ماذا بعد ثلاثين عاما من الإصلاح والانفتاح؟
خلال ثلاثة عقود من الزمان قطع الصينيون شوطا طويلا على طريق التنمية، وأنجزوا ما استلزم من آخرين مئات السنين لتحقيقه. كانت البداية مع الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني التي عقدت في بكين من الثامن عشر حتى الثاني والعشرين من ديسمبر 1978. كان لهيب الثورة الثقافية لا يزال ماثلا في الأذهان، ففوضى السنوات العشر لذلك الحدث المدمر أتت على الأخضر واليابس، وكان لا بد من إصلاح المسار. كان القرار الذي اتخذته تلك الدورة هو أن يغير الحزب ويعدل مركز ثقل عمله، وبمعنى أكثر وضوحا، أن يركز على الإصلاح ويخفف من الجدل العقائدي. وقررت الدورة، التي برز فيها دنغ شياو بينغ كنواة للمجموعة القيادية الجديدة، تبني سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج.
بدأت مسيرة الإصلاح الاقتصادي في شنتشن، حيث تقرر جعلها منطقة اقتصادية خاصة عام 1979، وزارها دنغ شياو بينغ عام 1992 وألقى بها كلمة صارت دستورا للعمل الاقتصادي في الصين، حيث أكد على أن "السوق موجود في المجتمع الاشتراكي، والتخطيط موجود في المجتمع الرأسمالي، ويتعين على المجتمع الاشتراكي تطبيق اقتصاد السوق، وإلا سيدخل في طريق مسدود". وتحولت قرية الصيادين التي كانت مساحتها ثلاثة كيلومترات مربعة يسكنها 24 ألف نسمة إلى مدينة مساحتها أكثر من ألفي كيلومتر مربع ويقطنها أكثر من سبعة ملايين نسمة.
تكررت تجربة شنتشن، وانتقل المد من جنوبي الصين إلى وسطها وشمالها وغربها مع تبني استراتيجية التنمية الكبرى للمناطق الغربية، واستراتيجية النهوض بالقاعدة الصناعية القديمة في الشمال الشرقي.
صارت الصين قوة اقتصادية وسياسية مؤثرة تلعب دورا مسئولا على الساحة الدولية. وتكشف سلسلة المقالات التي ننشرها في هذا العدد لأقلام عربية، عن صورة الصين في الخارج بعد ثلاثين عاما من الإصلاح والانفتاح، حيث تكاد تتفق الآراء على أن ما حققته الصين جدير بالدراسة والإعجاب، ويصفه البعض بالمعجزة.
ولكن تجربة التحول الاقتصادي في الصين لم تكن يسيرة، فقد أفرزت تلك المرحلة أيضا عددا من المعضلات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، فمن توسع فجوة الثراء بين مناطق الصين ومواطنيها إلى شح الموارد وخاصة في مجال الطاقة، ومن تلوث البيئة بأضراره البالغة على المواطن الصيني وعلى مستقبل التنمية إلى مشكلات التوظيف والمساكن الخ. وقد وعت الحكومة الصينية في فترة مبكرة تلك المعضلات وتسعى جاهدة للتعامل معها بشكل يحقق الانسجام والتوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبين البيئة والموارد، فطورت الصين ما يسمى بالاقتصادي الدوري أو التدويري ومفهوم التنمية العلمي والاقتصاد المقتصد للموارد والمجتمع المتناغم، في مسعى حثيث لتأمين مستقبل الأجيال القادمة.
شبكة الصين /21 أكتوبر 2008/
|