سوتشو الواقعة بشرقي الصين إحدى المدن الصينية المشهورة تاريخيا وثقافيا، وتشتهر بحدائقها الأنيقة الجميلة في العالم.
يعود تاريخ حدائق سوتشو إلى عهد الربيع والخريف في القرن السادس قبل
الميلاد، ثم ازدهر بناء الحدائق في سوتشو وازدادت الحدائق المشهورة
بها مع مرور الأيام. في فترة أسرتي مينغ وتشينغ (1368 إلى 1911) كانت
سوتشو المنطقة الصينية الأكثر ازدهارا، وتنتشر الحدائق الخاصة داخلها
وخارجها. دخلت الحدائق في سوتشو أوج ازدهارها في الفترة ما بين القرنين
الـ16 والـ18، وتجاوز إجمالي عددها 200، ولا تزال عشرات منها في حالة
جيدة حاليا. منها حديق تشوتشنغ وحديقة ليويوان وحديقة وانغشي وحديقة
هوانشيوي التي تعتبر الأعمال النموذجية لحدائق سوتشو.
أثناء تطور حدائق سوتشو تشكل نظامان رئيسيان لها: الحدائق الإمبراطورية
والحدائق الخاصة. معظم الحدائق من النظام الأول حول مدينة بكين بينما
الحدائق بمدينة سوتشو تنتمي إلى النظام الثاني. بسبب الفرق من حيث
السياسة والاقتصاد والثقافة والظروف الطبيعية والجغرافية، هناك تباين
واضح بينهما من حيث الحجم وتوزيع المباني وأسلوب البناء والألوان،
تبدو الحدائق الإمبراطورية ضخمة ومنظمة وفاخرة بينما تبدو الحدائق
الخاصة صغيرة وبديعة وأنيقة وحرة.
تجمع حدائق سوتشو الكلاسيكية المساكن والحدائق معا، وهي صالحة للتمتع
والزيارة والسكن، يعتبر هذا الأسلوب نوعا من الإبداعات في المدن ذات
تعداد السكان الكبير وتفتقر إلى المناظر الطبيعية ويسعى السكان فيها
لتحقيق الانسجام بين الإنسان والطبيعة. وحديقة تشوتشنغ وحديقة ليويوان
وحديقة وانغشي وحديقة هوانشيوي ذات الأنماط المعمارية الكاملة، تعرض
بصورة نظامية وكاملة التوزيع والتركيب والتشكيل والأسلوب والألوان
والزخارف والأثاث والمعروضات لحدائق سوتشو، فهي من الأعمال النموذجية
للبنايات الشعبية بجنوب الصين في عهد أسرتي مينغ وتشينغ، وتعكس حضارة
السكن في مناطق جنوبي الصين ذات الدرجة العالية من الحضارة في تلك
الفترة، وأثرت في الأسلوب المعماري في المدن بجنوبي الصين في فترة
من الفترات، وجذبت التصميم والفكر والتوزيع ونظرية الجمال وتكنولوجيا
البناء للبناء الشعبي إليها، فجسدت المستوى التكنولوجي والنجاح الفني
لعلوم بناء المدن في تلك الفترة.
أسماء هذه الحدائق واللافتات المعلقة في بعض الأماكن فيها وأعمال
النقش والأنصاب الحجرية والزخارف والزهور والأشجار والصخور فيها ليست
فقط من الأعمال الفنية الرائعة بل تختزن كمية كبيرة من المعلومات التاريخية
والثقافية والفكرية والعلمية والمضامين المادية والروحية العميقة.
منها مضامين تعكس الفلسفات الكونفوشيوسية والطاوية والبوذية والمذاهب
الفكرية الأخرى؛ ومضامين تعمم نظريات في الحياة وتهذيب العقل؛ ومضامين
مأخوذة من الشعر والنثر القديم تمتع النفوس.يُحتفظ دائما في هذه الحدائق
بالأعمال القيمة لفن الخط والرسم للخطاطين والرسامين الصينيين المشاهير
القدماء، وهي ذات قيمة أثرية كبيرة. إلى جانب ذلك، يعكس الأسلوب المعماري
لهذه الحدائق أساليب الحياة والعادات والمراسم الشعبية بجنوب الصين،
فهي معلومات مادية لدراسة العادات والتقاليد الشعبية القديمة في جنوب
الصين.
في السنوات الأخيرة ينتشر الفن المعماري بحدائق سوتشو إلى خارج الصين
تدريجيا.. ينيت قاعة مينغشيوان في متحف متروبوليتان في نيويورك على
غرار قاعة ديانتشونيي بحديقة وانغشي في سوتشو؛ وحديقة تشونغيوان في
الحديقة المركزية في عاصمة كندا بنيت وفقا لحديقة سوتشو التي بنيت
في فترة أسرة مينغ. هذا دليل على أن الفن المعماري التقليدي لحدائق
سوتشو ينتشر بل يتعاظم. وأدرجت حديقة تشوتشنغ وحديقة ليويوان وحديقة
وانغشي وحديقة هوانشيوي وحديقة تسانغلانغ وحديقة شيتسي وحديقة ييبو
وحديقة اويوان وحديقة تويسي في قائمة التراث الثقافي العالمي المنظمة
المم المتحدة للثقافة والتربية والعلوم (اليونسكو) وهو ما يعني أن
حدائق سوتشو قد اتجهت إلى العالمية.
|