arabic.china.org.cn | 11. 12. 2024 |
بقلم: الأستاذة قاو وان ينغ*
10 ديسمبر 2024 /شبكة الصين/ خلال 12 يوما فقط، سقط نظام الأسد المتمادي في خوض الحرب الأهلية لأكثر من 14 عاما، بدءا من شن فصائل المعارضة المسلحة السورية عمليتها العسكرية في شمال غربي البلاد في 27 نوفمبر الماضي، حتى دخولها العاصمة دمشق في 8 ديسمبر الجاري. وقد يتسبب تغيير الواقع السياسي بسوريا في إعادة تشكيل المعادلة الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
تغيير الواقع السياسي في سوريا بين عشية وضحاها
بعد توصل الأطراف المعنية إلى اتفاق وقف إطلاق النار في مارس عام 2020، شهد الوضع المتوتر في سوريا تهدئة لمدة قصيرة. وشنت هيئة تحرير الشام في 27 نوفمبر الماضي حربا خاطفة بإطلاق الرصاصة الأولى بعد الاتفاق. وفي غضون يومين فقط، سقطت مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في البلاد، والتي كان يسيطر عليها نظام الأسد على مدى 8 أعوام، ثم ارتفعت معنويات عناصر فصائل المعارضة المسلحة. وبعد ذلك، شكلت هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا تحالفا واتجهت قواتهما نحو الجنوب، ثم احتلت مدينة حماة بوسط البلاد في 5 ديسمبر الجاري. واختتمتها بمدينة حمص التي تتحلى بأهمية استراتيجية في 8 ديسمبر الجاري، وبدأت تدخل العاصمة السورية دمشق.
وأعلنت فصائل المعارضة المسلحة في ليلة 8 ديسمبر الجاري عن سقوط نظام الأسد، حينما أعرب رئيس الوزراء المعين من قبل حكومة الأسد، محمد غازي الجلالي عن استعداده لتسليم السلطة سلميا. وفي اليوم نفسه، قالت وزارة الخارجية الروسية إن بشار الأسد قد تحني عن منصبه وغادر البلاد، وقد أمر بتسليم السلطة سلميا. وفي اليوم التالي، أفادت مصادر مطلعة بأن الأسد قد وصل إلى موسكو بطائرة، ومنحته روسيا "اللجوء" لأسباب إنسانية.
لماذا يمكن للمعارضة الاستيلاء على السلطة؟
يبدو أن نظام الأسد قد انهار بسرعة تفوق كل توقعات. وبمنظور شامل، يمكن القول إن الهجمات المفاجئة للمعارضة وضعف قدرة الحكومة على التعامل معها وانحسار دعم حلفائها وغيرها من العوامل العديدة تسببت في ظهور الوضع الراهن.
ومن حيث فصائل المعارضة المسلحة، قال قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني "أحمد الشرع" إن عناصر المعارضة استعدوا وتدربوا لإشعال هذه الهجمات المفاجئة على مدى العام الماضي. وفي عمليات الهجوم، لم تستعن المعارضة المسلحة بالمسيرات وغيرها من الأسلحة الحديثة فحسب، بل استولت بشكل استباقي على مطارات وقواعد جوية وغيرها من المنشآت، لمنع شن القوات الموالية للحكومة السورية قصفا جويا. وإن الهجمات المفاجئة المخططة بشكل دقيق والتكتيكات العسكرية الفعالة والأسلحة الحديثة فاجأت حكومة الأسد ووجهت لها ضربة قاسية.
وبالنسبة لحكومة الأسد، ظل اقتصاد البلاد يعاني من صعوبات كبيرة بعد اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011، حيث تراجع ناتجها المحلي من 67.5 مليار دولار في عام 2011 إلى 8.98 مليار دولار في عام 2021، بتقليص نحو 90%. وفي الوقت نفسه، واصلت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية فرض عقوبات واسعة النطاق عليها، وخاصة "قانون قصير" الذي طبقته الولايات المتحدة لتوسيع نطاق العقوبات المفروضة على سوريا وقد تسبب في شح المواد الأساسية وتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد. وخلال فترة الزلزال الكبير الذي هز شرق تركيا وشمال سوريا في فبراير عام 2023، أصبح من المستبعد تشغيل بعض المعدات الثقيلة التي تطلبتها أعمال الإغاثة في سوريا بسبب شح الوقود. وعلى هذه الخلفية، كانت حكومة الأسد تعاني من ضائقة اقتصادية، وكانت قواتها ضعيفة من حيث القدرة العسكرية والرغبة في القتال، إذ إن ميزانية البلاد العسكرية محدودة للغاية.
وبالنظر إلى البيئة الخارجية، فإن روسيا الواقعة في مستقنع الصراعات مع أوكرانيا قللت من نشر قواتها في سوريا، ولم تقدر على توفير الدعم الكافي لحكومة الأسد رغم رغبتها في ذلك. ومنذ اشتعال الصراعات في غزة، كررت إسرائيل الهجوم على القوى الموالية للحزب الله اللبناني وإيران داخل حدود سوريا، مما أدى إلى تقليل قدرات حزب الله وإيران على نشر قوات لها في سوريا.
وبالنظر إلى السوابق، فإنه قبل تدخل روسيا وإيران في عام 2015، كانت حكومة الأسد قد خسرت نحو 80% من أراضيها. ومع انحسار الدعم الروسي والإيراني بشكل كبير في الوقت الراهن، فمن الصعب على حكومة الأسد التصدي لهجمات المعارضة.
إلى أين يتجه الشرق الأوسط؟
تقع سوريا بين بحار الأبيض المتوسط والأحمر والأسود وقزوين والخليج العربي، وتتمتع بموقع جغرافي خاص. ومع تغيير خريطتها السياسية، فمن المرجح إعادة تشكيل المعادلة الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
ولا شك أن المعادلة السياسية في البلاد سوف تتغير. ولا يعني سقوط نظام الأسد نهاية الحرب الأهلية السورية، بل قد يشير إلى بداية جولة جديدة من الفوضي والاضطرابات. وبمنظور الوضع الراهن، تسيطر هيئة تحرير الشام، بوصفها رائدة في فصائل المعارضة المسلحة، على المناطق الساحلية غربي البلاد. ويستولى الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا على عدة مدن بشمالي البلاد، خاصة الحدود الشمالية للبلاد، وتمتلك قوة لا يُستهان بها. وأما قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، فتسيطر على الحقول النفطية في شرقي البلاد، وتمتلك الوفرة المالية. وعلاوة على ذلك، هل سوف يعيد نظام الأسد تنظيم قواته والبحث عن فرصة انتعاش، مازال الجواب على هذا السؤال مجهولا.
وفي الوقت نفسه، تعمل الدول الإقليمية على إبراز دورها النشط في المشهد الجديد. ولا شك أن تركيا هي أكبر فائز من عمليات فصائل المعارضة المسلحة السورية. ومن أجل توطيد مكاسبها، فمن المرجحمواصلتها دعم وكلائها في الصراعات على السلطة بسوريا واتخاذ الأخيرة بوصفها قاعدة لها لضرب الأكراد في المنطقة. وفي الوقت نفسه، لن تتخلى إسرائيل عن فرصة توسيع مساحتها وضرب إيران. وعززت تأهبها العسكري بالمنطقة في 8 ديسمبر الجاري، مخططة لتوسيع الأراضي التي تحتلها. ومع سقوط نظام الأسد، قد تواصل إسرائيل التوغل للسيطرة على مرتفعات الجولان، سعيا لضمها بشكل شرعي من خلال الوسائل العسكرية أو التلاعب السياسي.
وتترقب الدول الكبرى خارج المنطقة وتتابع تطورات الوضع في المنطقة. وبالمقارنة مع الدول الإقليمية النشطة، كانت الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية حذرة نسبيا. ومن ضمنها، تشهد الولايات المتحدة والدول الأوروبية تنامي النزعة المحافظة والانعزالية، ولا تُقع نفسَها في مستقنع سوريا بشكل استباقي. وعلاوة على ذلك، كانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية تنظر إلى هيئة تحرير الشام على أنها منظمة إرهابية، وكيفية تعديل موقفها بعد سقوط نظام الأسد هي مسألة يجب علينا الانتظار لمتابعة تطوراتها. وبالنسبة إلى روسيا، تمثل أولوياتها القصوى الاحتفاظ بالموانئ والقواعد الجوية لها في سوريا، ويتطلب ذلك إعادة ضبط علاقاتها مع المعارضة.
________________
* الأستاذة قاو وان ينغ تعمل باحثة مساعدة في مركز دراسات الشرق الأوسط بمعهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة
* الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة موقف موقع شبكة الصين الإخباري
انقلها الى... : |
China
Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000 京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号 |