موقع الصين في عيون عربية :الأسلوب الأمريكي في مواجهة انطلاق الصين

نشر موقع الصين في عيون عربية 13 يناير تحليلا لعبد الله عباس، عنوان التحليل:

 

الأسلوب الأمريكي في مواجهة انطلاق الصين

 

لا أحد من متابعي ومراقبي الأوضاع وصراعات القوى الدولية يشك أن (الصين) تأريخا وحضارة ومنطلقا من هذا الإرث كقوة كبرى في الساحة الدولية

يتوسع تفوق الصين في أرجاء المعمورة حاملاً معه برامج ومشاريع وتكنولوجيا اقتصادية وتجارية ضمن مبادئ تبادل المصالح المشتركة في هذه المجالات مع دول العالم ؛ ..وأمريكا لها برنامج توسع أيضاً ولكن بشكل فتح الطريق من أجل الهيمنة ؛ حاملاً معه عزف الاسطوانة المكسورة(محاربة الإرهاب) وهي تزرع الإرهاب أينما حلت .... لذا قلنا في حديثنا الأول عن الصين ؛ قبل عام أنه لا أحد من متابعي ومراقبي الأوضاع وصراعات القوى الدولية يشك ان (الصين) تأريخا وحضارة ومنطلقا من هذا الإرث كقوة كبرى في الساحة الدولية تشكل عقدة ترهق مخططي ومنفذي الثوابت في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وطموحاتهم لفرض الهيمنة على العالم .

لذا نرى أن المروجين لسياسة الهيمنة الامريكية وكلما سمعوا أن الصين تواجه أية مشكلة من المشاكل الداخلية؛ كأي بلد آخر من بلدان العالم تشوبها توترات وصراعات بعضها لها جذور تأريخية وبعضها من إفرازات الحياة ومتطلبات العصر حيث تظهر كتعبير عنها من خلال أصوات احتجاج أو مظاهرات ؛ فيبشر هؤلاء المروجون : انها انتفاضة ولا تطول إلا فترة قصيرة وترون السقوط المدوي لآخر العمالقة الذي لا يرضى خضوعاً لقائد الغرب الرأسمالي...! فهذا فيليب بيجا باحث اختصاصي في الشؤون الصينية عندما يسمع أي خبر عن أي حركة استثنائية في الصين يفقد توازنه ( الاستراتيجي) ويبشر باقتراب سقوط الكابوس الذي يزعج الطموح الأمريكي وتوابعه للهيمنة الكاملة على العالم فكتب في نهاية العام الماضي؛ نوفمبر2010 في مجلة ((إسبري )) الفرنسية أثر بعض التظاهرات العمالية في الصين يقول:

"هل أبصرت النور حركة عمالية في عهد آخر «ديكتاتوريات البروليتاريا» في العالم؟ وهل شارفت نقابة «تضامن»، على غرار سوليدارنوسك البولندية، على الظهور في إمبراطورية وسط العالم؟" ويضيف :

"وليست الحركات العمالية الأخيرة معزولة وهامشية، وهي وجدت صدى لها في المجتمع الأوسع، وحظيت بتأييد عدد كبير من النخبة والصحافيين. فهل يجابه النظام الصيني التحركات هذه، أم يحاور ممثلي العمال والمجتمع المدني الجديد ويقترح عليهم التعاون مع النقابات الرسمية؟ ومصير النظام الصيني هو رهن رده على التحديات الاجتماعية الأخيرة".

هكذا يحلم مروجو السياسة الامريكية اليوم أن يكون مصير الصين العملاق سقوطا في مصيدة الرأسمالية الجشعة ولا ترى أمريكا ومن يدير إداراتها أي إرادة حرة على الأرض تقف بوجهها؛ ناسية أن التأريخ يحدثنا أن جذور القوة والإرادة الحرة لبلد كالصين؛ ليس منطلقة من أفكار (البروليتارية) المجردة؛ إنما الصين تعني التأريخ؛ وفهم هذه الحقيقة للطامعين أصبح قوياً في غفلة من الزمن وليس لهم أي جذور تأريخية ويعانون من الصعوبات لفهم التأريخ وتأثيراته العميقة.

يشرح (فيليب ستيجنز) في تحليل نشره في نهاية عام 2008 في صحيفة فاينينشال تايمز البريطانية بعنوان (اصطدام العولمة بانبعاث المشاعر القومية) ليؤكد أن قوة العولمة تسري جنباً إلى جنب مع قوة المشاعر القومية المتعاظمة وغالباً ما تصطدمان لأن أشكال انبعاث القوميات مختلفة وتحددها البيئة وجذور التاريخ والحضارة فالقوميات في البلدان الناهضة على غرار الصين والهند وغيرها مختلفة عن قوميات الدول الثرية فالدول الناهضة لتمسكها بالأصالة والخصوصية التاريخية وحضارتها لم تشعر يوما أنها جزء من النظام العالمي متعدد الأطراف الذي يهيمن عليه الغرب وتتساءل هذه الدول عن أسباب تدعوها إلى أن تفرط بسيادتها وتتنازل أمام الغرب في وقت توشك الواحدة من هذه الدول أن تتحول إلى قوة عظمى ولاشك أنها تتمسك بهيبتها ومنزلتها الدولية وترفض أن تكون تابعاً.....

وكان مخططو ومنفذو الثوابت في الإدارة الأمريكية ترهبهم الصين بحد ذاتها حتى أثناء الوجود السوفييتي لأنهم ومنذ ذلك الوقت يعرفون أن انطلاقة ماو تسي تونج لبناء الصين الاشتراكي لم تقطع البناء عن الجذور وتاريخ الإنسان الصيني بل خطط للتحديث والبناء عليه, بعكس ما جرى في روسيا حيث بدأت بقطع الجذور الإنسانية المرتبطة بتاريخ الشعوب المنظوية تحت الحكم القيصري حتى في جزئيات حياة الإنسان؛ وكثيراً ما يستغل الحزب الشيوعي النزعة القومية التي تغذيها كتب التاريخ والثقافة الشعبية كما فعلت اثناء الألعاب الأولمبية حيث كان الشعار البارز هو قول المؤسس الروحي للاولمبياد في الصين وهو مثقف في فترة ما قبل الشيوعية يدعى زانج بولينج الذي يقول: "على الأمة العظيمة أولاً تقوية عرقها وعلى العرق العظيم تقوية جسده أولاً" لذا رأى العالم ان التحولات نحو الانفتاح وكسر بعض الجمود الفكري والتخطيط للنمو الاقتصادي على طريق الانفتاح المدروس وعلاقات السلطة بالقاعدة الشعبية......الخ بعد ماو سى تونج والذي قاده الزعيم الإصلاحي جيانغ تسه مين والذي ايضاً استند على ارث الصين الحضاري قبل الاعتماد على ما يفرضه الخارج . مما أدى إلى تقوية قاعدة الدولة والتطورات الاجتماعية مع تقوية هيبة جمهورية الصين الشعبية دولياً في حين أن خطوات جورباتشوف في روسيا ولأنه مسند الأساس المنطلق منه كان منقطعاً عن جذور التاريخ والحضارة الروسية أدت إلى الانهيار وليس التطوير الذي يقوي الدولة والمجتمع!.

وبدراسة دقيقة لمكامن خوف منفذي السياسة الأمريكية نصل إلى حقيقة خوفهم (المشوب بالحقد في كثير من الأحيان) من الشعوب المرتبطة بالأصالة وجذور تأريخهم وحضارتهم ويخطون خطواتهم نحو المستقبل والنمو والتطور بدون ترك الفراغ التربوي والأخلاقي مع هذا الامتداد وحملات العولمة والإعلام المفتوح للدعاية وتشجيع النظر إلى العالم اللامحدود والمفتوح أمام إنسان العصر الحديث وانطلاقاً من هذه الأساسيات المصطنعة نحو المستقبل من قبل مخططي السياسة الأمريكية باتجاه الهيمنة ليس إلا , محاولة مدروسة وخبيثة لقطع إنسان تلك الشعوب عن التاريخ والجذور الحضارية والأخلاقية ليكون فريسة سهلة لطموحات المهيمنين وبقدر ما تعلق الأمر بالصين ورغم إنها خففت الدعايات الأيدولوجية في الخارج ولكن التخطيط لمحاصرة التجربة الصينية باقية ضمن ثوابت السياسة الأمريكية؛ فبالإضافة إلى التوجهات الإعلامية والدعاية ضدها بحجة عدم التزام الصين بمعايير حقوق الإنسان والديمقراطية وتقوم أمريكا بدعم معارضي نظام الصين الانفصاليين في التبت وأقلية شينجيانغ ولها تحركات عملية أيضا لفتح الثغرات في سياج الصين القوي فكل الإدارات الأمريكية تدعم تايوان وتوجهاتها الانفصالية وذلك باستمرارها على تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية لتقوية قدرة المتمسكين بعدم العودة إلى الوطن الأم الصين.

في شهر اكتوبر قدم بول وولفونتز رئيس مجلس مستشاري الأمن الدولي بالخارجية الأمريكية وهو كان نائب وزير الدفاع ايام الحرب على العراق واحتلاله، دراسة مع 17 من الباحثين في الشؤون الاستراتيجية تبين أن الصين تمثل التحدي الأكبر والخطر الذي يهدد أمريكا في هذا القرن واستند في ذلك إلى التنامي الملحوظ في موازنتها وقدرتها العسكرية والتقدم الذي أحرزته على صعيد التسليح النووي (ذكرت الدراسة أن لدى الصين 100 رأس نووي على الأقل) إضافة الى محاولتها الانتشار خارج حدودها من خلال قواعدها العسكرية وقوتها الاقتصادية المتعاظمة.

أدركت أمريكا أن الصين اقتربت من أن تكون ابرز قوة اقتصادية في العالم ويتوقع أن يكون الناتج المحلي الاجمالي للصين موازيا لنظيره الأمريكي في العام 2020 ويخطط باتجاه أن يزيد عليه إلى حد الضعفين، هكذا فالغرب أمام الصين في ورطة إذ أن العقلية الاقتصادية الصينية تقود المسيرة بذكاء يتوقع أن يكون في العقدين المقبلين النمو فيها بمعدلات 7 او 8 في المئة سنوياً في حين تقديرات نمو الاقتصاد الغربي المتوقع 2 او 3 في المئة بذلك يكون الغرب أمام دفع باهظ اذا راودته فكرة عزل الصين أو مقاطعتها اقتصاديا.

 

 

شبكة الصين / 21 يناير 2011 /