الصفحة الأولى | حجم الخط    أ أ أ

مصر في قمة شيامن لمجموعة بريكس

arabic.china.org.cn / 11:30:34 2017-09-28


التقى وزير خارجية الصين وانغ يي ووزير خارجية مصر سامح شكري خلال المؤتمر الوزاري الأول لتدشين منتدى حوار الحضارات، في اليونان في 24 إبريل 2017


بقلم أشرف السيد*

28 سبتمبر 2017 /شبكة الصين/ في التاسع والعشرين من مايو 2017، وجه وزير خارجية الصين وانغ يي الدعوة لرئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي لحضور قمة مجموعة دول بريكس، التي تستضيفها مدينة شيامن الصينية في سبتمبر 2017. مشاركة الرئيس السيسي في هذه القمة ستكون رابع زيارة له إلى الصين منذ توليه رئاسة مصر في منتصف عام 2013، فقد زارها في ديسمبر 2014 وفي سبتمبر 2015 وفي سبتمبر 2016، فالصين من أكثر الدول التي زارها الرئيس المصري.

بريكس (BRICS)

بريكس (BRICS)، اسم مختصر مكون من الحروف الأولى بالإنجليزية لأسماء خمس دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين، وجنوب أفريقيا. بدأت مفاوضات تشكيل المجموعة في عام 2006، وعُقِد الاجتماع الأول لوزراء خارجية البرازيل وروسيا والهند والصين في سبتمبر من ذلك العام، قبل أن تنضم جنوب أفريقيا إلى المجموعة في ديسمبر 2010. وعقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة في مدينة بيكاتيرينبرغ الروسية في يونيو سنة 2009. ويقع مقر المجموعة في مدينة شانغهاي الصينية.

الحقيقة أن الاقتصادي البريطاني بارون جيمس أونيل، الرئيس الأسبق لإدارة الأصول بمؤسسة "غولدمان ساكس" ووزير الخزانة البريطاني السابق، هو أول من استخدم كلمة بريكس، عندما قال إن العالم يحتاج في بنائه إلى مزيد من البريكس (أي الطوب) لتحقيق النمو الاقتصادي. السيد أونيل قال في تقرير بعنوان "حلم بريك.. الطريق إلى 2050"، إن مؤشر السيطرة على الاقتصاد العالمي يتجه نحو دول جديدة كالبرازيل وروسيا والهند والصين. وهذه الدول سوف تسحب البساط من تحت أقدام القوى الاقتصادية التقليدية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

ظهرت "بريكس"، مثلها مثل مجموعة العشرين، في إطار التحولات التي يشهدها العالم منذ بداية القرن الحادي والعشرين، والتي تمثلت رئيسيا في بزوغ قوى ناشئة ليست من بين القوى العالمية التقليدية السياسية والاقتصادية والعسكرية، مع عجز النظام الذي أسست له اتفاقية "بريتون وودز" سنة 1944 عن الاستجابة للتحديات الجديدة التي تواجه العالم.

مدينة شيامن التي ستعقد بها قمة "بريكس"


ثمة عدد من الحقائق ينبغي التوقف عندها فيما يخص مجموعة بريكس، فالناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول الخمس ارتفع من 12% عند تأسيسها إلى 23% من الناتج المحلي العالمي حاليا، وتصل نسبة مساهمتها للنمو الاقتصادي العالمي إلى أكثر من 50%، ومساحتها أكثر من رُبع مساحة العالم، وعدد سكانها أكثر من 40% من سكان العالم. الصين، وهي من أعضاء "بريكس" تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم حاليا.

على مستوى المواقف السياسية، تتخذ دول "بريكس" مواقف متقاربة إلى حد كبير في العديد من القضايا الدولية، فهي تتبنى رؤية متوافقة لقضايا الشرق الأوسط، إذ تعارض بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتدعو لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وتدعو إلى ضرورة وقف النزاع السوري من خلال الحل السلمي، وتطالب بعالم متعدد الأقطاب، وتدعو إلى تسوية النزاعات الإقليمية بالسبل السلمية، وتعارض سياسة العقوبات وتدعو إلى إصلاح الأمم المتحدة، إلخ.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تعمل دول بريكس من أجل وضع شروط ائتمانية أكثر تيسيراً على بلدان العالم الثالث والدول النامية، وتدويل العملات المحلية وإجراء تجارة بينية بعيدة عن الدولار الأمريكي فيما بينها، وتوفير قروض آجلة وميسرة لبلدان العالم الثالث والدول النامية، وتقديم تسهيلات ائتمانية أفضل مما يقدم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتسريع التكامل الاقتصادي بين دول المجموعة، وتدعو إلى إصلاح المؤسسات المالية التي نشأت في إطار اتفاقية "بريتون وودز"، وتحديدا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. تحرص دول المجموعة على أن يكون لديها مؤسسات اقتصادية ومالية تساعدها على النمو المستقل، بحيث تحد من تأثيرات السوق العالمية عليها. وتسعى المجموعة إلى إقامة وكالة تصنيف ائتماني مستقلة داخلها لتقييم الاقتصادات بشكل موضوعي ومستقل بعيدا عن تسييس المسائل الاقتصادية.

سياح صينيون مع مجموعة من الشباب المصريين في مصر

مصر و"بريكس"

مصر ليست من أعضاء دول "بريكس"، بيد أن التوجهات العامة للسياسات الاقتصادية والمالية المصرية، ومواقف الدولة المصرية تتشابه إلى حد كبير مع سياسات وتوجهات مجموعة "بريكس"، فمصر التي تشهد حاليا عملية إصلاح اقتصادي شامل، أطلقت حكومتها في فبراير 2016 "رؤية مصر 2030"، وهي استراتيجية تستهدف أن تكون البلاد من ضمن أفضل ثلاثين دولة بحلول عام 2030، وذلك في حجم الاقتصاد، ومكافحة الفساد، والتنمية البشرية، والتنافسية، إلخ. وتتضمن  الاستراتيجية اثني عشر محورا هي: التنمية الاقتصادية، والطاقة، والشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية، والبيئة، والتنمية العمرانية، والثقافة، والصحة، والعدالة الاجتماعية، والتعليم والتدريب، والمعرفة والابتكار والبحث العلمي، والسياسة الداخلية، والسياسة الخارجية والأمن القومي.

في أوائل عام 2017، أصدرت شركة الاستشارات العالمية "برايس ووترهاوس كوبرز"، تقريرا بعنوان "نظرة بعيدة المدى: كيف سيتغير الاقتصاد العالمي بحلول العام 2050"، تضمن تصنيف اثنين وثلاثين بلدا استنادا للناتج المحلي الإجمالي بحسب تعادل القوة الشرائية  (PPP). وتوقع التقرير أن تكون مصر ضمن أكبر عشرين اقتصاد عالمي بحلول عام 2030، وأن يصل إلى المرتبة الخامسة عشرة بحلول عام 2050.

من هنا تأتي أهمية المشاركة المصرية في قمة شيامن لمجموعة "بريكس"، التي تسعى إلى بناء منصة أوسع لتعاون الجنوب- الجنوب، وتشكيل نمط "بريكس+"، أي بريكس إضافة إلى دول أخرى، من بينها مصر بطبيعة الحال، وذلك للتعاون المنفتح وخلق وضع جديد للتنمية المشتركة بين أسواق الدول الناشئة والنامية.

ولا غرو أن التطور الذي تشهده العلاقات المصرية- الصينية في السنوات الأخيرة يعطي المشاركة المصرية في شيامن زخما إضافيا، فالصين من أكثر الدول استثمارا في مصر خلال السنوات الأخيرة، وبلغ التواصل الثقافي بين البلدين ذروته في عام 2016، من خلال "العام الثقافي المصري- الصيني" في الذكرى السنوية الستين لإقامة العلاقات بينهما. كما أن التبادلات الشعبية بين البلدين شهدت تطورا ملحوظا، سواء على مستوى مراكز البحث والفكر والجامعات والمنظمات غير الحكومية والترجمة، أو على مستوى التدفق السياحي. وفقا لتقرير نشرته ((وكالة أنباء الشرق الأوسط)) المصرية في 26 يونيو 2017، فإن ثمانية عشر ألف سائح صيني زاروا مصر في الفترة من يناير إلى مايو 2017، بزيادة بلغت 94% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وجاءت الصين في المرتبة الرابعة لأكبر الدول المصدرة للسياحة إلى مصر.

مصر أيضا هي الدولة ضيفة الشرف لـ"معرض الصين والدول العربية" الذي يقام في منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي في سبتمبر 2017. وتلقى المشاركة المصرية، سواء في قمة "بريكس" أو"معرض الصين والدول العربية" ترحيبا صينيا واسعا على المستويين الرسمي والشعبي. في اللقاء الذي جمع بين وزير خارجية مصر سامح شكري ووزير خارجية الصين وانغ يي خلال المؤتمر الوزاري الأول لتدشين منتدى حوار الحضارت، في اليونان، في إبريل 2017، أكد شكري على اهتمام مصر بالعلاقة الخاصة والتاريخية مع الصين، والتي تشكل أولوية بالنسبة لمصر، خاصة فى ظل سعي السياسة الخارجية المصرية لإقامة علاقات متوازنة مع كافة القوى الدولية. من جانبه، أكد وانغ يي على الإرادة السياسية الكاملة لدى بلاده لدعم مصر والتضامن معها في مواجهة الإرهاب، مشيرا إلى العلاقة الطيبة والخاصة التي تجمع رئيسي البلدين، وهو ما عكسه تطوير العلاقة بين الجانبين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الكاملة خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى مصر فى يناير 2016، موضحا حرص بلاده على التعاون مع مصر من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، بما يعزز الشراكة والمصالح بين البلدين. كما أعرب السيد وانغ عن تطلع الصين لمشاركة الرئيس السيسي في قمة "بريكس. 

5 يونيو 2016، أقيم معرض للتصوير الفوتوغرافي ضمن فعاليات "العام الثقافي الصيني- المصري- 2016"


وعلى المستوى الشعبي، وحسب تقرير نشره موقع ((شبكة الصين)) في السادس والعشرين من مايو 2017، يرى البروفيسور داي شياو تشي، الأستاذ في مركز الدراسات العربية في جامعة الدراسات الدولية ببكين، أن "بريكس" باعتبارها نموذجا للتعاون بين الدول النامية من المتوقع أن تمنح، إلى جانب مبادرة "الحزام والطريق"، مزيداً من الفرص لإجراء تعاون معمق بين الصين ومصر اللتين تعدان دولتين ناميتين هامتين في العالم، مشيرا إلى أن المشاركة الرفيعة المستوى لمصر في قمة "بريكس" بشيامن ستكون دلالة على الدور البارز الذي تضطلع به الصين في الحوكمة الاقتصادية العالمية، وحرص مصر على مشاركة دول "بريكس" وخاصة الصين في هذه الحوكمة وحتى الانضمام للمجموعة مستقبلاً. بينما يرى وانغ لين تسونغ، رئيس مكتب بحوث العلاقات الدولية في قسم شؤون غربي آسيا وشمالي أفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، أن المشاركة المصرية في القمة ستجعل مصر، باعتبارها دولة ذات أهمية بالغة في قارة أفريقيا إضافة إلى جنوب أفريقيا، تفيد وتستفيد من توسيع آليات تعاونها مع الدول الأعضاء في مجموعة "بريكس" ومن بينها الصين. وأوضح الباحث الصيني أن محور "الإسكندرية- كيب تاون" الذي تسعى مصر إلى دفعه خلال هذه الأعوام يعد مثالا دالا على اهتمام مصر بتوسيع تعاونها مع دول "بريكس"، حيث سيعمل على ربط مصر بدول أفريقيا ومنها جنوب أفريقيا التي تعد من الاقتصادات القوية الناشئة، منوها إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه تفاعل مصر الوثيق مع التجمعات الأفريقية الثلاثة؛ "كوميسا" و"ساداك" و"شرقي إفريقيا" في هذا الصدد، وكذا إلى تركيز مصر مع تمتعها بوضع سياسي واجتماعي مستقر على إجراء إصلاح اقتصادي يتطلب بصورة أساسية تعاونا مع الاقتصادات الرئيسية في العالم، ومن بينها دول بريكس التي شهدت تطورا كبيرا في العقد الماضي منذ إطلاقها.

إن تعاون مصر مع الصين في إطار "بريكس+" أو "5+9"، بمعنى تعاون دول مجموعة "بريكس" الخمس مع تسع دول نامية من بينها مصر، يضيف آلية أخرى هامة للتعاون المصري الصيني، إلى جانب آليات التعاون بين البلدين والتي تشمل العلاقات الثنائية ومنتدى التعاون الصيني- العربي، ومنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، ومبادرة الحزام والطريق.

إن العالم يمر بمرحلة تحولات هامة حاليا، تدفعها الدول النامية وفي مقدمتها مصر والصين، من أجل خلق نظام عالمي أكثر عدالة وإنصافا، يكون فيه صوت أقوى وتأثير أكبر لدول ظلت مهمشة ومهملة طويلا في ظل المنظومة التي أسست لها اتفاقية "بريتون وودز". والأمل كبير في أن يكون لمجموعة "بريكس"، إضافة إلى "مجموعة العشرين" والآليات التي بادرت بها الصين مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية و"بنك التنمية الجديد" ومبادرة "الحزام والطريق" وغيرها، دور أكبر في صياغة نظام عالمي جديد. (المصدر: الصين اليوم)

 

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
تحميل تطبيق شبكة الصين

 
انقلها الى... :
China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号