share
arabic.china.org.cn | 16. 09. 2025

الشرق الأوسط على أعتاب منعطف خطير

arabic.china.org.cn / 16:08:48 2025-09-16

بقلم لي تسي شين*

16 سبتمبر 2025 / شبكة الصين / استهدفت إسرائيل بضربة جوية وفد حركة حماس المفاوض في العاصمة القطرية الدوحة في 9 سبتمبر الجاري، ما لم يتسبب في تعليق مسار التفاوض الهش حول وقف إطلاق النار في غزة فحسب، بل أحدث كذلك ارتدادات في توازن قوى الشرق الأوسط والنظام الدولي بأكمله.

رفض التنازل.. إسرائيل تصر على تنفيذ خطة احتلال غزة

يُعد هذا الهجوم، في طبيعته، مغامرة عسكرية من قبل اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل، في ظل تصاعد التناقضات السياسية الداخلية وتزايد الضغوط الخارجية. وفي مواجهة الأزمة الإنسانية المتصاعدة في غزة، والمقترح الأمريكي بشأن وقف إطلاق النار، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توجيه رسالة واضحة مفادها أن الأولوية في حسم قضية حركة حماس ستكون عبر القوة العسكرية، وليس من خلال المفاوضات.

وكشف هذا الهجوم عن نوايا إسرائيلية أوسع تتمثل في السيطرة الكاملة على قطاع غزة عسكريا، وتوسيع النفوذ في الضفة الغربية عبر تسريع الاستيطان وتنفيذ خطط محتملة لضم المزيد من الأراضي. وتهدف هذه الخطوات الإسرائيلية إلى تقويض أسس "حل الدولتين" بشكل ممنهج.

ورغم ضغوط الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن الدعم الشامل من الولايات المتحدة يمنح إسرائيل هامشا واسعا لتحمل أي نتائج عملية. وبعد تنفيذ الهجوم، صرّح السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يحيئيل ليتر قائلا: "إذا أخطأت إسرائيل أي هدف خلال غارتها في الدوحة، فستُصيبه في المرة القادمة"، ما يعكس إصرار تل أبيب على ملاحقة قادة حركة حماس مهما كانت القيود الجغرافية، في خطوة ليست فقط لردع أعداء إسرائيل، بل كذلك لتوجيه تحذير إلى دول المنطقة مفاده أن الردع العسكري الإسرائيلي غير مقيد بحدود.

ومن اللافت أن الهجوم جرى بالقرب من المنطقة الدبلوماسية في الدوحة، ما يثير احتمالية وقوع اضرار على المباني أو الأفراد المقيمين قرب المنطقة، وبالتالي إحداث أزمة دبلوماسية خطيرة. ورغم إدراك إسرائيل لهذه المخاطر المحتملة، أصرت على تنفيذ الهجوم، في خطوة عكست لا مبالاتها بالضغوط الأممية.

وبعد الهجوم، أعلنت إسرائيل مسؤوليتها فورا، على خلاف سياستها السابقة القائمة على الإنكار أو الصمت إزاء عمليات خارجية مشابهة.

تصاعد الصراع.. تفاقم القلق الأمني في المنطقة

ترك هذا الهجوم أثرا سلبيا وبعيد المدى على القضية الفلسطينية. فمن جهة، رفع إحتمالية شن إسرائيل عملية برية واسعة النطاق في غزة. وقد أصدرت إسرائيل أوامر إخلاء للسكان ودمرت عددا من الأبراج السكنية، في مؤشر على نيتها فرض سيطرة كاملة على القطاع، ما يفاقم من حدة الأزمة الإنسانية.

وفي الوقت نفسه، ورغم تأكيد حركة حماس بعد الهجوم أن فرص التفاوض لا تزال قائمة، فإنها تمسكت بمطلبها الثابت المتمثل في انسحاب إسرائيل الكامل من القطاع، في حين تبدو إسرائيل كأنها غير مستعدة لتقديم أي تنازل إضافي على أرض الواقع. لذلك، تتضاءل فرص التوصل إلى تفاهمات حول غزة بشكل كبير في المستقبل.

أما التداعيات الأوسع الناجمة عن هذا الهجوم، فتتمثل في تصعيد الاضطرابات في المنطقة. حيث تشعر الدول العربية بشكل عام بالقلق، إذ إن الهجوم كسر حالة "السلام البارد" الهش التي استمرت لسنوات طويلة بينها وبين إسرائيل، وعمق فجوة انعدام الثقة بين الأطراف، ما قد يُشعل سباق تسلح في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، ورغم أن مخاطر اشتعال حرب طاحنة في الشرق الأوسط قد تكون محدودة على المدى القريب، إلا أن رقعة الصراع قد تتسع من غزة إلى مناطق أخرى بفعل عوامل عدم اليقين القائمة.

تراجع الثقة بين واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط

أحدث هذا الهجوم صدمة عنيفة في علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها العرب، وتسبب في تسريع تراجع نفوذها في الشرق الأوسط. فقد أثيرت تساؤلات عديدة حول الدور الأمريكي، وسط تصاعد الشكوك بشأن احتمال مشاركتها المباشرة في العملية. ورغم إعلان الرئيس الأمريكي عن استيائه الشديد من الهجوم ونفيه علمه المسبق به أو موافقته الضمنية عليه، ووصف البيت الأبيض العملية بأنها "تحرك إسرائيلي أحادي الجانب"، إلا أن هذه التوضيحات لم تزل الشكوك حول الدور الأمريكي.

علاوة على ذلك، فقد تجاوز هذا الهجوم الخطوط الحمراء بالنسبة لقطر. ورغم اقتراح ترامب توقيع اتفاقية جديدة للتعاون الدفاعي مع الدوحة كخطوة تعويضية، إلا أنه من المستبعد محو عجز الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها. فالدول العربية باتت أكثر تشككا في جدية التعهدات الأمريكية بشأن التزاماتها الأمنية، ما قد يدفعها إلى الإسراع في مساعي تحقيق استقلالها الإستراتيجي. وقد يؤدي تآكل مصداقية الولايات المتحدة إلى جعل علاقاتها مع حلفائها في الشرق الأوسط شكلية في جوهرها. ويرى محللون أن تداعيات هذا الهجوم قد لا تقتصر على تعليق جهود الوساطة القطرية، بل تكشف أيضا محدودية الدبلوماسية الأمريكية، وبالتالي يضعف نفوذها في المنطقة.

انتهاك القانون الدولي.. أزمة عميقة تواجه الحوكمة العالمية

يمثل الهجوم الإسرائيلي انتهاكا صارخا للقانون الدولي واعتداء واضحا على سيادة قطر وسلامة أراضيها. وقد شكلت قطر لجنة قانونية استعدادا للرد. وبالتوازي مع ذلك، يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على ادعاء أن بلاده لن تستبعد إمكانية شن عملية جديدة في حال عدم طرد قطر قيادة حركة حماس من أراضيها ومحاسبتها قانونيا.

ويشكل هذا الهجوم الإسرائيلي دلالة واضحة على أن الشرق الأوسط يقف على أعتاب منعطف خطير، حيث أنه لم يقتصر على تعليق جهود الأطراف المعنية الرامية لإحلال السلام في غزة، بل يكشف حقيقة خطيرة متمثلة في أن سياسة القوة وقانون الغاب ما زالا سائدين في العالم.

وفي هذا السياق، على المجتمع الدولي تنسيق عمله الجماعي وتكثيف الضغوط الدبلوماسية، والالتزام بدفع عملية تسوية القضية الفلسطينية قدما على أساس "حل الدولتين"، من أجل تفادي اندلاع أزمة جيوسياسية وإنسانية أكبر.


*باحثة مساعدة في معهد الصين للدراسات الدولية

الآراء الواردة في المقالة لا تعكس بالضرورة موقف موقع شبكة الصين الإخباري


   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号