الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط أ أ أ |
المستعرب روجر آلن.. أستاذ الأدب العربي بجامعة بنسلفانيا (خاص)
بقلم شيرين تشيان*
17 نوفمبر 2014 / شبكة الصين / صدرت في عام 1998، الطبعة الثانية من كتاب "الرواية العربية: مقدمة تاريخية ونقدية" للمستعرب روجر آلن أستاذ الأدب العربي بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية عن المجلس الأعلى للثقافة بالعاصمة المصرية القاهرة. ويتناول روجر في كتابه مراحل تطور الرواية العربية وصولا إلى مرحلة النضج، وحتى الآن ما زال الكتاب، بنسختيه الانجليزية و ترجمته العربية، ضمن قائمة مراجع طلاب الأدب العربي.
ويختلف الأستاذ آلن كثيرا عن المستشرقين الغربيين الذين درسوا اللغة العربية، حيث أهتم بتوطيد علاقاته مع الأصدقاء العرب من الخبراء والباحثين، فعلى حسابه الخاص على شبكة الانترنت توجد مجموعة صور له مع أدباء وكتاب ومفكرين عرب، وكلمات تؤكد على علاقته العميقة بالعالم العربي وثقافته، واهتمامه بمشاركة أصدقائه العرب أنشطتهم.
وما زلت أتذكر أول مرة تحدثت فيها إلى الأستاذ روجر آلن، قبل أكثر من عشر سنوات، وكنت حينها طالبة في جامعة بكين حيث تقدمت بطلب لإدارة الجامعة للالتحاق ببرنامج الدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة بنسلفانيا الأمريكية، لما سمعته عن الأستاذ آلن، المترجم والناقد والباحث الشهير في الأدب العربي. ولم أتوقع أن يتصل بي هاتفيا في أحد أيام فبراير 2003 حيث تحدث إلى بلكنة بريطانية قوية وقال "أهلا، أنا روجر آلن، هل يمكنني التحدث مع شيرين تشيان؟". وكانت مقابلتي الهاتفية معه ناجحة، وعدني بأن يجد لي عن منحة دراسية. وفعلا وصلت بعد منتصف العام إلى مدينة فيلادلفيا حيث التقيت بالأستاذ آلن في مكتبه الصغير بالطابق الثامن في قاعة وليامز، الواقعة عند تقاطع شارعي التنوب و36 الجنوبي، وحيَّا الأستاذ روجر آلن زائرته باللغة العربية "أهلا وسهلا، تفضلي!" وكان يرتدي ملابس رسمية ورابطة عنق ألوانها مشرقة.
ويعتبر أستاذ الأدب العربي بجامعة بنسلفانيا من أهم مترجمي روايات الأدب المصري ولعب دورا مهما في ترشيح الأديب نجيب محفوظ لنيل جائزة نوبل في عام 1988، وتحول اهتمامه في السنوات الأخيرة إلى أسلوب كتابة القصة في المغرب العربي، وهو ما يوضح سر اهتمامه بارتداء سترة من وبر الإبل في الأيام الباردة، كان قد اشتراها من المغرب، كما يعتز بكونه خريج جامعة أكسفورد حيث يحرص على الظهور بوشاح كلية سانت أنتوني الذي تميزه الألوان الأزرق والأصفر والأحمر في المناسبات الخاصة.
وولد الأستاذ روجر آلن في عام 1942 بمدينة برستل جنوب غرب إنجلترا، والتحق بقسم الحضارات الكلاسيكية بجامعة أكسفورد، وهو ما جعله مهتما بإظهار جمال الوزن الشعري في ملحمة الأوديسة المنسوبة للشاعر الإغريقي هوميروس قبل البدء بالقصائد العربية في صف "تراث الأدب العربي". وبدأ روجر آلن دراسة اللغة العربية وآدابها في جامعة أكسفورد عام 1961 بعد تغيير موضوع التخصص من الحضارات الكلاسيكية (اليونانية القديمة والرومانية) إلى الدراسات العربية، وبعد وصول الأستاذ محمد مصطفى بدوي إلى الجامعة في عام 1963، وهو أول أستاذ عربي عُين في قسم الدراسات العربية وأول متخصص في الأدب العربي الحديث، وفي عام 1968 حصل على درجة الدكتوراه الأولى في الأدب العربي الحديث من جامعة أكسفورد تحت إشراف الدكتور بدوي وكان موضوع الرسالة "حديث عيسى بن هشام" لمحمد المويلحي. وفي نفس العام، وهو في الـ26 من عمره، انتقل إلى الولايات المتحدة وللعمل كأستاذ للأدب العربي الحديث واللغة العربية في قسم الدراسات الشرقية (تغير اسمه في عام 2005 إلى قسم لغات الشرق الأدنى وحضاراته) بجامعة بنسلفانيا، واستمر في تدريس الأدب العربي حتى بعد تقاعده في يونيو 2011.
وكان روجر آلن قد انتخب في عام 2008 رئيسا لجمعية دراسات الشرق الأوسط بأمريكا الشمالية، وقال في كلمته خلال مؤتمر الجمعية السنوي في مدينة سان دييغو جنوب ولاية كاليفورنيا، إنه من النادر أن ينتخب باحث في الأدب العربي رئيسا لهذه المنظمة المرموقة، مشيرا إلى التقصير في الاهتمام بالأدب العربي من قبل المتخصصين الغربيين في الدراسات العربية والإسلامية، وقال إنه من الواجب توفير مواد مترجمة في البداية لدارسي اللغة العربية لأنها لغة تتطلب ثلاث أو أربع سنوات لإتقان المهارات اللازمة لقراءة النصوص الأدبية المعقدة أسلوبا وشكلا، ولسوء الحظ تتوفر صفوف لدراسة الأدب العربي في عدد قليل من الجامعات والكليات الأمريكية ويلتحق بها نسبة ضعيفة من الطلاب.
وبرغم الزيادة الملحوظة في عدد المؤسسات التعليمية التي تقدم فرصة لدراسة اللغة العربية، إلا أن فرص العمل لخريجيها مازالت محدودة مقارنة مع نظرائهم من دارسي السياسة أو الأديان أو التاريخ في الوطن العربي. ولكن بالتأكيد، لولا مساهمات المستعرب روجر آلن التي تمتد لنصف قرن، لم يكن ليظهر في الولايات المتحدة أجيال من الباحثين في الأدب العربي.
ويمكن إرجاع حب الأستاذ آلن المستمر للأدب العربي إلى اعتقاده الراسخ بأن الأدب يرتبط بعلاقة وثيقة بتكوين المجتمع الذي أُبدعه، وهو ما كان يتطلب منه "المقارنة" عند اختيار عمل أدبي ليقدم للقراء الغربيين مادة تستوعب سحر الثقافة العربية وتخالف توقعاتهم. ومثال على ذلك أطروحته حول "فترة من الزمان - حديث عيسى بن هشام" لمحمد إبراهيم المويلحي وما تمثله من همزة وصل بين الأدب العربي القديم وبين الأشكال الفنية الجديدة، ودرس الأستاذ آلن تاريخ هذا الأديب المصري وعائلته وتحت إشرافه، صدرت الأعمال الكاملة للكاتب محمد المويلحي في عام 2002، والمؤلفات الكاملة لأبيه إبراهيم المويلحي باستثناء كتابه ''ما هنالك'' في عام 2007، والتي تتحدث عن الأوضاع السياسية خلال فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني في نهاية القرن التاسع عشر.
وبالنسبة إلى الأستاذ آلن تمثل رواية "حديث عيسى بن هشام" مرحلة انتقالية بين التراث السردي العربي والأنواع السردية الغربية مثل الرواية، حيث جمع بديع الزمان الهمذاني بين عناصر التراث السردي من فنون القدماء مثل السيرة والخبر وأسلوب السجع في قالب جديد.
وأكد المستعرب روجر آلن في مناسبات مختلفة على أهمية "التراث الأدبي العربي" (عنوان كتاب آلن نشرته مطبعة جامعة كامبريدج في عام 1998)، ودور الباحث في إظهار الخلفيات التاريخية والاجتماعية مع النقد والتحليل. ونلاحظ في كتابه "التراث الأدبي العربي" الذي يهتم أساسا بالتراث الأدبي عند العرب، وضمَّن فصوله كل على حدة مثل "خلفية تاريخية للتقليد الأدبي"، "القرآن"، "الشعر"، "الأدب والنثر"، "المسرحية" و"النقد"، وهو ما يشير إلى احترام الكاتب لثقافة العرب ومعتقداتهم وعدم الخلط بين القرآن والشعر أو النثر، وأيضا محاولته الرائدة في كسر معايير تقسم الأنماط الأدبية حسب مراحلها التاريخية المختلفة.
وفي يناير 2012 عدت إلى فيلادلفيا لتقديم أطروحتي لنيل درجة الدكتوراه وكانت آخر مرة أتحدث فيها إلى أستاذي القدير روجر آلن المشرف على رسالتي، ووقفت أمام مكتبه القديم حيث كتب وترجم فيه على مدى 43 عاما.
_______________
* حاصلة على درجة الدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة بنسلفانيا.
انقلها الى... : |
تعليق |
مجموع التعليقات : 0 |