تتابع الشعلة مصدر الهام رغم الظلال
بكين اول مايو (شينخوا) خلال العصر القديم، كان ينظر الى الشعلة الاوليمبية على انها رمز للسلام والاشراق والصداقة وقيل انها انهت حروبا واخمدت ضغائن اينما ذهبت. ولكن فى العصر الحديث، القت الاضطرابات واحداث العنف بظلالها على سحر الشعلة.
تشوه تتابع شعلة اوليمبياد بكين مؤخرا فى اليابان بسبب انفصاليى التبت وقوى اخرى القوا بيضا وطماطم على حاملى الشعلة وتدفقوا لاعاقة سيرهم. وتعرض طالب صينى لاصابات وظهرت صور للطالب على الانترنت وجبهته تنزف دما.
وذكرنا هذا المشهد بالمحطات السابقة للتتابع فى بلدان غربية مثل بريطانيا العظمى والولايات المتحدة وفرنسا بالاخص حيث ردد عدد من المخربين شعارات "استقلال التبت" وتدافعوا على لاعبة المبارزة وحاملة الشعلة الصينية حبيسة الكرسى المتحرك جين جينغ فى محاولة لانتزاع الشعلة منها بالقوة.
وقال تشالوق الباحث التبتى بمعهد الاثنولوجيا والانثربولوجيا التابع للاكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية "إن زمرة الدالاى لاما تريد اغتنام فرصة تتابع الشعلة للفت انتباه العالم من اجل تشويه صورة الصين واستخدام البلدان الغربية كأداة للضغط على الصين بشأن قضية التبت".
وذكر الاستاذ تشو شياو مينغ بالمركز الصينى لابحاث علم التبت "ان الدالاى لاما اعلن مرارا خلال زيارته لاوربا العام الماضى ان 'الالعاب الاوليمبية قد تكون الفرصة الاخيرة للتبتيين' مناشدا الدول الاجنبية ربط قضية التبت بالاوليمبياد فى الوقت الذى يجرون فيه محادثات مع الصين".
اللعب بورقة التبت
ظهرت قضية التبت على السطح يوم 14 مارس عندما هزت احداث عنف قاتلة مدينة لاسا المقدسة عاصمة منطقة التبت ذاتية الحكم جنوب غرب الصين. وامتدت بعد ذلك الى مناطق اخرى مأهولة بالتبتيين فى مقاطعات سيتشوان وقانسو وتشينغهاى المجاورة لتظهر فى صورة اعمال اعتداء وتخريب وسلب ونهب وحرق عمد.
وفى اعقاب الاضطرابات ترددت تقارير عن قيام مثيرى احداث الشغب بشن هجمات على اكثر من عشر سفارات وقنصليات صينية بما فيها تلك القائمة فى الولايات المتحدة والهند وبريطانيا وفرنسا.
وتلت احداث العنف تغطية اعلامية مشوهة ومتحيزة فى البلدان الغربية. فقد ذكرت محطة ((ار تى ال)) الاخبارية الالمانية انها "تأسف لارتكاب خطأ" عند تغطية احداث الشغب فى لاسا باستخدام صورة "فى ظل السياق الخاطئ"، فى حين تعرضت وسائل اعلام اجنبية كبرى اخرى مثل شبكة الـ ((سى ان ان)) والـ ((بى بى سى)) باستمرار للنقد من جانب مستخدمى الانترنت الصينيين الغاضبين.
واستهدفت احدث موجة من الاستياء بين الصينيين تقريرا اعلاميا غير متوازن فى باريس حيث تم عرقلة تتابع الشعلة وحيث جعل العمدة بعد ذلك الدالاى لاما مواطنا شرفيا للعاصمة الفرنسية. وبينما كرست محطات تلفزيونية محلية نفسها للقيام بتغطية مصورة مطولة لمؤيدى الدالاى لاما، كان من الكاد رؤية صينيين على جانبى طريق الشعلة وهم يحملون اعلاما وطنية.
وقال ليو جيانغ يونغ الاستاذ بمعهد الدراسات الدولية بجامعة تشينغهوا "إن الدالاى لاما الذى بلغ بالفعل من العمر 72 عاما يغتنم الالعاب الاوليمبية باعتبارها فرصته الاخيرة". وأضاف قائلا" فى حقيقة الامر، تعتبر ايضا بعض البلدان الغربية قضية التبت وسيلة لمواجهة الصين وهى من يحرك الاحداث من وراء الستار".
وأشار الاستاذ الى ان الاختلافات فى الايديولوجيا والنظم السياسية تمثل عادة فجوة بين الصين والبلدان الغربية، وخاصة عندما تشهد اقتصاديات الاخيرة تباطؤا بينما تتمتع الصين بنمو اقتصادى خارق للعادة.
وذكر ليو "قبل قضية التبت كان هناك نقد موجه لموقف الصين بشأن أزمة دارفور. وحل الضجيج الحالى الان محل الضجيج السابق. ومن يعلم ماذا ستكون الورقة القادمة التى سيلعبون بها، مشيرا الى ان المحاولات الرامية الى تحويل البلاد الى شيطان ستظل قائمة لفترة طويلة حتى عقب الاوليمبياد.
واتفق معه فى وجهة نظره شاو فنغ مدير مركز ابحاث الاستراتيجية الدولية التابع للاكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.
وذكر "ان الكثير يقبلون الطفل الرضيع اكراما لخاطر الممرضة. ويولى الصينيون اهتماما اكبر بالالعاب الاوليمبية، وان قضية التبت مجرد فرصة أو حجة للبلدان الغربية".
وقال شاو إن الوضع الدولى للبلاد الآخذ فى الارتفاع يعد دون شك سببا فى هذا الهجوم. وذكر "ان اقتصاد الصين يمضى على المسار السريع وتجاوز اجمالى الناتج المحلى فى عام 2007 اجمالى الناتج المحلى لفرنسا ويقترب من اجمالى الناتج المحلى لالمانيا، الامر الذى ولد قلقا فى نفوسهم".
وأضاف "ان الصين تستفيد من ناحية اخرى من التجارة الاجنبية ولكن بعض الاجانب يشكون من ان المنتجات الصينية ذات الاسعار الرخيصة تلقى اقبالا اكثر من منتجاتهم، مما ادى الى تسريح عمالهم".
ومن ناحية اخرى وسط المناخ السياسى الآخذ فى التغير، مال مسؤولون جدد فى البلدان الغربية الكبرى الى ان يكونوا اكثر محافظة، الامر الذى اذكى ايضا عداء تلك البلدان تجاه الصين.
الاتحاد من اجل الاوليمبياد والسلامة الوطنية
وبالرغم من ذلك شهدت هذه اللحظة العصيبة تضامن رجل الشارع الصينى تأييدا للالعاب الاوليمبية ووحدة البلاد.
فى موقع ((sina.com)) على الانترنت وقع اكثر من ثمانية ملايين مستخدم للانترنت، جاء الكثير منهم من بلدان غربية، اسماءهم لتأييد تتابع الشعلة. وحذا موقع ((sohu.com)) حذوه.
ومن ناحية اخرى قامت منتديات لمواقع على الانترنت بحملة لجمع التبرعات لشراء اعلام وطنية وللحصول على "مواكب حراسة" لضمان تتابع سلس للشعلة الاوليمبية.
وحصل موقع ((sina)) حاليا على 26500 علم تتكلف 347500 يوان (حوالى 49500 دولار امريكى) وحصل موقع ((sohu)) على 29403 اعلام. وتم ارسال آلاف الاعلام الوطنية الى بلدان بما فيها المانيا وبريطانيا وفرنسا واستراليا وماليزيا وتايلاند واليابان وجمهورية كوريا، وظهر الكثير منها على طريق جولة تتابع الشعلة.
وذكر احدى مستخدمى الانترنت ولقبه "نامايرز" "يوميا وفى كل مكان مرت به الشعلة كان مستخدمو الانترنت الغيورون يحرسونها".
لقد كانوا هناك.
واظهرت صورة نشرت فى مواقع على الانترنت طالبا صينيا فى لندن يرتدى سترة مبطنة بالقطن ويحمل علما صينيا. وقد فز فى نافورة ليمنع شخصين اخرين يحملان علم "حكومة التبت فى المنفى".
ورسم اخر صورة لجد ذى لحية فضية فى سان فرانسيسكو وهو يقوم بتحية الشعلة الاوليمبية بيده اليمنى. وتحمل يده اليسرى لافتة مكتوب عليها "التحيات الى وطنى الام".
انها مجرد قصص قليلة بين صور هائلة حملت عنوان "ابطال مجهولين وراء تتابع الشعلة".
وقال احد مستخدمى الانترنت ويدعى "الصلاة من اجل السلام" "دعوا من يريدون تخريب تتابع الشعلة يرون مدى اتحادنا نحن الصينيين".
وكتب شخص يدعى "فرى بلوب" يقول "إن الاشخاص الذين نادوا "باستقلال التبت" ينبغى تقديمهم للمحاكمة امام العدالة وامام ضمائرهم".
مكافأة العواطف
إن هؤلاء اصبحت اصواتهم مسموعة
فقد نشرت صحيفة ((نوفل دو يوروب)) الصادرة بالصينية ومقرها باريس افتتاحية يوم 18 ابريل تدعو وسائل الاعلام الفرنسية والمسؤولين الفرنسيين الى الهدوء والتوقف عن اثارة العداء بين الشعبين الصينى والفرنسى ومنح الصينيين الاحترام الواجب.
وذكرت مقارنة نشرت فى صحيفة ((ليانخه تساوباو)) ومقرها سنغافورة يوم 16 أبريل ان الاعلام الغربى، الذى رقص على لحن المعرقلين والمتظاهرين لتشويه الحقيقة، اثاروا نارا احرقتهم هم انفسهم.
وحث جاك روج رئيس اللجنة الاوليمبية الدولية، فى معرض تعليقه على الاضطرابات التى عرقلت التتابع العالمى، الغرب على التوقف عن الغطرسة على الصين بشأن حقوق الانسان.
وذكر "لن تحصلوا على اى شئ فى الصين بصوت عال". وأضاف "انه الخطأ الكبير الذى ارتكبه افراد فى الغرب ارادو فرض وجهات نظرهم".
وارسل الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى رئيس مجلس الشيوخ كرستيان بونسيليه الى الصين وهو يحمل رسالته الى حاملة الشعلة جين جينغ.
وأعرب فى الرسالة عن "تنديده" بالهجوم الذى "آذى مشاعر الشعب الصينى" وتعهد قائلا إن الحادث لا "يعكس مشاعر ابناء بلدى تجاه الشعب الصينى".
وعلق الاستاذ ليو قائلا "إن الرسالة اظهرت ان الساسة الغربيين بدأوا فى التفكير مليا فى سياساتهم تجاه الصين".
وأكد "علينا الاصرار على موقفنا ولكن علينا تجنب تحويل الضغينة الى رجل الشارع الاجنبى". وأضاف "ان الالعاب الاوليمبية تعد فى المقام الاول مهرجانا لجميع البشر".
ولاحظ قوة رجل الشارع من خلال ردود فعلهم المتطوعة. وقال "إنهم قوة داعمة لحكومتنا عند التحدث الى البلدان الاجنبية بشأن قضايا كبرى. ولا ينبغى ان تخمد مشاعرهم ووطنيتهم".
وفى الوقت نفسه أضاف "ان التنمية هدفنا وان استضافة هذه الالعاب الاوليمبية بنجاح هو افضل رد على المخربين".
شبكة الصين /2 مايو 2008/
|