الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط أ أ أ |
تحليل اخباري: الاتفاق النووي الإيراني والخليج بين التوجس والإمكانات
الدوحة 21 يوليو 2015 (شينخوا) أبرمت القوى الست الكبرى وإيران اتفاقا تاريخيا حول برنامج طهران النووي بعد مفاوضات ماراثونية شاقة، ووافق مجلس الأمن الدولي الاثنين بالإجماع على الاتفاق في خطوة تمهد لبدء رفع العقوبات الدولية عن طهران، لكن مع إمكانية إعادة فرضها إذا تم انتهاك الاتفاق خلال العقد المقبل.
وبات الاتفاق أمرا واقعا يؤيده مجلس الأمن الدولي ومن قبله الاتحاد الأوروبي الذي صوت وزراء خارجيته في بروكسل على الاتفاق النووي، مؤكدين أنه لا يوجد حل أفضل آخر متاح مما توصلوا إليه.
لكن هذه الحفاوة الدولية التي قوبل بها الاتفاق لم تنعكس في منطقة الخليج، حيث تباينت المواقف بشأنه بين الترحيب والتفاؤل الحذر والتوجس الذي يرى محللون محليون ان له ما يبرره نظرا للشكوك العميقة بين إيران وجيرانها، فيما يرى آخرون ان الاتفاق قد يتمخض عن امكانات سياسية واقتصادية هائلة تصب في صالح المنطقة ككل.
وبشأن التداعيات المباشرة للاتفاق النووي على المنطقة، يتوقع المحلل السياسي محمد سلام، تزايد التوتر في ظل التخوف من نوايا إيران والتخوف من التقارب الامريكي الغربي الإيراني بعد الاتفاق.
وقال سلام لوكالة انباء ((شينخوا)) "مبدئيا من حق إيران ان يكون لها برنامجها النووي السلمي، لكن ذلك لا يعني ان قلق دول المنطقة غير مبرر، فإيران بتصرفاتها جعلتنا ننظر بارتياب لنواياها وسياساتها الإقليمية التي أججت التوتر في اكثر من منطقة وقد خاض حلفاؤها عقودا من الحروب الطائفية بالوكالة في سوريا ولبنان والعراق واليمن".
وتابع "من حق دولنا كذلك القلق من التقارب الأميركي الإيراني والتفاهمات الضمنية بينهما مع هذا الاتفاق، التحولات الجيواستراتيجية للإدارة الأمريكية الحالية لم تعد خافية، ودول الخليج ادركت ان امريكا تريد اطلاق يد إيران في المنطقة لانها تمسك بالعديد من الأوراق السياسية وتعتقد دوائر أمريكية ان ذلك يمكن استغلاله لخدمة استراتيجية مكافحة الإرهاب".
ويرى المحلل السياسي والعسكري ناصر حسين، ان الاتفاق يرسخ الاعتقاد بضرورة الدفاع بالاعتماد على النفس وعليه، فإنه يطلق سباق تسلح في المنطقة التي تشهد حاليا زيادة كبيرة في مشتريات السلاح بمختلف أنواعه وقد يتضمن ذلك سلاحا نوويا خاصة في الخليج الواقع تحت طائلة هواجسه من توسع النفوذ الايراني.
وقد استبقت السعودية الاتفاق النووي بين الغرب وايران بتوقيع صفقة قيمتها 12 مليار دولار مع فرنسا شملت مروحيات ومفاعلات نووية، وعقد اتفاقية مع روسيا حول التعاون في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية في يونيو الماضي.
وقال حسين ل(شينخوا) "هناك خشية حقيقية لدى هذه الدول من حدوث توسع في التمويل الإيراني للمليشيات المسلحة الحليفة بعد رفع القيود المفروضة على اقتصادها وعلى سياستها الخارجية وسعيها لزيادة نفوذها في المنطقة".
وأضاف "بخلاف المواقف الرسمية، عبرت الصحافة الخليجية وكتابها عن ان هذا الاتفاق يقوي إيران ويزيد من أطماعها في المنطقة وشككت في قدرة إيران على الالتزام بمضامينه قائلة بأنها تحسن المراوغة وطالبت ليس فقط بمنعها من امتلاك ترسانة نووية بل منعها من ان تعيث في المنطقة فسادا".
ولفت الى ان كل هذا دفع الامريكان الى طمأنة الحلفاء في الخليج سواء عبر الاتصالات التي أجراها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، ووزير خارجيته جون كيري، بالمسؤولين الخليجيين عقب ساعات من التوصل الى الاتفاق، أو عبر إعلان كيري انه سيزور المنطقة مطلع أغسطس المقبل لتبديد المخاوف بشأن الاتفاق.
ويزيد سلام على قول حسين بأن "امريكا والغرب لن يطفئا هذه المخاوف بل سيذكيانها، ولا أدل على ذلك من تصريحات اوباما بأن الاتفاق لا يلغي كافة التهديدات التي تشكلها إيران لجيرانها أو للعالم، لكنه كان أفضل سبيل لضمان عدم حصول إيران على قنبلة نووية".
ويعتقد سلام انهم سيسعون الى بيع السلاح للجميع مع محاولة احتواء الأطراف المتصارعة وادارة الصراع لخدمة مصالحهم في المنطقة، لكنه لا يرى ضرورة لأي تصعيد نووي من جانب السعودية أو غيرها حاليا لان ذلك سيضر بعلاقاتها مع واشنطن ومن الحكمة ألا توسع الفجوة وان تتجه دول الخليج نحو بناء تحالفات جديدة.
وهناك مخاوف أخرى متعلقة بتداعيات الاتفاق على النفط والغاز، فسرها الخبير الاقتصادي عبدالله السادة بقوله "إن رفع العقوبات الاقتصادية على إيران من المتوقع ان يؤدي الى زيادة صادراتها من النفط والغاز ومن ثم انخفاض أسعارها".
لكن السادة قلل في الوقت نفسه من هذه التداعيات على المدى القريب على اعتبار انه "ليس من المتوقع حدوث ذلك قبل انتهاء عام كامل من توقيع الاتفاق، كما يمكن ان تحدث تفاهمات في اطار منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) لمنع حدوث هزات في الأسعار".
على صعيد آخر، يرى من يقول بوجود فرص للمنطقة في ظل هذا الاتفاق انه أزال الشكوك حول البرنامج النووي الإيراني وأخرجه للعلن وأخضعه للرقابة الدولية وبالتالي أعطى مؤشرا إيجابيا لدول المنطقة بأن إيران لن تستطيع امتلاك سلاح نووي يهدد أمنها وسلامتها، وهو ما عبر عنه المحلل السياسي رضا جنيد.
وقال جنيد ل(شينخوا) إن الاتفاق النووي دليل على واقعية السياسة الإيرانية في التعامل مع المجتمع الدولي إذ قبلت بالاندماج فيه لا الصراع معه لتعود الى مكانها الطبيعي ضمنه، وهو ما سيجعلها تتصرف بشكل أكثر مسؤولية كلاعب دولي.
واتفق الكاتب والباحث في الشأن الإيراني نبيل المري مع جنيد، قائلا إنه "نتيجة لهذا الاتفاق ستغير إيران من سياستها الخارجية وستعمل مع جيرانها لدعم الاستقرار في المنطقة خاصة مع سعيها لجذب الاستثمارات الخارجية والتي تتطلب بالضرورة بيئة استثمارية آمنة واستقرارا سياسيا ليس في إيران فحسب بل في المنطقة ككل".
وذكر المري ل(شينخوا) ان إيران تعي تماما ان الولايات المتحدة الامريكية تريد طمأنة حلفائها الخليجيين بعد الاتفاق، خاصة السعودية، تجنبا لأية مخاطر قد تفاقم الحرب بالوكالة في المنطقة وتعكر صفو الاتفاق، وانه من الاهمية بمكان ان تسعى لأن يكون هناك تفاهما أكبر بينها وبين الرياض في الدول التي تشهد شدا وجذبا بينهما.
ويرى سلام ان رسائل الطمأنة يجب أن ترسل من سوريا حيث يمكن ان تتعاون إيران مع المجتمع الدولي في جهد دبلوماسي لحل الأزمة هناك نظرا لعلاقتها بنظام بشار الأسد، ومن العراق حيث تشارك إيران في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ومن اليمن حيث يمكن ان تقنع إيران حلفاءها الحوثيين بالخضوع للقرارات الدولية.
ومن الناحية الاقتصادية، أفاد المحلل والخبير الاقتصادي حسن العلي، بأن رفع العقوبات عن إيران سيكون له أثرا إيجابيا عليها خاصة وعلى جيرانها عموما، ومع انه لن يكون بالسرعة المنظورة لأن العقوبات لن ترفع قبل عام 2016، إلا ان الاتفاق الذي سيحرر نحو 120 مليار دولار من الأرصدة المجمدة سيساعد طهران على النهوض.
وقال العلي ل(شينخوا) إن "سلطنة عمان، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران ستكون على طريق ازدهار أكبر في علاقاتها الاقتصادية مع تدشين خط ملاحي بين ميناءي بندر عباس الإيراني وصحار العماني وزيادة التبادل التجاري بينهما الى زهاء مليار دولار سنويا، كما سيفتح السوق الإيراني ذي القوة الشرائية العالية أبوابه أمام الشركات العمانية".
ويرى السادة ان الإمارات رغم خلافها السياسي مع إيران حول الجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، إلا انها الشريك التجاري الأول لطهران من بين دول مجلس التعاون الخليجي بحصة تبادلات تبلغ 80 بالمائة، وطهران رابع شريك تجاري لها وهناك توقعات بزيادة حجم التجارة بينهما الى 20 بالمائة بعد عام من رفع العقوبات.
أما قطر التي أصاب علاقتها بإيران فتور نسبي على خلفية المواقف المتناقضة من الأزمة السورية، فقد خصها الرئيس الإيراني حسن روحاني بعلاقات أوثق، بحسب السادة، عندما قال في تغريدة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) "لاشك أن الاتفاق سوف يقود إيران إلى علاقات أوثق مع الجيران لاسيما قطر".
وتتشارك إيران وقطر ثالث أكبر احتياطي مؤكد في العالم من الغاز الطبيعي في حقل غاز هو الأكبر في العالم يعود لإيران الجزء الشمالي منه، وتطلق عليه "بارس الجنوبي"، ولقطر الجزء الجنوبي منه وتطلق عليه "حقل الشمال".
وتابع السادة " البلدان محكومان بقواسم مشتركة كثيرة، الاقتصاد الإيراني ناهض، وقطر تبحث عن استثمارات جيدة بإمكانها دخول السوق الإيراني وأسواق آسيا الوسطى، ويمكن تعزيز تعاون الجانبين بوجود مناطق تجارة حرة ".
ولفت العلي الى نمو متوقع في حجم النقل والتبادل التجاري والاستثمار بين إيران والبحرين مع إمكانية ان تستثمر الأخيرة في الروابط الاجتماعية والثقافية العميقة مع طهران وتؤمن حاجتها من الغاز الطبيعي، والكلام نفسه يمكن ان ينسحب على الكويت التي أعربت العام الماضي عن تطلعها الى توقيع اتفاق مع طهران للحصول على الغاز.
السعودية، وفقا للعلي، تأتي في المرتبة الثانية في التعاملات الاقتصادية مع إيران، والتعاون بين البلدين يمكن ان يعزز التكامل الاقتصادي لهما، فالسعودية بحاجة لموارد طبيعية تملكها ايران كالغاز الطبيعي مثلا الذي تتكلف الرياض ثمنا باهظا لشرائه من دول أخرى.
وخلص المحللون الى ان دول الخليج تقف بمواجهة استيعاب الوجود الايراني الموسع في السياسة الاقليمية والاقتصاد العالمي مع توقعات بأن الاتفاق ومردوده الاقتصادي سيفكك الموقف الخليجي تجاه ايران حيث ستتعامل دول مثل سلطنة عمان والامارات وقطر ايجابيا لتطبيع العلاقات وزيادة الروابط الاقتصادية مع طهران.
وعليه يرون أن أي موقف مخالف لأي دولة سيضعها في موقف صعب لأنها لن تتمكن من جمع شقيقاتها حول موقف موحد بشأن إيران وسيجعلها تستمر في انتهاج سياسات أحادية لن تكون بناءة.
انقلها الى... : |
تعليق |
مجموع التعليقات : 0 |