الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط أ أ أ |
التسرب الاشعاعى فى اليابان يختبر مستقبل الطاقة النووية
بكين 22 مارس 2011 (شينخوا) تعرض المفاعل رقم 1فى محطة فوكوشيما للطاقة النووية باليابان لسلسلة من المشكلات من بينها انفجارات وتسرب اشعاعى اثر زلزال قوى شدته 9 درجات تبعته موجات تسونامى فى 11 مارس الجارى . وفى ضوء المخاوف العالمية من خطر التسرب الاشعاعى عمدت اليابات الى رفع تصنيف الحادث للمستوى الخامس على المقياس الدولى للحوادث النووية المؤلف من سبعة مستويات ما يعنى ان مستوى الخطورة قد وصل الى مستوى كارثة " ثرى مايل ايلاند " النووية فى الولايات المتحدة عام 1979 .
كيف أدى هذا الزلزال الى التسرب الاشعاعي فى محطة الطاقة النووية التى يفترض ان تكون مؤمنة ضد الزلازل ؟ .. هل هناك قصور ما من جانب اليابان المعرضة دائما لخطر الزلازل ؟ .. وما هى الدروس التى يمكن ان تستفيد منها الدول العالمية الأخرى من ناحية نظم الانذار والادارة فى محطاتها النووية؟ والى أين يتجه مستقبل الخيار النووى لتوليد الطاقة بعد هذا الحادث ؟ .. اسئلة كثيرة فرضت نفسها على ارض الواقع بعد هذا الحادث حاولنا ان نجد لها اجابات شافية لدى خبراء فى هذا المجال .
-- عيوب ومشكلات
لقد وضع حادث مفاعل فوكوشيما العالم امام حقيقة واضحة وهى ان مستوى الأمن فى المحطات النووية لا يمكن ضمانه بصورة تامة ومهما بلغت درجات الاحتراز والحذر، ما زال احتمال وقوع الكارثة يبقى قائما. ويرى الخبراء ان سلسلة الاضرار التى تعرضت لها المحطة النووية اليابانية قد تعود الى اسباب من بينها ارتفاع عمر المحطات وتدنى معايير مقاومة الزلازل ومواقع المحطات نفسها.
وتكشف المعلومات عن ان المفاعل رقم 1 لمحطة فوكوشيما للطاقة النووية بدأ العمل في عام 1971 أى منذ 40 عاما ما يعنى انه بلغ عمر الشيخوخة بحسب اعمار المفاعلات النووية . وتتفاوت اعمار محطات الطاقة النووية الاخرى في اليابان بين 25 الى 30 عاما. وقد اكملت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية تقرير التحليل الخاص بشأن وحدات المفاعل رقم 1 بمحطة فوكوشيما فى 7 فبراير العام الماضى حسبما ذكرت وسائل الاعلام اليابانية . وأشار التقرير الى سلسلة من علامات الشيخوخة بما في ذلك اضرار فى أوعية الضغط في المفاعل ومظاهر التآكل في نظام التبريد ونظام التخلص من نفايات الغاز .
وتبدو ايضا ان معايير مقاومة الزلازل من بين الاسباب الرئيسية المحتملة لوقوع الحادث حيث ان معايير مقاومة الزلزال فى محطات الطاقة النووية اليابانية متدنية ولا تتجاوز قدرتها على مقاومة زلزال شدته 6.5 درجة على مقياس ريختر. وقد عدلت اليابان هذه المعايير فى محطاتها النووية في عام 2006 لتصل قدرتها الى مقاومة زلازل بقوة 7 درجات. ولم ترتق حتى الآن إلا محطة واحدة من بين 55 محطة نووية يابانية الى احدث المعايير وهى محطة شيزووكا لكنها ما زالت ايضا بعيدة عن مستوى مقاومة زلزال بقوة 9 درجات.
ويبدو الأمر فى الولايات المتحدة لا يختلف كثيرا عن نظيره فى اليابان . اذ دخلت منشآت الطاقة النووية فى الولايات المتحدة حاليا مرحلة الشيخوخة . ولم توافق الحكومة الامريكية على انشاء مفاعلات جديدة من بعد كارثة مفاعل ((ثري مايل أيلاند)) للطاقة النووية فى بنسلفانيا منذ 32 عاما .ويرى المتحدث باسم الشركة العامة للطاقة النووية الروسية (روساتوم) ان حادث اليابان قد يؤدي إلى موجة لاستبدال المعدات القديمة ليس فى اليابان فقط وانما فى الدول الاخرى التى تعتمد على الطاقة النووية .
ومن جانبه, يرى تشنغ مينغ قوانغ رئيس معهد ابحاث الهندسة النووية بشركة تكنولوجيا الطاقة النووية فى شانغهاى , أن سبب فشل امدادات الطاقة الكهربائية الاحتياطية للمفاعل رقم 1 فى محطة فوكوشيما للطاقة النووية هو التسونامى . "هذه نقطة ضعف فى نظام التحكم الكهربائي في مواجهة كوارث التسونامي" , على ما يقول تشنغ , مشيرا الى ان " استخدام اليابان للجيل الثاني من تكنولوجيا الطاقة النووية سبب آخر للحادث ".
واوضح تشنغ ان محطات الطاقة النووية فى الصين تحت الإنشاء تستخدم الجيل الثالث من تكنولوجيا نظم السلامة للطاقة النووية، فلم يعد هناك مشاكل في تشغيل امدادات الطاقة الاحتياطية لتبريد الحرارة من خلال تداول المياه، "ما يعني أنها اكثر أمنا مقارنة بالجيل الثاني من تكنولوجيا محطات الطاقة النووية فى فوكوشيما ".
وقال قوانغ ان حادث المفاعل اليابانى ينبه ايضا الدول الاخرى الى اهمية اختيار مواقع المحطات النووية. اذ ان اليابان دولة معرضة دائمة لزلازل قوية ، لكن 70 فى المائة من محطاتها النووية البالغ اجمالى عددها 55 محطة كانت تبني فى المناطق التي ضربها الزلزال ، الامر الذى يضع المحطات النووية باستمرار فى مرمى كوارث كبرى.
-- التشريعات ضرورية من اجل السلامة النووية
تعرضت الحكومة اليابانية لانتقادات شديدة فى طريقة تعاملها مع الحادث واثيرت فى الوقت نفسه تساؤلات كثيرة حول مدى مراقبتها للمحطات النووية وتدابير السلامة والشفافية فى المعلومات .
وذكرت صحيفة ((يوميوري شيمبون)) اليومية اليابانية فى 12 مارس ان الحكومة اليابانية كانت سلبية بشأن التعامل مع حادث المفاعل رقم 1 فى محطة فوكوشيما .واتهم الحزب الحاكم واحزاب المعارضة الاخرى الحكومة بعدم الوعى والتباطؤ فى التجاوب مع الحادث خاصة ان الحكومة لم تقدم وصفها التفصيلي للمشكلة الا بعد خمس ساعات من وقوع الكارث .
وادعت تقارير اخرى أن الحكومة اليابانية ترددت فى التعامل مع الحادث حتى لا يعرف على وجه الدقة مدى القصور فى المحطات النووية اليابانية , وخاصة ان اليابان تعرف بتقدمها فى تكنولوجيا الطاقة النووية وتعتبرها مهمة فى استراتيجية نموها الاقتصادى وتخشى ان تتأثر مشروعاتها فى العديد من البلدان الأجنبية بمعرفة تفاصيل هذا الحادث.
كما تعرضت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية التى تدير محطة فوكوشيما لانتقادات على نطاق اوسع واتهمت باخفاء المعلومات عن الحادث والتلاعب بالبيانات. ومن المؤكد ان خطتها فى مواجهة الحوادث من هذا النوع ومدى نجاح هذه الخطة ستكون محورا فى التحقيقات التابعة.
ويرى خبراء ان موقف اليابان الرسمي تجاه الافصاح عن المعلومات حول حادث التسرب الاشعاعي يمثل احد المخاطر الرئيسية على سلامة محطات الطاقة النووية. وهذا الموقف له ما يبرره فى نظر هؤلاء الخبراء "فى ظل عدم كفاية الإشراف على المحطات النووية وعدم وجود التشريعات ذات الصلة " على النقيض من فرنسا الدولة الرائدة في الطاقة النووية في العالم.
وتعد فرنسا ثانى اكبر منتج للطاقة النووية فى العالم بعد الولايات المتحدة باجمالى 58 مفاعل نووى و 78 بالمائة من الطاقة الكهربائية المولدة فى البلاد . وترتكز صناعة الطاقة النووية الفرنسية على نظام ادارى وتشريعى قائم على أساس مبدأ الشفافية فى المعلومات.
تأسست هيئة السلامة النووية للحكومة الفرنسية في أوائل الستينيات من القرن الماضي وتكون مسؤولياتها الرئيسية وضع مبادئ السلامة النووية والاشراف على سلامة وتشغيل المنشآت النووية, أى بمعنى ادق هى "شرطة "المنشآت النووية .
وبعد تزايد حجم النفايات المشعة مع تطور صناعة الطاقة النووية, انشأت فرنسا في عام 1991 هيئة لادارة النفايات المشعة بموجب قانون, وهى هيئة مستقلة تماما عن وحدات إنتاج النفايات ومسؤولة عن إدارة النفايات المشعة في فرنسا على المدى الطويل.
وفي عام 2002، اعادت البلد الاوربى تنظيم هيئة السلامة النووية لتصبح مسؤولة ايضا عن صياغة السياسات الحكومية ووضع اللوائح وتنفيذها. وتعمل هذه الهيئة الحكومية على الاشراف على محطات الطاقة النووية , ولا تقتصر مسؤوليتها على مراقبة السلامة النووية فقط , وانما تطلع الجماهير على الوضع فى المحطات باستمرار.
ومنذ عام 2003، جرت أكثر من 250 مناقشة بين الجماهير والبرلمان حول تشريعات الطاقة وعلى اساس هذه المناقشات اصدرت الحكومة الفرنسية ورقة بيضاء للطاقة وصدرت فى عام 2005 سلسلة من سياسات الطاقة . وفى عام 2006 , صدر قانون شفافية المعلومات وسلامة الطاقة النووية . وكل هذه التشريعات يمكن ان تخفف من مخاوف الجمهور بشأن سلامة المنشآت النووية.
وعملت شركة الكهرباء الفرنسية , المشغل الوحيد للطاقة النووية في فرنسا, بنشاط على توسيع الاتصال مع الجماهير . وتقوم محطات الطاقة النووية بالتواصل المنتظم مع جميع وسائل الاعلام والهيئات المحلية المختلفة وترويج كل ما من شأنه ان يبدد مخاوف الجماهير بشأن الطاقة النووية من اوراق دعاية الى نشرات توعية , فضلا عن تنظيم زيارات منتظمة لحوالي 100 الف زائر سنويا لمحطات الطاقة النووية في جميع أنحاء الدولة.
-- جرس انذار من اليابان
مما لا شك فيه أن الاحداث التى مرت بها اليابان جاءت فى وقت حرج يزيد فيه الطلب على الطاقة وترتفع فيه اصوات تطالب بخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن استعمال الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم . وقد وصلت التداعيات السياسية والبيئية للزلزال القوي الذي ضرب اليابان الى القارة الأوروبية حيث قررت ألمانيا وسويسرا كبح برامجهما الخاصة بالطاقة النووية، ولو بصورة مؤقتة. وعقد وزراء وخبراء الطاقة النووية بدول الاتحاد الأوروبي اجتماعا طارئا في بروكسل يوم الثلاثاء خصص لمراجعة خطط الطوارئ وتدابير الأمان والسلامة المعتمدة في أوروبا , واتفقوا جميعا على إجراء اختبارات لـ143 محطة نووية موجودة في 14 بلدا أوروبيا تشمل تقييما لمخاطر أضرار محتملة جراء الزلازل أو أمواج تسونامي أو هجمات إرهابية أو انقطاع التيار الكهربائي .
ودعا وزير البيئة النمساوي البلدان إلى إجراء "اختبارات جهد" لقطاعات الطاقة النووية في بلدانهم. وفى بريطانيا، طلبت الحكومة من رئيس عمليات التفتيش النووية تقريراً شاملا حول تداعيات الأزمة في اليابان. وقال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للبرلمان "إذا كانت ثمة دروس ينبغي تعلمها، فيجب علينا أن نتعلمها".
ويتخوف الخبراء ان يؤدى الحادث فى اليابان الى انتكاسة للطاقة النووية في أوروبا حيث قامت عدد من الدول في المنطقة بإعادة إحياء أو زيادة مخططات لبناء مزيد من محطات الطاقة النووية. اذ تقوم فنلندا حاليا ببناء أكبر محطة نووية في العالم و ترغب بولندا في بناء محطتين على ساحل بحر البلطيق. أما إيطاليا، فتعتزم بناء أول محطة للطاقة النووية في البلاد في 2013
وفى هذا الشأن يحذر المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية نوبو تاناكا من الاندفاع نحو التخلي عن مشاريع الطاقة النووية، اذ قد يؤدى ذلك الى ضربة شديدة لجهود الحكومات والشعوب فى خفض الانبعاثات الكربونية والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري. ويعتقد تاناكا أن هذه الحادثة تدفع الدول الى التعلم من الخبرات وزيادة تحسين التكنولوجيا لتعزيز سلامة استخدام الطاقة النووية .
تعليق |
مجموع التعليقات : 0 |