الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط    أ أ أ

مقالة خاصة: من أرض العراق... قصة حقيقية تفوق الخيال من قلب الحرب وأهوالها

arabic.china.org.cn / 16:44:52 2013-03-19

بغداد 19مارس 2013 (شينخوا) في بلاد الرافدين مهد الحضارات الإنسانية المبكرة التي خلفت تراثا عريقا، عاش الجميع لحظات مروعة وظروفا صعبة محفوفة بالمخاطر كانت أشد قسوة على الصحفيين الذين تضاربت مشاعرهم بين الواجب المهني والأسري ، وهنا يقص عليكم الصحفي جمال هاشم من مكتب وكالة أنباء ((شينخوا)) في بغداد كيف عاصر هذا الحدث ولا سيما وأنه بث خبر "بدء حرب العراق" قبل أي جهاز إعلامي في العالم.

في فجر العشرين من مارس 2003، اندلعت الحرب على العراق وبدأت الصواريخ وقنابل الطائرات تدك مدن العراق على مدار الساعة فانتشر الرعب والدمار. ولم يكن هناك أي مكان آمن في بغداد، فقد انتشرت الأسلحة المضادة للطائرات في الأحياء السكنية للمدينة فازداد بذلك خطر استهداف هذه الأسلحة وسط البيوت السكنية.

وفي ظروف الحرب تتوقف أعمال الجميع في كل القطاعات الحكومية والأهلية فيما عدا قوات الأمن والصحفيين الذين يجدون ما يفعلونه في مثل هذه الظروف. وكان قدري أن اشارك في هذه الحرب كصحفي ووجدت نفسي في قلب الحدث. لم أكن اتمنى أن تمر بلادي بمثل هذه الظروف من الدمار وحمامات الدم، ولكن وقد حدث ذلك فانني سعيد بأني كنت شاهدا على عملية تحول تاريخية تشهدها بلادي..

أنها دورة التاريخ فكم سمعنا وقرأنا في التاريخ عن سقوط إمبراطوريات ودول ولكن الأمر مختلف تماما عندما تكون جزءا من دورة التاريخ. لذا فاني اجد نفسي محظوظا لاني عملت في هذا الوقت مع مكتب شينخوا في بغداد ولاني وجدت الفرصة كي أنقل لشعوب العالم وخصوصا الشعب الصيني ما يشهده أبناء بلادي من معاناة وما يرتكبه المحتلون من جرائم ضده.

لقد استمر القصف الصاروخي وسقوط القنابل على بغداد حوالي عشرين يوما ليلا ونهارا فكان الخوف يتملك ولدي أشرف (تسع سنوات) وأثير (ثماني سنوات) وابنتي رانية (خمس سنوات) بسبب قوة الانفجارات التي تخلع القلوب وتحرك الستائر بقوة فكنت أرى الخوف في عيونهم. وبينما اتابع أنباء القصف، كنت بين الحين والآخر اشرح لهم بأنه ليس هناك داع للخوف وأقول لهم"هذا ليس سوى صوت غير مؤذ، ابتعدوا النوافذ ولن تصابوا بأذى لأن الانفجارات بعيدة". في الواقع، لم أكن أملك أكثر من هذه الوسيلة لتهدئتهم، التي في الحقيقة لم تجد نفعا لأنهم كانوا يسهرون حتى الساعات المتأخرة من الليل بجانبي في المكتب بسبب خوفهم من الابتعاد عني إلى غرفة نومهم وكان أثير يلبس الخوذة الفولاذية ويجلب كرسيا ليجلس بجانبي حتى أنه كان ينام عليه، فاقوم بنقله إلى سريره بعدما يغفوا عندما تهدأ موجات القصف.

وفي أحد الأيام وخلال المتابعة المستمرة لاحداث الحرب على العراق والقصف المستمر تقدمت القوات الأمريكية بعد الظهر على الطريق السريع غربي بغداد واشتبكت مع قوة من الجيش العراقي وميليشيا الجيش الشعبي المكونة من افراد من حزب البعث الذي يقوده الرئيس المخلوع صدام حسين، وكانت المعركة قريبة من بيتي وأفراد عائلتي وفي هذه الاثناء وأنا اتابع تفاصيل المعركة اتصل بي ولدي الصغير الذي اخذ يبكي بخوف شديد ويتوسل أن آتي لاخذه لانه خائف وأصوات الانفجارات والرصاص شديدة جدا.

لم اتمالك نفسي وشعرت أني خذلت عائلتي وفضلت طموحي المهني على سلامتهم ، فانتظرت حتى حلول الظلام وذهبت إلى بيتي بعد أن مررت بمكان الاشتباك على الطريق السريع ، وكانت القوات الأمريكية قد تراجعت بعد المقاومة العنيفة للمقاتلين، ولكني رأيت منظرا مريعا، أسلحة مدمرة وبقايا عتاد وخوذ عسكرية مبعثرة على قارعة الطريق الشارع وجندي عراقي يقف على مقربة من الطريق العام وفي عينيه الخوف واليأس، لم يتكلم كعادة العسكريين عندما يرون شخصا في مكان كهذا وضل صامتا ثم اسرع بالاختفاء بين أشجار أحد البساتين على مقربة من الطريق العام.

وصلت إلى البيت وأخذت زوجتي وأولادي معي إلى المكتب في المنصور بعيدا قليلا عن ساحة المعركة واكثر أمانا. ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، ففي تلك الأيام كان الأمريكيون يتخوفون من استخدام صدام حسين لترسانته المزعومة من الأسلحه الكيميائية والبيولوجية وكانت المعارك دائرة في ضواحي بغداد ، لذلك فإن الأمريكيين حذروا من أنهم سيضربون بقوة اذا ما فعلها صدام.

وعندئذ ، طلبت من زوجتي أن تأخذ الأولاد إلى مدن أخرى خارج بغداد مع عوائل اخوتي ووالدتي وهي امرأة طاعنة في السن بينما ابقى أنا في المكتب لاواصل مهمتي. ولكن ما حدث هو أن زوجتي رفضت وقررت البقاء معي وسمعت أن والدتي أيضا رفضت ترك المنزل وقالت عشت هنا كل السنين في منزلي لن اتركه وسأموت هنا إن كان هذا قدري.

وعلى أية حال، فإن حيرتي لم تدم طويلا فقد علمت أن الحافلات التي كانت تنقل العوائل إلى خارج بغداد قد استهدفت من قبل طائرات أمريكية كانت تظن أنها تهرب صدام ومقربين منه وقيادات عسكرية وقتل العديد من المدنيين لذلك قررنا أن لا فائدة من الخروج، فقد تساوت فرص الموت والحياة سواء خرجوا أم لم يخرجوا من بغداد.

وعندما واصلت الطائرات الأمريكية قصف بغداد شعرت بالقلق لأني كنت ارسل الاخبار من بغداد بواسطة الساتفون (تليفون الساتلايت) وقد علمت فيما بعد من مراسلي ((شينخوا))ا الصينيين أن اشارة هذا التليفون يمكن أن يستلمها الطيارون الأمريكيون وبالتالي يمكن أن يستهدفوا المكتب بصواريخهم ، وكان في هذا الأمر خطورة على المكتب حيث عائلتي وجميع العوائل التي في البيوت المجاورة.

وقد حذرني بعض الجيران الذين كانوا أيضا خائفين من هذا الأمر . فطمئنمتهم من أنه لن تكون هناك أية خطورة، إذ أننى لم أكن ارسل الخبر بعد الانتهاء من كتابته إلا بعد التأكد من عدم وجود طيران فوق بغداد. فكان أولادي وزوجتي يتناوبون على الصعود فوق سطح المنزل للتأكد من خلو الجو حتى ارسل الخبر أو اجري بعض المكالمات والمقابلات والتي كنت اقطعها احيانا عند قدوم الطائرات حفاظا على أرواح من حولي من الأبرياء.

كان أصعب ما واجهته اثناء تغطية المعارك على العراق هو لحظات دخول القوات الأمريكية إلى بغداد، كنت حينها اتابع فجر يوم التاسع من أبريل الاخبار واتنقل بين القنوات الفضائية فوجدت قناة تبث بثا حيا دخول الدبابات الأمريكية إلى القصر الجمهوري وسط بغداد، لم اصدق ما حدث وصدمت حينما رأيت احد الجنود يُقتل ويسقط في النهر وانا أصيح بأعلى صوتي أين مقاومة الدبابات؟ لماذا لم يطلق أي منها النار؟ ماذا ينتظرون؟ فأنظر جيدا غير مصدق ما أرى هذا الجسر المعلق وهذه هي السدة داخل القصر الجمهوري، هل يعقل هذا؟

وفي اللحظات التي رأيت فيها دبابة أمريكية تقف على جسر الجمهورية وسط بغداد وهي تطلق الرصاص والقذائف باتجاه منطقة الباب الشرقي على الضفة الشرقية لنهر دجلة انتظرت دون جدوى أن يُطلق عليها النار وكنت استعيد في ذاكرتي أنواع الأسلحة المضادة للدبابات وقلت في نفسي لابد أن أحدا ما يمتلك على الأقل سلاح RPG أو أي شي آخر ليصيبونها، ولكن طال انتظاري ولم يحدث شي.

وبعد ذلك تقدمت دبابات ومدرعات أمريكية على ساحة الفردوس وسط بغداد بالقرب من تجمع الصحفيين الأجانب في فندقي الميريديان والشيراتون وأزالوا تمثال لصدام حسين، كان علي أن ابلغ أن بغداد قد سقطت ولكني رغم وضوح الصورة اصريت في نفسي على أن ذلك لايعني سقوط بغداد أو بالأحرى لم أكن اريد أن أصدق ، فهناك لازالت معارك في الأعظمية شمالي بغداد ومناطق أخرى لكنها في الحقيقة ليست ذات أهمية تذكر.

وحتى بعد أيام قليلة من سقوط تمثال صدام في ساحة الفردوس، كانت لاتزال بعض تقاطعات الطرق في بغداد يسيطر عليها فلول من الجنود العراقيين وأفراد من المدنيين المسلحين وقد تعاملت القوات الأمريكية معهم تدريجيا يوم بعد يوم. ففي أحد الأيام اندلعت اشتباكات عنيفة في منطقة تقاطع نفق الشرطة على بعد عدة مئات من الأمتار عن مكتب شينخوا في المنصور في الجزء الغربي من بغداد، فخرجت بالدراجة الهوائية لاقترب من مكان الاشتباك الذي هدأ بعد أقل من ساعة، فوجدت أن القوات الأمريكية قد قتلت كل المقاومين ودمرت مواقعهم، وهو أمر معروف نظرا لتفوق القوات الأمريكية في جميع النواحي.

وبعدها أيقنت أن القوات الأمريكية سيطرت على الوضع في البلاد وأنه لم يعد هناك مجال أمام الجنود العراقيين للمقاومة، وأخذت أفكر في وطني وما سيشهده مستقبلا .




 
انقلها الى... :

تعليق
مجموع التعليقات : 0
مجهول الاسم :