميّز بأنه أكثر ثباتاً من الناحية الجسدية والعقلية، وعنده إيمان ثابت في سلطته ، وفي كثير من الأحيان يُقنع الآخرين بأنه يمتلك الحقّ؛ وجواب وحلول لجميع المشاكل، فهو دبلوماسي ماهر ومفاوض بارع، كما أنه يتمتع بكفاءة عالية لتحمّل المسؤولية على نحو جدير بالإعجاب، فالمعدن المُحدِّد لخصائصه يجعله أكثر انشغالاً برغباته ودون مبالاة بآراء الآخرين .

المنجمون في الصين وباقي دول آسيا هرعوا يبشرون بعام جديد مليء بالثروات والخيرات تأسيساً وتحليلاً على مجموعة الصفات التي يتميّز بها أرنبهم الجديد؛ والتي من المفترض أن تنسحب على عامهم القمري هذا، لكن رجال الدولة والسّاسة لن تكفيهم قراءات النجوم وحركة الكواكب للتعامل مع واقع الأمور وصياغة علاقاتهم الدبلوماسية والدولية، بالرغم من أنهم بطبيعتهم من عامة الناس؛ ولا حرج في أن يتفاءل أحدهم بطالعه الشخصي اليومي قبيل الانطلاق إلى حُمّى العمل العام وانخراطه في مشروع تحديد مصير الدولة .

فالصينيون ودّعوا "عام النمر" بكل خصائصه التي يؤمنون بها من حيث امتلاكه للقوة السحرية، وأنه مولود ليأمر لا ليؤمر،‏ قيادي, ديناميكي, شجاع ومحترم حتى من قبل معارضيه، مقاتل يدافع عن المبادئ التي يؤمن بها . وباتوا على أهبة الاستعداد للتعاطي مع مكتسبات المرحلة الماضية بخصائص جديدة تمليها عليهم قراءات برج الأرنب عند حلوله بمنازل القمر، والتي ستحدد لهم المزاج العام، والشريك المثالي، ورقم الحظ، والقضايا التي يمكن التعامل معها بنجاح .

وواقع السياسة الصينية ـ حاله كحال الشعب ـ يشي بشيء من "الإيمان" بدور الفلك وطالع النجوم للتمييز بين الخير والشر، والممكن والمستحيل، فقد وصلت جمهورية الصين الشعبية "إحدى البلدان النامية" إلى مكانة دولية مرموقة تحسدها عليها حتى الدول العظمى، فطغى اقتصادها على معظم اقتصادات الدول الصناعية، ووقف سداً منيعاً في وجه الأزمة الاقتصادية العالمية، وأزاح منافسه الياباني ليحتل المركز الثاني كأكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وتوسّع نفوذها السياسي لتصل بدبلوماسيتها النشطة والمحايدة شرق العالم بغربه وشماله بجنوبه، وتمكنت من ضمان مركز فاعل كلاعب أساسي في شتى القضايا الدولية، وازداد اعتدادها بذاتها فسارعت للمشاركة بسباق التسلّح بكل نديّة، بل وأصبحت من بين المشاركين الفعليين في الصناعات العسكرية ومزوديها، وانتشرت ثقافتها لتدخل لغتها قصر الرئيس الأمريكي، وعُرفت أساطيرها بين عامة الناس لتجد أحدهم يسألك اليوم: ما هو برجي الصيني ؟

ويبدو أن إعطاء الصين دوراً متزايداً في تشكيل العلاقات الدولية المستقبلية من عدمه، لم يعد يتوقف على الإرادة الأمريكية أو الغربية، خاصة بعد اتخاذ الصين مواقف مغايرة لمواقفهما بخصوص قضية البرنامج النووي الإيراني، وقضية "الاستفزازات الكورية الشمالية "، وملفات حقوق الإنسان، وحقوق الأقليّات، ...إلخ، ولا على طبيعة التحالف الصيني الروسي الذي قد يرى فيه البعض تنوعاً بين التعاون التكتيكي والتنافس الإستراتيجي، ولا حتى على أساس التقارب الصيني الياباني الذي تُعيقه عوامل كثيرة منها أن السياسة اليابانية ما زالت أسيرة الارتباط التبعي بالسياسة الأميركية في منطقة جنوب وشرق آسيا . وبدون شطط أو مغالاة يمكن القول بأن الإرادة الصينية ـ هي وحدها ـ من سيقرر اضطلاع بكين بدور جديد لإحداث تغيير بالنظام العالمي وتشكيل قطب أو أقطاب جديدة، إذا ما أخذنا بالاعتبار دبلوماسيتها المحايدة، وسياستها البراغماتية، وتحالفاتها المتنوعة التي تضمن لها أساسيات النمو الاقتصادي المستمر، علاوة على مقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي.

ورغم أن بعض المتبحرين والمتخصصين في الشؤون الصينية يرون أنه إذا ما أرادت الصين أن تُساهم في إدارة النظام الدولي بشكل أكثر فاعلية، فإنه يجب عليها أولاً أن تعقد توازناً جديداً ما بين مصالحها الاقتصادية وبين مخاوفها الأمنية والمتطلبات التي يجب أن تلبيها في المرحلة القادمة، بما في ذلك علاقات مستقرة تُناسبها كقوّة عظمى، والتزامها التام بسياسة عدم الانتشار النووي، والمساعدة في المحافظة على هيبة النظام الدولي. إلاّ أن الصين (التي يريحها أن تصف نفسها بالنامية) قد يكون لها رأيها في الوصول إلى مبتغاها دون الالتزام بالشروط التقليدية الضرورية للانضمام إلى قائمة الدول العظمى، باستخدام قاعدة "القفزة" مُستغلّة بذلك خصائص "عام الأرنب".

بقي أن نُذكّر بأن الأبراج الصينية هي نتاج حضارة إنسانية عريقة، ولا تزال تلعب دوراً مهماً في حياة ملايين البشر في الشرق الأقصى، وهي بالنسبة لهم توصيف لدورة الحياة والأمزجة والسلوك الإنساني، وبحسب الأسطورة الصينية فإن إله الصينيين القدامى "بوذا" قد دعا جميع حيوانات الغابة للاحتفال بعيد الربيع؛ فلم يُلبِّ دعوته هذه سوى اثنا عشر حيواناً هم بترتيب وصولهم : الفأر، الثور، النمر، الأرنب، التنين، الأفعى، الحصان، الخروف، القرد، الديك، الكلب، الخنزير، فقسّم "بوذا" الدورة الفلكية القمرية إلى اثني عشر برجاً وأطلق على كل واحد منها اسم أحد هذه الحيوانات بحسب خصائصهم وصفاتهم كنوع من التكريم والمكافأة على تلبية الدعوة . بينما يُنكر المشتغلون في علم الفلك والنجوم هذه الأسطورة لأنها من نسج الخيال إذ تقول الحقيقة لديهم بأن الحكماء والفلاسفة وعلماء الفلك الصينيين حددوا العلاقة وأوجه التشابه بين الحيوان والإنسان منذ آلاف السنيين، وربطوا بينها بسمات ومزايا وخصائص مشتركة في كل ما يتعلق بمراحل الحياة خلال دراستهم الفلكية حول الأبراج، واتفقوا على تسمية السنوات المُحدِّدة للدورة الفلكية بأسماء اثني عشر حيواناً تتوافق صفاتها وخصائصها مع الإنسان المولود في سنة منها بتوافق مع منازل القمر، إيماناً منهم بأنها الآلية المثلى لفهم الآخر.

وأياً كان الصواب؛ فما يهمنا في هذا المقام هو كيف لنا أن نتعلم من الدروس الصينية لنصنع قفزاتنا بأيدينا، وكيف لنا إسقاط موروثنا الفكري والتاريخي والديني على واقعنا الحالي لنستفيد من عبء الذاكرة بشيء أكثر من قصائد حفظناها صغاراً ((قفز الأرنب؛ هرب الأرنب؛ كنتُ قريباً منه ألعب)).

(ملاحظة: إله الصينيين القدامى ليس "بوذا"، بل "إمبراطور اليشم- إمبراطور يويهاونغ دادي.)

 

شبكة الصين /10 فبراير 2011/





تعليق
مجموع التعليقات : 0
مجهول الاسم :