"صعود الصين" عبارة تعود للانتشار في العالم بفضل الإصلاح والانفتاح
نشرت صحيفة "جينغ باو" بهونغ كونغ في فبراير الماضي مقالا يقول إن التعليقات والتحليلات الدولية ترى أن انتشار تعليقات حول "صعود الصين" في العالم يعكس بدرجات متفاوتة اعتراف المجتمع الدولي بالتغيرات الهائلة التي ظهرت في الثلاثين سنة الماضية من مسيرة الإصلاح والانفتاح الصيني، ويعتبر وصفاً ملائماً نسبيا لزيادة قوة الصين، ويعكس في نفس الوقت بعض قلقه من صعود الصين.
ويشير المقال إلي إن "صعود الصين" لا يوجد معنى خاص واضح له حتى اليوم. وفي وثائق الحزب والحكومة الصينية لم نجد هذه العبارة، ولم يستخدم هذا المفهوم في تقرير المؤتمر الوطني للحزب ولا في تقرير عمل قدمه رئيس مجلس الدولة ون جيا باو. في 10/12/2003، وأثناء زيارة ون جيا باو للولايات المتحدة الأمريكية، استخدم لأول مرة عبارة "صعود الصين" لوصف التنمية الصينية في المستقبل مقابل ضجة "تهديد الصين" التي روج لها الغرب في كلمة ألقاها في جامعة هارفرد، حيث قال: "الصين اليوم دولة كبيرة تطبق الإصلاح والانفتاح وتصعد سلميا..بينما نوسع الانفتاح على الخارج، نعتمد على الابتكار المنتظم باستفاضة ووعي متزايد، ونعتمد على تطوير السوق المحلي الذي يتوسع أكثر فأكثر، وعلى تحويل ودائع السكان الضخمة إلى الاستثمار، وعلى رفع نوعية المواطنين والتقدم العلمي والتكنولوجي لحل مشكلة الموارد والبيئة، الأمر الذي يعتبر جوهر صعود الصين وطريق تنميتها."
ورغم أن وسائل الإعلام الرئيسية بالعالم تتحدث عن صعود الصين منذ فترة بعيدة، فإن المقالات حول صعود الصين التي نشرت في نهاية العام الماضي وبداية هذا العام ازدادت تدريجيا. ما هو السبب؟ السبب المعروف أن عام 2008 يصادف العام الثلاثين للإصلاح والانفتاح الصيني، فيرغب المجتمع الدولي في التعليق علي التغيرات التي شهدتها الصين في السنوات الثلاثين الماضية من زوايا مختلفة. وقال مصدر مطلع ببكين إن عام 2008 عام مهم للصينيين، وستعقد اللجنة المركزية للحزب مؤتمراً لإحياء الذكرى السنوية الثلاثين للإصلاح والانفتاح الصيني، ولتلخيص التجارب التاريخية بصورة شاملة في هذه الفترة، وتقديم خطط استراتيجية ملموسة لدفع حيوية نظام وآلية التنمية العلمية لتحقيق هدف بناء مجتمع الرفاهية الشاملة عام 2020.
وخلال السنوات الثلاثين الماضية حقق الاقتصاد الصيني نمواً متسارعاً ومتواصلاً، وازدادت ثروة الدولة، وواصلت قوتها الشاملة ارتفاعها بلا انقطاع، حتى قال بعض كبار الأمريكيين إن الصين تتجه من الضعف إلى الازدهار الأولي، ومن الانغلاق إلى الانفتاح الشامل، ومن السعي وراء تحقيق الغذاء والكساء الى مجتمع رفاهية . ويعزي ذلك إلى الصعود الاقتصادي السريع لهذه الدولة التي تعداد سكانها 3ر1 مليار نسمة، بل فاق هذا الصعود تصور العديد من الناس، وأصبح بؤرة اهتمام الرأي العالمي.
وأوضح المقال أن التحليلات الدولية ترى أن التعليقات حول صعود الصين أصبحت منتشرة وبصورة كثيفة في العالم وهذا مؤشر مشجع، ويعكس بدرجات متفاوتة اعتراف المجتمع الدولي بالتغيرات الهائلة التي ظهرت في الثلاثين سنة الماضية من الإصلاح والانفتاح الصيني، والوصف الملائم نسبيا لزيادة قوة الصين، ويعكس في الوقت نفسه بعض قلقه من صعود الصين. وأهم محاور هذه التعليقات هي:
أولا، أثر صعود الصين في كل مكان:
اليوم بلغ معدل العمر بالصين 73 سنة؛ وعُمم أساسياً التعليم الإلزامي لمدة 9 سنوات وازداد عدد الجامعيين من 300 ألف قبل 30 سنة إلى أكثر من 7 ملايين، ويستخدم 540 مليون صيني حالياً الهاتف المحمول، وبلغ عدد مستخدمي المجال الواسع للإنترنت 125 مليوناً، ويأتي في المركز الأول عالمياً. وقبل 30 سنة، لم تكن في بكين عمارة شاهقة تقريبا، حتى لم تكن هناك عمارة عالية حديثة في شارع تشانغآن ودونغسي ووانغفوجينغ وغيرها من الشوارع الرئيسية ببكين. لكن الناطحات في هذه الشوارع تزداد بسرعة مجنونة، وبلغ عدد العمارات ذات الـ20 طابقاً وأكثر 4000 عمارة على الأقل. وترى الإعلانات عن البضائع الفاخرة في كل مكان، وأجواء الحداثة فيها لا تقل عن نيويورك وطوكيو.
وصعد القطاع المالي والمصرفي بسرعة، حتى قال الخبير المصرفي الأمريكي المشهور آلان غرينسبان إن "ذلك يصعب تصوره"، فلابد من تغيير أسلوب التفكير لتحليل الصين من جديد. ويعود ذلك إلى اشتراك الصينيين في التنافس الرأسمالي بحماس وقوة غير مسبوقة. وفي عام 2007، تجاوز إجمالي المسجلين في البورصة 130 مليوناً، وتجاوز إجمالي قيمة سوق الأسهم 3.7 تريليون دولار أمريكي، وإذا أضفنا 2.9 تريليون دولار أمريكي لسوق الأسهم في هونغ كونغ، فتحتل الصين المركز العالمي الثاني بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث قيمة سوق الأسهم. وتحتل 6 شركات صينية على الأقل المركز الأول بين مثيلاتها في العالم من حيث إجمالي قيمة أسهمها، حيث بلغ إجمالي قيمة أسهم مجموعة الشركة الصينية للبترول والغاز الطبيعي 383 مليار دولار أمريكي، وتجاوزت منافستها شركة البترول البريطانية بـ283 مليار دولار أمريكي، وبلغ إجمالي قيمة أسهم البنك الصناعي والتجاري الصيني 2ر337 مليار دولار أمريكي، محتلاً المركز الأول في العالم ومتجاوزاً/سيتي بنك /الأمريكي بـ6ر146 مليار دولار أمريكي، بينما انخفضت قيمة أسهم/سيتي بنك/ 47% ليحتل المركز السادس عالمياً، وتجاوز إجمالي قيمة أسهم شركة الطيران الصيني الوطني إجمالي أسهم الطيران الأمريكي والطيران الأسترالي والطيران التايلاندي. وفي مجال بناء منشآت الري، فإن نصف أكبر السدود المائية البالغة 45000 سد، موجودة في الصين. وصدرت الصين بصورة واسعة التكنولوجيا المتقدمة لبناء سدود المحطات الكهرومائية إلى الدول النامية، وحققت فوائد اقتصادية جيدة. حاليا وقعت الصين 47 اتفاقية لبناء منشآت ري مع 27 بلدا، وتجاوز إجمالي قيمتها 46 مليار دولار أمريكي.
ثانيا، أكبر سمة للصين هي "التغير":
يقول تعليق نشرته صحيفة "ليانخه" في سنغافورة إنه في القرن الجديد، ظلت الأخبار حول التنمية الاقتصادية الصينية المتسارعة مدهشة دائما، ويمكن تلخيص ما حدث خلال السنوات الثلاثين الماضية بالصين، في أن أكبر سماته هي "التغير"، وظلت أحوال الـ3ر1 مليار صيني تتغير بلا انقطاع. ويرى التعليق أنه في المنظور العام، قد تغير إجمالي حجم الاقتصاد الصيني، في التقدير الدولي أو في البيانات الصينية الرسمية. وهناك عنصران علينا أن لا ننساهما: سرعة التنمية المستدامة وأن يصبح حجم التنمية كبيرا يوميا، الأمر الذي يعتبر محورا للتغيرات الهائلة في الصين، وشاهدا علي صعود الصين السريع. وفي عدد العام الجديد لمجلة النيوزويك الأمريكية نُشِر مقال حول تغيرات الصين تحت عنوان مكتوب بخط سميك بارز يقول "صعود دولة كبيرة قوية وتبدو ضعيفة"، ويعنى ذلك أن الصين "غنية وفقيرة". ويقول المقال إن الصين شهدت تغيرات تاريخية في معظم المجالات منذ 30 سنة، والنمو الاقتصادي فاق تصور الناس، كما أن حجم الاقتصاد فاق تصور الناس أيضاً ، والشعور بضغط تنافس الصين في السوق الدولي بدوره فاق تصور الناس ، لقد أصبح العامل الصيني قوة لا يجرؤ الناس على الاستخفاف بها، الأمر الذي يعتبراً تجسيداً لقوتها. لكن الفجوة بين الأغنياء والفقراء تتسع في الصين يوميا، والتنمية الحضرية والريفية غير متوازنة، والأرياف في غربيها لا تزال متخلفة جداً، وتحتل الصين مركزا بعد المائة في العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي، ويشتد تلوث البيئة، الأمر الذي يجسد أن طريق صعود الصين لم يكن عظيما كله، وهو دليل على ضعفها.
ثالثا، السياسية الغربية تجاه الصين:
يمكن للغرب أن يختار بين التعامل معها أو كبحها فقط. أعلنت الأمم المتحدة أن إسهام الصين في زيادة الناتج العالمي بلغ 17%، و16% للولايات المتحدة الأمريكية فقط. لقد أصبحت الصين دولة كبيرة جديرة بإعادة التعرف عليها من جديد، لأن العلاقة الوثيقة بين الاقتصاد الصيني ودفعه للتنمية العالمية واقع لا يمكن تجنبه، كما أن تشابك مصالحها مع مصالح الغرب واقع لا يمكن تفاديه أيضا، والواقع الآخر يتجسد في أن الشؤون الدولية لا تنفصل عن مشاركة الصين الإيجابية. ففي السنوات الثلاث الأخيرة، عندما ازدادت الديون الأمريكية كثيراً، اشترت الصين 70% من سندات الدولة الأمريكية، وعندما عبرت مجموعة الدول السبع عن أنها عاجزة عن تقديم 10 مليارات دولار أمريكي من الاستثمارات لأفريقيا، أعلنت الصين أنها ستقدم 5 مليارات دولار أمريكي من المساعدات تعويضا لذلك.
ويؤكد المقال أنه ازاء هذا الوضع، يجب أن تكون السياسة الغربية تجاه الصين هادئة وعملية، وليست متعالية على الصين. والنتيجة الجديدة التي توصل إليها الخبراء في مركز منتدى الصين بواشنطن أن السياسة الغربية الصحيحة هي تجاوز الاختلاف الأيديولوجي، واحتضان الصين، والتأثير في الصين من خلال التعاملات والاتصالات الكثيرة، ولا تزال هناك فجوة كبيرة بين الصين والدول القوية في العالم من حيث تطور العلوم والتكنولوجيا العالية والتحديث العسكري ومعدل دخل الفرد، فعلى الصين أن تبذل جهوداً كبيرة لسد تلك الفجوة خلال 40-50 سنة.
وقال خبير متخصص في اللجنة الوطنية الصينية للتنمية والإصلاح إن الصين حققت تنمية اقتصادية مستدامة في السنوات الأخيرة، وارتفعت قوتها الاقتصادية فعليا، غير أنها لا تزال دولة نامية، وعليها أن تنظر إلى تغير قوتها بموضوعية، وتضع نفسها في مكانها الصحيح.
شبكة الصين /5 مايو 2008/
|