الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط أ أ أ |
مقال خاص: رسالة من بغداد: ايام لاتنسى في الصين كمسلم
بغداد 17يوليو 2009 (شينخوا) عندما كنت أصلي الجمعة مطلع عام 2007 في مسجد نيوجيه، فى احد احياء العاصمة بكين، الذي يسكنه العديد من المسلمين، كان المئات من ابناء شعبي يقتلون إثر الانفجارات واطلاق النار، ويخطفون في اعنف موجة عنف طائفي، في ذلك الحين أعرب لي المئات من الصينيين عن امنياتهم بان يعم السلام في العراق.
وفي داخل هذا المسجد الذي يبلغ عمره اكثر من الف سنة، ومزج فيه الطراز الاسلامي بالطراز الصيني التقليدي، كان ينتابني شعور شديد بالقدسية لما اشاهده من ايات قرآنية كتبت بلغة عربية، حيث كنت اصلي كل يوم جمعة وفي العديد من ايام الأسبوع مع الصينيين من قوميات خوي والويغور وغيرها من القوميات الاخرى.
وخلال بقائي في الصين لمرتين الاولى حين زرت هذا البلد وأقمت هناك لاسبوعين، والثانية عندما عشت وعملت هناك لمدة سنة شعرت بالدهشة إزاء طريقة التعايش السلمي الموجودة بين القوميات الصينية الـ56 التي تشكل من بينها قومية هان الغالبية العظمى من السكان.
لكن بعد سنتين أصبت بالصدمة والحزن لما شاهدت وقرأت من تقارير صحفية عن وقوع اعمال العنف الاجرامية، مثل الضرب والتحطيم والنهب والاحراق، والتى وقعت يوم 5 من يوليو الجارى فى مدينة اورومتشى حاضرة منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم شمال غربى الصين .
فى ذلك اليوم كنت فى اجازة في بيتى، ولدى سماعي بتلك الأخبار قمت على الفور بالاتصال ببعض الاصدقاء الصينيين فى الصين لمعرفة مزيد من تفاصيل الاحداث. وبعد هذه الاتصالات ، ادركت ان تلك الاخبار التي بثتها وسائل الاعلام الغربية هي مجرد سحابة سوداء قائمة على اسس ودوافع سياسية، كما فعلت هذه الوسائل في احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة.
وبالرجوع الى هذه التقارير والمزاعم بوجود صراع والتى من الواضح ان اهدافا سياسية وراءها، تذكرت الايام التى قضيتها في الصين كمسلم، وكنت اذهب للمسجد والتقي المسلمين هناك بكل حرية، بل كنت اشعر بالامان هناك اكثر من العراق في تلك الفترة بسبب العنف الطائفي.
وقابلت العشرات من المسلمين الصينيين في المطاعم الخاصة بهم فى بكين، ولم المس منهم شكوى بل على العكس كانوا يفخرون بانهم مواطنون صينيون، اتذكر ان مطعما صغيرا في احد اروقة منطقة نيوجيه ببكين، يعود الى قومية الويغور، كنت ازوره بين فترة واخرى واشاهد فيه المسلمين الويغور، وهم يتناولون اطعمتهم ويستمعون الى الموسيقى الخاصة بهم ويشاهدون البرامج التي تبث بلغتهم، وفي ذلك الوقت دفعني فضولي الصحفي للسؤال، هل يسمح لكم بان تكون لديكم وسائل اعلام، فاجابني شاب يدرس في المعهد الاسلامي في نيوجيه، وكان يتكلم اللغة العربية، لدينا محطات تلفزيون تبث في شينجيانغ وبلغتنا وكل شيء متاح لنا، وبمساعدة الحكومة المركزية.
وفي احدى اجازاتي زرت مقاطعة خنان بوسط الصين وتمتعت بزيارة المساجد والمواقع الاسلامية هناك ووجدت المسلمين يمارسون طقوسهم الدينية بكل حرية ويقيمون المحاضرات الدينية بعد الصلاة ويحضرها الصغار والكبار سويا، وفي طريق عودتي استقليت سيارة اجرة، ولاحظت اية قرآنية معلقة فى السيارة فاكتشفت ان سائقة هذه السيارة امرأة مسلمة، وقد فرحت عندما عرفت اني من العراق واكدت لي انها تعتز بكونها مسلمة وتعيش حياةهانئة ولا تواجهها اي مشاكل في الصين لان الكل سواسية امام القانون.
كل يوم جمعة يتجمع المئات من المسلمين في بكين لاداء صلاة الجمعة وكنت اراهم واصلي معهم، وبعد انتهاء الصلاة يتجمعون خارج المسجد ويقوم بعضهم ببيع منتجاتهم وخاصة المأكولات الاسلامية التي يجلبونها من مناطقهم، لم الحظ ابدا فى مرة من المرات ان الشرطة قد اعتدت عليهم او أن السلطات ضايقتهم.
ورغم مغادرتى بكين قبل سنتين لا زالت بعض الصور عالقة في ذهني عن الحجاج الصينيين الذين يذهبون لاداء فريضة الحج في المملكة العربية السعودية، حيث يقومون بارتداء سترة خاصة مطرزة بالعلم الصيني وتحته عبارة مكتوبة باللغة العربية "الحاج الصيني"، لاحظتهم يرتدونها عندما يأتون الى المسجد وهم يفخرون بها ويشعرون بالزهو.
وذات مرة حاولت ان امزح مع احد هؤلاء، من خلال مترجم، وقلت له اريد ان تعطيني هذه السترة كهدية حتى عندما ارجع الى بلدي اقول هذه الهدية من صديقي الصيني، فاجابني مبتسما سأشتري لك سترة جديدة بدلا عن هذه، لان السترة هذه ارتديها منذ عدة سنوات وهي مطرزة بالعلم الصينى الذى افتخر بان اضعه على صدرى.
اخبرني بعض الاصدقاء المسلمين في بكين بان المسلمين الصينيين يتمتعون بمميزات لاتتمتع بها حتى قومية هان، مثلا فيما يتعلق بسياسة تنظيم الأسرة وتمتع الطلبة المسلمين بسياسات تفضيلية لدخول الجامعات الصينية مقارنة باقرانهم من الاديان الاخرى.
اود ان اروى لكم قصة حقيقية حدثت بين شاب مسلم من مصر وشابة صينية من قومية هان دخلت فيما بعد في الاسلام واصبحت مسلمة.
كنت ذات يوم جالسا في حديقة مسجد نيوجيه، فحضر الي شخص توحي ملامحه بانه عربي، وبعد التحية والتعارف تبين انه شاب مصري، اسمه احمد، طلب مني المساعدة لانه اول مرة يأتي الى الصين وكان مضطربا، وبعد ان اجلسته بجانبي، بدأ يقص علي قصته، انه احب فتاة صينية عندما كانت تدرس في مصر وبعد انتهاء دراستها عادت الى الصين، لكنهما لم يحتملا الفراق، ويضيف احمد انه اخبر حبيبته بانه لن يتمكن من الزواج منها الا بعد ان تدخل في الدين الاسلامي، فوافقت حبيبته فورا، وقد جاء الى الصين لاجل ذلك.
والتقيت باحمد بعد هذا اللقاء باسبوع واخبرني بان الاجراءات هنا بسيطة للدخول في الاسلام، وبعد فترة اتصل بي واخبرني بانه حصل على شهادة من مسجد نيوجيه لحبيبته تؤكد انها اصبحت مسلمة وأعطيت اسما اسلاميا، ثم غادر احمد الى مصر لاستكمال اجراءات الزواج.
قد يسأل سائل ما علاقة هذه القصة باحداث اورومتشى الاخيرة، وانا اجيبه، بان الهدف من ذلك اعلام القاريء بالحقيقة وهي ان الحكومة الصينية تكفل الحرية الدينية ولا تلزم اي شخص باعتناق اي دين، فهذا الامر متروك للشخص نفسه، وانا شخصيا لدي صديقة من قومية هان متزوجة من مسلم من قومية خوي، وتعيش معه بود وسلام وتفاهم واحترام.
يذكر ان الدين الاسلامي يعتبر ثاني اكبر دين رسمي في الصين بعد الديانة البوذية، ويوجد في الصين 30 الف مسجد، ويوجد في العاصمة بكين وحدها اكثر من 70 مسجدا، اشهرها مسجد نيوجيه، فضلا عن انتشار المطاعم الاسلامية في عموم المدن الصينية في السنوات الاخيرة.
لذلك وعندما شاهدت الصور الدموية لاعمال العنف في مدينة اورومتشى، شعرت بانها مشابهة ومماثلة لما كان يجري في السنوات الست الماضية هنا في العراق حيث يعاني العراقيون من التدخل الخارجي في شؤونهم الداخلية.
ان ما جرى في مدينة اورومتشى هو تدبير قوى خارجية اغاظها التقدم والقفزة الاقتصادية والعمرانية والتطور الذي شهدته الصين، لذلك فان هذه الجهات الخارجية تسعى الى استهداف امن واستقرار الصين والتعايش السلمي بين اعراقها المختلفة، كما انها (الجهات) تحاول تشويه صورة الصين لدى المجتمعات العربية والاسلامية.
وفي الختام اتقدم بنصيحة اخوية الى اصدقائنا في الصين ان يبتعدوا عن العنف والتشرذم، لاننا في العراق نعاني منه منذ اكثر من ست سنوات وانكوينا بناره، التي لم نحصد من وراءه الا القتل والدمار والتشريد، لذلك ادعوكم اصدقائي ان تكونوا حكماء كما عرفناكم وان تنظروا الى مصلحة بلدكم وان تحلوا مشاكلهم عن طريق الحوار والحوار فقط،، فنحن في العراق الان وبعد ان ادركنا قيمة السلام ، نتمنى لكم الا تقعوا في الخطأ الذي وقعت به بعض فئات شعبنا.
وانا متأكد بانكم ومن خلال تسامحكم والتناغم الذي تعيشون فيه بالصين ستنطلقون نحن المستقبل حتى تبقى حمامة السلام تحلق في سمائكم، وتزهر اغصان الزيتون وينتشر السلام والاستقرار في عموم ارجاء الصين. (بقلم شعلان احمد )
شبكة الصين / 17 يوليو 2009 /
تعليق |
مجموع التعليقات : 0 |