arabic.china.org.cn | 17. 10. 2017 |
بقلم: عباس جواد كديمي
17 أكتوبر 2017 / شبكة الصين/ ستشهد الصين يوم الأربعاء 18 أكتوبر هذا العام 2017، حدثا هاما وهو انعقاد المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الحاكم في البلاد، حيث يضع الحزب نفسه وأعماله في ميزان حكم الشعب، ويخضع لجرد حساب لما أنجزه من أعمال، ومدى وفائه بالتعهدات التي قطعها أمام الشعب.
لماذا يعقد الحزب مؤتمره الوطني الـ19؟، ولماذا هذه الأهمية محليا وعالميا؟
تأسس الحزب الشيوعي الصيني في عام 1921، وعقد أول مؤتمر وطني له في عام 1921، وحضر ذلك المؤتمر 13 مندوبا فقط. وبعد عقود من النمو والتطور، أصبح عدد أعضاء الحزب حاليا 88 مليون عضو، وهو بهذا أكبر حزب سياسي بالعالم، وانتهج تقليدا سياسيا بعقد مؤتمر وطني له كل خمس سنوات. طبعا، منذ تأسيسه وحتى الآن عقدت 18 مؤتمرا، وسيأتي التاسع عشر يوم الأربعاء. في البداية، وبسبب ظروف تلك الفترة، كان هناك عدم انتظام في فترات انعقاد المؤتمر، يعني أنه لم يعقد كل خمس سنوات كما يحدث حاليا، حتى أن المؤتمرين الـ6، والـ7 عقدا بفاصل زمني مدته 17 سنة (1928-1945)، ومؤتمر آخر هو الـ6 عقد خارج الصين، تحديدا في موسكو عام 1928. المؤتمر الأول حضره 13 مندوبا، ولكن المؤتمر الوطني الـ19 لهذا العام، يحضره أكثر من 2287 مندوبا منتخبا.
سبب انعقاد المؤتمر هو تقليد سياسي متبع لدى هذا الحزب، تتم خلاله مراجعة ما أنجزه الحزب خلال 5 سنوات من عمر قيادة جديدة يتم انتخابها في المؤتمر، كما حدث خلال المؤتمر الوطني الـ18 عام 2012، وتم انتخاب القيادة الحالية وعلى رأسها سكرتير عام اللجنة المركزية للحزب ورئيس الصين، شي جين بينغ. ومع المراجعة، ستكون للمؤتمر مهمة أخرى هي وضع خطة للسنوات الخمس المقبلة، حيث توجه هذه الخطة مسيرة البلاد محليا وخارجيا.
وبما أن مسيرة التنمية الباهرة في الصين تمتد لأكثر من 30 عاما زاخرة بالأحداث، سيقتصر مقالنا هذا على خمس سنوات فقط من 2012 إلى هذا العام 2017، أي فترة عمل القيادة الحالية المنتخبة خلال المؤتمر الوطني السابق.
أعمال الحزب هي المعيار لكونه من الشعب وإلى الشعب
الحزب الشيوعي الصيني وقيادته، وعلى رأسها سكرتير عام اللجنة المركزية للحزب ورئيس البلاد، شي جين بينغ، دائما ما ترفع شعارا يؤكد على أن الحزب من الشعب وإلى الشعب. ولإثبات أن الشعار قول وفعل، يضع الحزب نفسه طوعيا أمام الشعب للحكم على أدائه كحزب حاكم.
نحن من العالم النامي، والمنجزات السياسية والدبلوماسية وسمعة البلاد، والعلوم والتكنولوجيا، كلها مهمة طبعا، ولكن ما يهمنا أكثر بالتأكيد هو المنجزات الاقتصادية التي تتعلق بحياة الناس داخل البلاد، وهنا البلد المعني هو الصين. فما الذي فعله الحزب الشيوعي لرفع مستوى حياة الصينيين؟
من المعروف عالميا أن الصين أضحت قوة عالمية بارزة تتزايد أهميتها يوما بعد يوم في كافة المجالات، وفي المجال الاقتصادي تحديدا أصبحت قاطرة الاقتصاد العالمي، وثاني أكبر اقتصاد بالعالم، وهي الوحيدة التي تكيفت مع وتجاوزت الأزمة المالية العالمية عام 2008 وآثارها حتى الآن، وأسهمت بضخ حيوية للاقتصاد العالمي الذي يتعافى ببطء.
خلال فترة الخمس سنوات من عمر هذه القيادة، نما إجمالي الناتج المحلي للصين بمعدل سنوي يقترب من 7.2% خلال الفترة 2013-2016، مقارنة مع 2.6% لمعدل النمو العالمي، و4% للاقتصادات النامية. وفي أقرب عام لنا وهو عام 2016، بلغت قيمة إجمالي الناتج المحلي للصين11.2 تريليون دولار أمريكي، بما يشكل 14.8% من الاقتصاد العالمي، بزيادة بلغت 3.4% عن عام 2012. أما معدل مساهمة الصين للاقتصاد العالمي خلال الفترة من 2013- 2016 فقد بلغت نحو 30%، وهي الأكبر بين كل دول العالم، وأكبر من مجمل مساهمات كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان مجتمعة. وفيما يتعلق بفرص العمل، نجحت الحكومة الصينية في توفير فرص عمل جديدة بالمناطق الحضرية، بواقع 13 مليون فرصة سنويا، خلال 4 سنوات متتالية 2013-2016. وخلال 8 أشهر الأولى من هذا العام 2017، وفرت الحكومة 9.74 مليون فرصة عمل جديدة. وارتفع عدد العمالة الريفية القادمة للمدن، بمعدل سنوي بلغ 1.8% خلال أربع سنوات 2013-2016.
كل هذه المنجزات لها علاقة وثيقة بحياة المواطنين اقتصاديا، حيث شهدت زيادة في عوائدهم المادية والمعنوية. فقد سعت الصين خلال السنوات الخمس الماضية إلى تحسين رفاهية المواطنين من خلال تطوير سياسات متعلقة بحياتهم، ومنها المساعدة في تقليل الفقر، وتحسين الضمان الاجتماعي والتعليم، وتوفير فرص العمل وتحسين الرعاية الطبية والصحية والضمان الاجتماعي وتطوير إدارة وعمل المستشفيات والمرافق الصحية وتنظيم الاسرة، وتكثيف العمل لتحسين نوعية الهواء وزيادة الخضرة البيئية، بحيث يشعر المواطنون فعلا بأن الحزب يضع مصالحهم في قمة اعتباراته، وأن فوائد التنمية تشمل الجميع.
وعلى الصعيد المحلي أيضا، هناك إنجاز لا بد من الإشارة إليه، وهو أن الصين تمكنت من تخليص الملايين من شعبها من الفقر، ونجحت في ذلك أكثر من أي بلد آخر بالعالم، وهذا ما اعترفت به الوكالات المعنية بالأمم المتحدة، في معرض تأكيدها على التقدم المنجز ضمن إطار أجندة الأمم المتحدة للتنمية 2030، ويمكن التأكد منه بسهولة عبر المواقع الإلكترونية.
خلال السنوات الخمس الماضية وحدها، نجحت الصين في تخليص 65 مليون مواطن من الفقر، وهذا الرقم مساو لعموم سكان المملكة المتحدة. وتخطط الصين لتخليص من تبقى لديها من فقراء، وعددهم يقترب من 40 مليونا، بحلول عام 2020. هذا العام 2020، له مغزى خاص، حيث إنه يسبق بسنة واحدة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني.
أهداف تنموية هامة
لا يخفى على المتابع لشئون الصين، أنها تضع، تحت قيادة الحزب الشيوعي، أهدافا طموحة عالية تسعى لتحقيقها، وتطلق عليها "أهداف المئويتين"، والمئويتان هنا تعنيان: مرور 100 سنة على تأسيس الحزب(تأسس عام 1921- وذكراه المئوية ستكون عام 2021)، والذكرى المئوية لتأسيس الصين الجديدة(1949- 2049).
هدف المئوية الأولى هو تحقيق مجتمع رغيد الحياة بصورة معتدلة شاملة للجميع بحلول عام 2021، وهذا يعني القضاء على الفقر في بلد يضم خمس سكان العالم. أما هدف المئوية الثانية فهو تحقيق بناء بلد اشتراكي متحضر غني قوي ديمقراطي متقدم ثقافيا ومتناغم مجتمعيا بحلول عام 2049، وتحقيق هذين الهدفين يمهد الطريق لتحقيق حلم الصين بالنهضة العظيمة للأمة الصينية.
هذه الحقائق توضح أهمية هذا المؤتمر السياسي محليا، أما الاهتمام العالمي فيأتي لأن الصين تزداد قوة وتأثيرا على الساحة الدولية، وأضحت عاملا هاما لسلام العالم واستقراره.
في كل مؤتمر من هذا النوع، يتوافد على الصين مئات الصحفيين الأجانب، يسعون للتعرف على عملية صنع السياسات في الصين في ظل تحديات يواجهها العالم أجمع، وكيف ستتمكن الصين من مواصلة هذا الزخم القوي في تنميتها الاقتصادية خلال عدة عقود، وبالتأكيد ينصب الاهتمام على ما هي تأثيرات بروز الصين كقوة عالمية كبيرة، على بقية القوى الفاعلة بالعالم. طبعا، الحزب الشيوعي الصيني ومؤتمره هذا، لا يغفلان الأهمية الكبيرة للمهام والتحديات التي تواجه الصين في القرن الـ21. الحزب يريد من خلال مؤتمره هذا أن يثبت بوضوح أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية تتقدم بحيوية ونجاح في الصين، وأنه قادر على القيادة الحكيمة والنزيهة، وهو مستعد أيضا للتعلم من التجارب وإثرائها خلال مسيرته.
وبما أننا نذكر الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، فلا بد من الإشارة هنا إلى أن المقصود بها هي الاشتراكية الملائمة لواقع الصين الفعلي، والمتكيفة مع ظروف البلاد ومع التطورات العالمية، والتي تعطي فرصا كثيرة حقيقية لوضع الخطط والممارسات، ومنها الديمقراطية، وفقالخصائص البلاد، وتعني هنا وجود حزب حاكم ضمن عملية تشاورية سياسية تشترك معه فيها 8 أحزاب ديمقراطية، تتمتع بحق الكلام والرأي والتشاور والاعتراض ضمن نطاق الدستور وفي إطار العملية السياسية الديمقراطية. وإن تبوؤ المناصب في الصين يتم أيضا عن طريق ترشيح وتمحيص وتدقيق وانتخاب، وتحمل مسئولية ومحاسبة أمام القانون. هناك حقيقة موجودة فعلا بالصين منذ نهاية السبعينات، أو حتى قبلها، وهي إجراء انتخابات بدءا من أصغر الوحدات الإدارية، بالقرية مثلا، لانتخاب رئيس القرية من المحليين، وصولا إلى انتخابات مجالس تشريعية محلية لبلدات ثم لمدن، ومحافظات ومقاطعات، ثم المجلس الوطني لنواب الشعب (البرلمان)، صاحب الكلمة الفصل في التشريعات الوطنية وتعيينات المناصب العليا.
بعد هذه السنوات الخمس، أصبحت الصين أقوى مما كانت، وفي الوقت نفسه، أضحت أكثر حرصا على تعزيز تعاونها مع العالم، وتسعى بجهود وعزيمة واضحتين، على تحقيق أهدافها الكبيرة التي ذكرناها أعلاه "أهداف المئويتين". ومن أجل ذلك، فقد طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ، عام 2013، مبادرة هامة هي مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن ال21، والمعروفة اختصارا بـ(الحزام والطريق)، التي وصفها الرئيس الصيني بأنها "تجسد روح السلام والتعاون، والانفتاح والشمولية، والتعلم والمنافع المتبادلة".
هذه المبادرة الهادفة لإحياء وتطوير طريق الحرير التاريخي، تضع في صلب اهتماماتها المبادئ الأساسية للأمم المتحدة ومواثيقها، وكذلك تستند على المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وتعطي أولوية قصوى للاحترام المتبادل والتشاور والتنسيق في السياسات، وليس التدخل السياسي، وتهدف إلى تكامل الخطط والاستراتيجيات التنموية للدول المعنية عن طريق الاستفادة من تفوقاتها النسبية، بما يحقق المنفعة المشتركة. وبفضل هذه التوجهات، تحظى المبادرة باهتمام ودعم ومشاركة واسعة من دول العالم، حيث أعربت نحو 70 دولة حتى الآن عن رغبتها للمشاركة فيها.
وإلى جانب هذه المبادرة الكبيرة، سعت الدبلوماسية الصينية خلال هذه السنوات الخمس، إلى تحقيق هدف سام آخر يتعلق ببناء نمط جديد للعلاقات الدولية يستند إلى تعاون المنفعة المشتركة وبناء رابطة المصير أو المستقبل المشترك للبشرية جمعاء.
هذا المقال المتواضع يهدف الى الاسهام ولو بشكل بسيط، لتحقيق فهم أفضل للتوجهات المستقبلية للصين بنظامها الفريد المتعدد الأحزاب تحت قيادة الحزب الشيوعي، وبهذا يمكن ان يكون المؤتمر الوطنى الـ19 للحزب الشيوعي الصيني، فرصة أخرى ليس لمعرفة سياسات الصين فحسب، بل لفتح نافذة واسعة لمزيد من انفتاح الصين على العالم وترابط العالم معها، وتعزيز التبادلات بين الشعوب.
*ملاحظة: هذا المقال ليس من أفكار كاتبه المتواضع وحده، بل استفاد أيضا من تبادل أحاديث ومعلومات طرحت خلال زيارة معرض في بكين، حول إنجازات الحزب خلال خمس سنوات.
-----------------------------------------------
الآراء الواردة في المقال تعكس آراء الكاتب فحسب، و ليس الشبكة
طريق التنمية السياسية للاشتراكية ذات الخصائص الصينية
انقلها الى... : |
China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000 京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号 |