标题图片
الصفحة الأولى | حجم الخط    أ أ أ

الصين .. استراتيجية كونية ذات طابع إنساني

arabic.china.org.cn / 09:59:06 2016-03-07

بقلم محمد حسين أبو العلا

7 مارس 2016 / شبكة الصين/ لعل الوضعية الحضارية للمجتمع الدولي قد باتت تتطلب الكثير والكثير من آليات المراجعة والتصحيح، تحقيقا لضرورات الانطلاق أو رفضا لاستجابة مقتضيات التراجع والبربرية. فلعل العالم المعاصر لم يشهد كمًا من الصراعات والتأزمات والحروب كتلك التي يشهدها الآن، وهو ما يمثل خطرا داهما على كل الكيانات. لكن الأخطر هو سيادة الصمت على كل ذلك والتقاعس عن تقديم معالجات، اتساقا مع المصالح القومية المحدودة. لكن أحدا لا يقوى على أن يقدم مشروع إنقاذ ودعوة بعث جديد؛ إحياء للحظة حضارية يجب الاستمساك بها وليس إبادتها.

ولقد مثلت كلمات الرئيس الصيني شي جين بينغ زلزالا قويا وصيحة رصينة، استوقفت الكيانات الدولية نحو البحث عن تلك البوصلة الجديدة المحددة لمسار مجتمعات القرن الحادي والعشرين، فجاءت في طابعها وطبيعتها ميثاقا سياسيا لمحاور استراتيجية كونية ذات طابع إنساني، ينطلق من بعث مبدأ أصيل يدخل ضمن الثوابت الوجودية، وهو: "من جد وجد"، بما يعني ضرورة السعي الدءوب للذات في تحقيق صالحها الفردي دون انتقاص من الصالح الجمعي أو الإضرار به. ذلك أن عودة هذا المبدأ إنما يعني وجود فاصل متين بين مستقبل يقوم على العمل الذاتي والانفتاح على الآخر ليسود النفع العام، وماضٍ اعتمد على إقرار سياسات الابتزاز الاقتصادي والسياسي والثقافي والاستراتيجي. أما المحور الآخر فهو إنجاز بناء المجتمع الرغيد الحياة على نحو شامل، وذلك هو ما ينافي وجود التفاوت الطبقي الصارخ والسائد في أغلب مجتمعات الدول النامية والمتقدمة على السواء. فلا زال الفقر يعد إحدى المشكلات العالمية الكبرى، وتلك نقيصة تعد بذاتها ضمن المآخذ التاريخية على الحضارة المعاصرة التي ارتقت بالأدوات والتقنيات إلى حد مذهل، لكنها هبطت بالإنسان إلى مدارج البحث عن الخبز أو شربة ماء نظيف. إن مجتمع الرفاهية، باعتباره النموذج الأمثل للحلم الإنساني، لم يكن بحال أن يقابله مجتمع القاع الذي يتوق فيه الإنسان لإشباع أبسط حاجاته بما يحقق وجوده وكينونته وإنسانيته أيضا.

وتنطلق دعوات الرئيس الصيني مشيرة إلى حقيقة مؤكدة يعرفها الجميع لكنهم يتجاهلون مغزاها، وهي أننا نملك كرة أرضية واحدة فقط، كأنما ينبه عن غياب البديل، ومن ثم لابد من وجود طرائق للتعامل مع الطبيعة تكون لها الأفضلية، ذلك باعتبار أنها تمثل أكبر تحد قائم أمام الإنسانية بأسرها. إن زوال كوكب الأرض أو فناؤه لا تماثله مشكلة أخرى مهما صغرت أو كبرت، لأن طوفان التلوث النووي والإشعاعي لابد أن يخضع لضوابط ومعايير تحفظ البقاء الإنساني. وعلى ذلك، فقد جاءت إشارة الرئيس الصيني إلى أنه إذا كان العالم يتطلع إلى الاستماع لصوت الصين ومشروعها، فإن هناك ضرورة ملحة للمشاركة في صياغة أجندة التنمية المستدامة لعام 2030، ذلك في ظل غياب التوجه المستقبلي تجاهها باعتبارها أخطر القضايا الحيوية في إطار استشراء ظاهرة العولمة مفهوما وتطبيقا، والتي امتدت لتشمل كافة جوانب التنمية المستدامة.

إن العولمة تعد أحد المحكات الهامة والمباشرة في التعامل مع المجال البيئي، إذ أن آليات العولمة طبقا للكثير من الدراسات، تمثل آثاراً سلبية على المعايير البيئية، بما يجعل عملية التنمية المستدامة في حاجة إلى مجموعة من الإصلاحات الجذرية لمواجهة السياسات الاقتصادية السلبية وبرامج التعديلات الهيكلية. فالعولمة تعتمد على زيادة الاستهلاك المؤدي بالضرورة نحو تفعيل زيادة نسب التلوث. لكن هل يعني ذلك أن يكون تصدير التلوث هو أحد الاستراتيجيات السياسية من جانب الدول الصناعية المتقدمة إلى الدول النامية في إطار سياسات العولمة؟

وعلى ذلك يجب أن ينطلق الوعي ضد فكرة اتساع الهوة في النظر إلى العولمة، من حيث أهدافها وأدواتها واستراتيجية التعامل معها، كقضية خلافية متفردة ليست على غرار قضايا أخرى كثيرة. وأيضا، لما كان لمفهوم البيئة نوع من الخصوصية المكانية، فإن هذا المفهوم قد أصبح الآن له درجة كبيرة من العمومية، من حيث سرعة التأثير والتأثر، أو سرعة الانفتاح على البيئات الأخرى ومحاولة التكيف معها أو تدميرها. فهل يعني تصدير التلوث أو الاستحواذ على الموارد الطبيعية أثرا من الآثار الإيجابية للعولمة على التوازن البيئي؟ أم أن هذا التوازن يستدعي بذاته استراتيجية علمية جادة لتحقيقه ثم الحفاظ عليه بإقامة وسائل التواجه التي تحقق نسقا بيئيا متكاملا أصبح يمثل مطلبا اقتصاديا اجتماعيا وسياسيا للدول؟ إن التنمية المستدامة، وفي أمثل تعريفاتها طبقا لتقرير "برونتلاند"، إنما هي عملية للتغيير يتناغم فيها استغلال الموارد وتوجهات الاستثمار ومناحي التنمية التكنولوجية، وتغيير المؤسسات وتعزيز كل من إمكانات الحاضر والمستقبل للوفاء باحتياجات الإنسان وتطلعاته.

وبصفة عامة، لفت الرئيس الصيني أنظار المجتمع الدولي إلى ضرورة الأخذ بتلك السياسة الغائبة التي تتخذها بلاده قدوة وأسوة في تعاملاتها الخارجية، تكريسا للطابع الإنساني وإعمالا لتلك القيم العليا البادئة بالتعاطف والمنتهية إلى الرحمة مع أولئك المتأثرين بالحروب، كمنطق سيادي يجب أن يستبدل بطابع سلمي، توسيعا لدائرة الأصدقاء وتقليصا لدوائر العداء والفرقة المجتاحة لكافة العلاقات الدولية. ولعلنا نستبين من كل ذلك، كم خسرت الولايات المتحدة الأمريكية حين فرقت شمل المجتمع الدولي وشتت الأسرة الإنسانية وحولتها إلى حلبة مصارعة أو غابة تمثل الوحشية والدمار فيها أرقى المثل!!

 

* د. محمد حسين أبو العلا، كاتب مصري وأستاذ علم الاجتماع السياسي.

 

الآراء الواردة في المقال تعكس آراء الكاتب فحسب، وليس الشبكة

 



   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر

 
انقلها الى... :
تعليق
مجموع التعليقات : 0
مجهول الاسم :

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号