الصفحة الأولى | حجم الخط  

أهم مراحل تطور العلاقات التجاربية بين الدول العربية والصين خلال سبعين عاما

arabic.china.org.cn / 08:56:44 2019-07-19

 د.أُنـــس الزليطني شبّح


19 يوليو 2019 / شبكة الصين / أكد نائب وزير التجارة الصيني، تشيان كه مينغ، أن حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية في ارتفاع مستمر، وأن الاستثمار الصيني في الدول العربية  قد تنوّع ليشمل مجالات متعددة أهمها الطاقة، البنية التحتية، التجارة الإلكترونية والتمويل ويصل إجماليها إلى 1.2 مليار دولار أمريكي عام 2018. موضّحا  أن حجم التجارة البينيّة بين الصين والدول العربية ارتفع إلى 244.3 مليار دولار أمريكي عام 2018، بزيادة 28% على أساس سنوي، بقيمة عقود جديدة للشركات الصينية لمشاريع المقاولات في الدول العربية ما قيمته 35.6 مليار دولار أمريكي. وأن  الصين ستعزز الربط بين استراتجيات التنمية مع الدول العربية.

كما أعلن  تشيان كه مينغ خلال المؤتمر الصحفي المنعقد يوم 12 من يوليو الجاري  بشأن المعرض الصيني-العربي الرابع، أن المعرض سيُعقد في منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي في الفترة الممتدة من الخامس إلى الثامن من سبتمبر، وسيتضمن مجالات عدة.  وفي نفس السياق أكد ليو كه وي، نائب رئيس منطقة نينغشيا أن المعرض في نسخته الرابعة يحمل عنوان "فرص جديدة ومستقبل جديد"، يهدف إلى ترسيخ وتعميق جذور الصداقة والتنمية المشتركة بين الصين والدول العربية.

ويتزامن انعقاد المعرض الصيني-العربي الرابع مع احتفال الصين بمرور سبعين سنة على تأسيس جمهورية الصين الشعبية، ما يعتبر نقطة هامة ومميزة في مراحل تطور العلاقات  العربية-الصينية والتبادلات التجارية بين الجانبين على مدى العقود السبعة.

إن العلاقات العربية-الصينية مميزة منذ زمن بعيد، حيث يسودها التعاون والاحترام منذ أن بدأت ملامح هذه العلاقات وتطورت عبر " طريق الحرير" الذي يعود إلى أكثر من ألفي سنة، والذي ينطلق من المدن الصينية ويصل إلى المنطقة العربية، وهذا ما يمثل الخطوة الأهم في تاريخ التبادلات التجارية بين الصين والعالم العربي والذي دعمه تنقل التجار وخاصة من الجانب العربي حيث كان العرب يقومون بالعديد من الرحلات إلى بلاد الحرير لغرض التجارة، ومن أشهرها رحلات "سليمان التاجر السيرافي" والتي كانت أول رحلاته إلى الصين عام 851م حسب العديد من المؤرخين.

ليمتد تطور العلاقات التجارية بين الطرفين بعد إقامة جمهورية الصين الشعبية، حيث سارعت العديد من اللجان المركزية الشيوعية في بعض الدول العربية من بينها الجزائر، وتونس والمغرب إلى تهنئة الصين بإقامة جمهورية الصين الشعبية عام 1949، وخلال سبعين سنة، مرت العلاقات الثنائية بين الطرفين بعدة مراحل، أهمها التبادل التجاري بين الجانبين والذي شهد ارتفاعا ملحوظا بعد أن اكتملت الاعترافات من قبل كل الدول العربية بجمهورية الصين الشعبية وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية كاملة في عام 1990.

وقد انطلقت أول هذه العلاقات التجارية بين الطرفين عام 1956 من خلال تأسيس مكتب البعثة التجارية الصيني لدى مصر، ثم تليها عدة دول عربية أخرى أسست علاقات تجارية رسمية مع الجانب الصيني، ليكتسي التعاون العربي- الصيني أهمية كبرى لدى الطرفين في ظل التحولات الجيوسياسية التي شهدها العالم، الأمر الذي دفع الطرفين للعمل على تطوير هذه العلاقات إلى مستوى شراكة استراتيجية تشمل البُعدين الاقتصادي والسياسي وقائمة على مبدأ "احترام مصالح كل الاطراف" و"الفوز المشترك للجميع".

ومع تطور العلاقات بين الصين والدول العربية منذ إقامتها، أخذ حجم التبادل التجاري بين الطرفين يزداد بوتيرة سريعة، حيث تراوح بين 80 و90 مليون دولار أمريكي في الفترة الممتدة بين 1967و1968، ليبلغ حدود 232 مليون دولار أمريكي عام 1969 ويصل إلى 640 ميلون دولار عام 1977 ثم يقفز إلى حدود 1 مليار دولار عام 1978. وهو ما يبين جدّية وسعي الطرفين إلى تعزيز التبادلات التجارية بينهما، لكن تبقى التبادلات التجارية بين الصين والدول العربية في الفترات السابق ذكرها يميل ميزانها التجاري لصالح الصين، حيث تقوم على استيراد أغلب الدول العربية من الصين المواد التجارية التقليدية القائمة بالأساس على الشاي الصيني، ومنتوجات الصناعات الخفيفة، وأيضا بعض الآلات الميكانيكية وغيرها من المنتوجات الاستهلاكية.

كما واصلت الصين اهتمامها بالدول العربية أيضا انطلاقا من عهد الاصلاح والانفتاح الصيني في أواخر عام 1978، لتكرّس الصين كل جهودها واهتمامها من أجل تطوير اقتصادها "ذو الخصائص الصينية"، وتسعى إلى تطوير العلاقات مع الدول الخارجية، ومن بينها الدول العربية. ليتم الإعلان عن إقامة "جمعية الصداقة الصينية-العربية" في عام 2001، والتي سعت إلى توسيع التعاون بين الطرفين، ثمّ الإعلان في عام 2004 عن "منتدى التعاون الصيني- العربي" والذي يُعتبر منصة جديدة وطفرة هامة في تعزيز التعاون الثنائي بين الدول العربية والصين في العديد من المجالات.

ومع التغييرات التي شهدها الوضع الدولي في بداية القرن الـ21، وتزايد الطلب العالمي للنفط، حينها شهدت تركيبة التبادلات التجارية بين الدول العربية والصين تغييرا هاما، من تبادلات تقوم على المواد التقليدية الاستهلاكية، إلى تبادلات تجارية هامة تقوم على المحروقات، ليساهم ذلك في تطور العلاقات التجارية بين البلدين وخاصة بعد انشاء "منتدى التعاون الصيني- العربي"، حيث شهدت التجارة العربية-الصينية قفزة هامة منذ عام 2004 حينها كان حجم التبادل التجاري البينيّ  بين الجانبين 36.7 مليار دولار ليبلغ 51.3 مليار دولار عام 2005 وارتفع إلى 133 مليار دولار سنة 2008، وحقق أكثر من 9 أضعافه خلال العشر السنوات الممتدة بين 2003 و2013، مع احتلال الطاقة على النسبة الأهم في التعاون الاقتصادي بين الجانبين، اذ ساهمت المحروقات في ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الطرفين بل ومثلت النسبة الأكبر من بين الصادرات العربية للصين مع ارتفاع حاجيات الصين في العصر الحديث لهذه المنتوجات، وبذلك تغير هيكل النظام التجاري بين الطرفين وحقق الميزان التجاري لبعض الدول العربية إيجابية لصالحها في التبادلات التجارية مع الصين.

وبذلك يمكن أن نعتبر أن انشاء "المنتدى الصيني- العربي" كان منصة هامة في إقامة نموذج جديد لمفهوم التعاون الثنائي العربي-الصيني، وساهم في دعم التعاون على أسس متينة تمّ تتويجها من خلال مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، وقد عبرت الدول العربية عن إيمانها بهذه المبادرة ورحّبت بكل الآليات التي تضمنتها المبادرة وإقامة مشاريع هامة مع الصين في إطار هذه المبادرة، لتنضم 18 دولة عربية إلى مبادرة "الحزام والطريق"، وهو ما وسّع أكثر آفاق التعاون الثنائي بين الدول العربية والصين، حيث ترى الدول العربية في الصين شريكا هامّا يتمتع بمميزات رائدة من حيث حجم السوق والتكنولوجيا والمعدات والإدارة واليد العاملة، بينما تمثل الدول العربية منطقة هامة لتطوير التعاون مع الصين، وتتميز الدول العربية بأهمية موقعها الذي يلعب دورا هامّا في مبادرة "الحزام والطريق" في ربط القارات والدول ببعضها البعض. من ناحية أخرى ترى الدول العربية في الصين الشريك الأهم حيث تتميز الصين بقدرتها التنافسية القوية على الساحة الدولية من حيث التقنيات وقدرة البناء والتشغيل في المجالات الرائدة وفي مشاريع البنية التحتية ومشاريع الاستثمارات.

إن ما يميز العلاقات التجارية الحديثة بين الدول العربية والصين قيامها على أساس الجمع بين الميزات النسبية والمنفعة المتبادلة والمشتركة والتي تُمكّن الجانبين من تحويل الميزات النسبية إلى قدرة تنافسية متكاملة بما يزيد بصورة كبيرة من فرص التميز في تنفيذ المشاريع في السوق الدولية، الأمر الذي يجعل من مستقبل هذه العلاقات الثنائية يحضى بآفاق مشرقة.


--------------

 د.أُنـــس الزليطني شبّح: خبيرة عربية في الشأن الصيني


   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
تحميل تطبيق شبكة الصين

 
انقلها الى... :
China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号