1- وضع الأمن
 

 

في الوقت الحاضر، يشهد الوضع الدولي تغيرات عميقة ومعقدة باستمرار. ولا يزال السلام والتنمية موضوعين رئيسيين في العالم، وإن الوضع الأساسي لتطور الوضع الدولي يحافظ على استقرار بشكل عام، ولكن عوامل غامضة وغير مستقرة وغير آمنة ازدادت نوعا ما.

شهد اتجاه التعددية القطبية في العالم والعولمة الاقتصادية تطورا عميقا في خضم التواءات وانعطافات. وتطرأ تغيرات جديدة على ميزان القوى الدولية، وتتسارع مسيرة إعادة تقسيم القوى الرئيسية وتجميعها وتنسيقها وإعادة توزيع مصالحها. وتظهر تعديلات عميقة جديدة في العلاقات بين الدول الكبرى، حيث يتطور وضع تبادل المساعدة والتعاون باستمرار من جهة، ومن جهة أخرى تبادل التقييد والتنافس. وتتطور القوة الشاملة للدول النامية الواسعة باستمرار، حتى صارت قوة دافعة هامة للتعددية القطبية في العالم ولتحقيق الديمقراطية في العلاقات الدولية. وتلعب الأمم المتحدة دورا لا بديل له في الشؤون الدولية. جاءت العولمة الاقتصادية وتقدم العلوم والتكنولوجيا بفرص جديدة للتنمية، فتتسارع خطوات التعديلات لهياكل الصناعات في العالم قاطبة، ويواصل التعاون الاقتصادي الإقليمي تطوره المستمر. ويظهر نمو جديد في الاقتصاد العالمي. ويتعمق الاعتماد المتبادل بين الدول المختلفة. وتزداد المصالح المشتركة. ولكن نظاما جديدا دوليا سياسيا واقتصاديا عادلا ومعقولا لم يتم إنشاؤه بعد. لقد أخذت نزعة الهيمنة والأحادية تتطور تطورا جديدا، وتتعاقب أمواج النضال حول المناطق الاستراتيجية والموارد الاستراتيجية والسلطة القيادية الاستراتيجية وأثرت حرب العراق على وضع الأمن الدولي والإقليمي تأثيرا بعيد المدى. ويشتد عدم التوازن في تنمية الاقتصاد العالمي. ويتوسع التفاوت بين الجنوب والشمال. فيواجه الأمن الاقتصادي مشكلة جديدة.

ازداد تأثير العوامل العسكرية على تشكيلة العالم والأمن الوطني. وتسارعت خطوات التغييرات الجديدة في المجال العسكري بالعالم، ويتحول تكوين الحرب من الميكانيكية إلى المعلوماتية فأصبحت تكنولوجيا المعلومات عاملا مفتاحيا لرفع القدرات الكفاحية للقوات المسلحة. وأصبحت مواجهات النظم ميزة رئيسية للمواجهة في ميادين القتال، وصارت العمليات غير المتماثلة وغير المتصلة واللا خطية أساليب هامة للعمليات. وتعمل الدول الرئيسية في العالم على تعديل استراتيجياتها الأمنية والعسكرية وتطور الأسلحة والتجهيزات ذات التكنولوجيا العالية والجديدة، وتبدع نظريات عسكرية وتسرع في تحويل الجيوش. ما زالت تتسع الفجوة بين التكنولوجيا العسكرية القائمة على المعلومات والميكانيكية أو شبه الميكانيكية، فيتفاوت ميزان القوى العسكرية في العالم أكثر فأكثر. ويتضح بصورة أكثر دور القوة العسكرية لصيانة أمن الدولة.

تتشابك مشاكل الأمن التقليدية وغير التقليدية، وتزداد التهديدات غير التقليدية للأمن يوما فيوما. تهدأ بعض النقاط الساخنة الإقليمية، ويتعمق التعاون في الأمن الإقليمي تدريجيا. وتحرز مكافحة الإرهاب الدولي تقدما. ويتعزز التعاون الدولي في مجالات الأمن للمعلومات والطاقة والأعمال المصرفية والبيئة. بالإضافة إلى ذلك، تتعزز الجهود الدولية باستمرار في تسديد الضربات إلى الجرائم عابرة القارات والوقاية من انتشار الأمراض السارية الخطيرة وتخفيف وإغاثة الكوارث. ولكن العالم ما زال ليس في سلام وطمأنينة، فتتفاعل النزاعات الجيوبوليتيكية والقومية والدينية وغيرها من الاشتباكات مع تناقضات سياسية واقتصادية، مما يؤدي إلى حدوث حروب جزئية واشتباكات مسلحة من حين إلى حين، وتتكرر نشاطات النفوذ الإرهابي الدولي. من الصعب أن يستأصل مصدر الإرهاب استئصالا جذريا. لذا ستكون مكافحة الإرهاب مهمة شاقة طويلة الأمد للمجتمع الدولي.

إن وضع الأمن في منطقة آسيا والباسيفيك مستقر من حيث الأساس. ولا تزال منطقة آسيا والباسيفيك منطقة ذات قوة حيوية اقتصادية أشد. وتتخذ معظم الدول فيها التنمية اتجاها في صياغة سياساتها الرئيسية. وتحافظ العلاقات بين الدول الكبرى على اتجاه التحسين والتطوير. ولقد صار التشاور السلمي طريقا أساسيا لحل النزاعات. فتنتعش مختلف الأشكال من الحوار والتعاون حول الأمن يوما بعد يوم. وتلعب منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والباسيفيك دورا هاما في تعزيز النمو المشترك. لقد تم بناء آلية منظمة شانغهاى للتعاون من حيث الأساس، كما يتوسع ويتعمق التعاون في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية. فيبرز دورها في دفع السلام والاستقرار والتنمية الإقليمية. لقد أقامت الصين مع دول الآسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا) علاقات شراكة استراتيجية هادفة إلى السلام والازدهار، حيث يتطور التعاون بين الجانبين تطورا شاملا وسريعا. ويتوسع باستمرار تعاون شرق آسيا باعتبار التعاون بين الآسيان وبين الصين واليابان وجمهورية كوريا قواما رئيسيا، مما يعزز تنمية الاقتصاد الإقليمي والثقة المتبادلة السياسية والأمنية في المنطقة. إن منتدى الآسيان بصفته أهم قناة للحوار الأمني المتعدد الأطراف الحكومية في منطقة آسيا والباسيفيك، يلعب دورا إيجابيا في دفع التعاون في الأمن الإقليمي. لقد دخلت القضية النووية في شبه الجزيرة الكورية إلى مجرى التسوية السلمية عبر المحادثات، وأحرزت مسيرة المحادثات السداسية تقدما في مناقشة المشاكل الجوهرية ودفع آليتها. وقد شهد الوضع المتوتر بين الهند وباكستان هدوءا. حافظ البلدان على اتجاه الحوار السلمي.

كما تزداد العوامل المعقدة لوضع الأمن في منطقة آسيا والباسيفيك. لقد عملت الولايات المتحدة على إعادة تجميع وتعزيز وجودها العسكري في المنطقة، وتوطيد تحالفاتها العسكرية مع الدول المعنية وتسريع ترتيب نظام الدفاع الصاروخي. تعجل اليابان مسيرة إصلاح الدستور، وتعديل السياسة الأمنية العسكرية، وتطوير وإقرار ترتيب نظام الدفاع الصاروخي، وازدياد النشاطات العسكرية الخارجية. ليس أساس المحادثات السداسية متينا. فلا تزال هناك عوامل غامضة في تسوية القضية النووية في شبه الجزيرة الكورية. مازالت التهديدات الإرهابية والانفصالية والتطرف شديدة، والتهريب والقرصنة وتجارة المخدرات وغسل الأموال وغيرها من الجرائم المتعددة الجنسيات متفشّية. وتواجه كثير من الدول مهمات شاقة في ناحية إزالة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة وتقوية الأمن في الصحة العامة وغيرها من النواحي.

إن وضع العلاقات بين جانبي مضيق تايوان خطير. فسلطة تشن شوي بيان تستفز متعمدة الأمر الواقع المتمثل في أن جانبي المضيق ينتميان إلى صين واحدة، وتصعد نشاطات "استقلال تايوان" بهدف تقسيم الصين بكل الوضوح. ويدعو تشن شوي بيان بلا انقطاع إلى موقف انفصالي يتمثل في "على كل جانب بلد"، ويقوم بنشاطات انفصالية داعية إلى صنع"استقلال تايوان" باستخدام "استفتاء عام"، ويحرض مواطني الجزيرة على معاداة البر الرئيسي ويشتري كميات ضخمة من الأسلحة والتجهيزات الهجومية. ولم يتخل عن المحاولات لتحقيق "استقلال تايوان" عبر صياغة ما يسمّى "دستور تايوان الجديد"، وما زال يترقب فرصة لخلق حادث "استقلال تايوان" الخطير باستخدام ما يدعى "إصلاح الحكم الدستوري". إن نشاطات "استقلال تايوان" الانفصالية تشكل أكبر خطر واقعي يهدد سيادة الصين ووحدة أراضيها ويضر بالسلام والاستقرار على جانبي مضيق تايوان ومنطقة آسيا والباسيفيك مع مرور الأيام. وإن الولايات المتحدة أكدت مرات على أنها تتمسك بموقف سياسة الصين الواحدة والالتزام بالبيانات الثلاثة ومعارضة "استقلال تايوان". ولكنها تزيد كميات وأنواع الأسلحة والتجهيزات التي تبيعها إلى تايوان، وتبعث إشارات خاطئة إلى قوى "استقلال تايوان" الانفصاليين، كل ذلك لا يصلح لاستقرار الوضع في مضيق تايوان.

في عالم متعدد ومتنوع ومتبادل الاعتماد، تحسنت بيئة الأمن الوطني الصيني ككل، ولكنها تواجه أيضا تحديات جديدة. إن قوى "استقلال تايوان" في تطور سيئ، والتفاوت في التكنولوجيا العسكرية الذي يسبب التغييرات الجديدة في المجال العسكري، والمخاطر والتحديات التي جاءت بها التنمية لاتجاه العولمة الاقتصادية وتناقضات القطب الواحد وتناقضات تعددية الأقطاب القائمة طويلة الأمد، كل ذلك يؤثر تأثيرا شديدا على الأمن الصيني. ومهما كانت التغيرات في الأوضاع الدولية، ومهما كانت الصعوبات والتعقيدات، فسوف تدافع الصين بحزم عن سيادة الدولة وأمنها، وتدفع مع شعوب مختلف الدول في العالم تقدم قضية سلام وتنمية الإنسانية السامية.