يبدو أن ثمة علاقة قدرية بيني وبين السيد علي عقلة عرسان وزوجته. عندما زارا الصين لأول مرة عام 1983، استقبلتهما. في الخريف الماضي، عندما كانا في زيارتهما الرابعة للصين رافقتهما طول زيارتهما.
مرت الأيام بسرعة، لكن الزمن لم يترك كثيرا من بصماته عليهما. مازال على عقلة عرسان فصيحا مرحا لبقا، بينما مازالت زوجته كريمة جميلة. علي عرسان كاتب مسرحي، وزوجته كاتبة متخصصة في أدب الأطفال، من أعمالها المشهورة <<الراعي والأفعى>>. زوجان محبان وصديقان يشاطران السراء والضراء؛ يتناقشان و يتجادلان حول العديد من الأمور. قام السيد عرسان بهذه الزيارة السريعة من أجل استكمال بعض المعلومات لكتاب حول الصين يؤلفه حاليا، وليتفق مع إحدى دور النشر الصينية حول ترجمة 100 مؤلف عربي ونشرها في الصين لتوثيق التبادل الأدبي بين الدول العربية والصين.
في طريق الرحلة كان متأثرا بالتغيرات الهائلة التي شهدتها الصين، حيث قال: "عندما زرت الصين لأول مرة، كان الكتاب الصينيون يتحدثون كثيرا حول النقد للثورة الثقافية و"أدب الجروح". وقليلا ما نجد المحبين في الشوارع، وكان الناس يلبسون الأزياء بنفس اللون تقريبا، والسيارات قليلة، لا توجد في الشوارع إلا الدراجات. في زيارتي الثانية للصين وجدت أن الكتاب الصينيين بدأوا يتحدثون عن الفترة الجديدة للصين، وكانت أفكارهم نشيطة، وازداد عدد السيارات الأجنبية، وتعبيرات وجوه الناس أصبحت أكثر صفاء.. في زيارتي هذه وجدت أن بكين وشانغهاي شهدتا تغيرات هائلة، فقد أصبحتا مدينتين جديدتين كل الجدة، وأصبحت تعبيرات وجوه الناس أكثر ثقة بالنفس واطمئنانا، والأزياء ملونة وجميلة، خاصة أزياء الشباب مثل أزياء الشباب في الدول الغربية المتقدمة تماما. العمارات العالية مثل الغابات، والبضائع في المتاجر كثيرة ومتنوعة ومبهرة للعيون. الهاتف المحمول والكمبيوتر ومقاهى الإنترنت والإعلانات الأجنبية تُرى في كل مكان. تغيرات بكين وشانغهاي صورة مصغرة للإصلاح والانفتاح الصيني، وتبشر بتوجه تطور الصين في المستقبل.
منذ عشرين عاما يتابع السيد علي بدقة التطورات والتغيرات في الصين، وأقام علاقات بين الكتاب الصينيين والسوريين بصورة عملية، فقد أصدر أكثر من مرة "عددا خاصا حول الأدب الصيني" في فصلية <<الأدب الأجنبي>> التي يصدرها اتحاد الكتاب السوريين. عندما زرت سوريا قبل عدة سنوات، طرح كاتب سوري سؤالا في إحدى الندوات للكتاب الصينيين والسوريين، وقال السيد علي الذي كان يترأس الندوة مبتسما: "لا داعي أن يجيب الأصدقاء الصينيون عن هذا السؤال، يمكنني أن أجيب نيابة عنهم."فأجاب عن السؤال بكلمات موجزة ودقيقة وحيوية، فضحك الكتاب من البلدين وصفقوا.
في هذه الزيارة كان يحمل معه دفتر وكاميرا فوتوغرافية وكاميرا فيديو. في المساء كان يسجل كل ما سمع ورأي على الكمبيوتر. يعمل في الطائرة والسيارة وعلى مائدة الطعام وأثناء السياحة، كأنه ليس كاتبا كبيرا مشهورا، بل صحفي صغير مبتدئ يريد أن يعرف كل شيء. فأدهشني اجتهاده ودقته، وأعترف بأني أضعف منه في هذا المجال. لماذا له هذه القوة والحيوية والقدرة على الإبداع؟ لأن له قلب طفل برئ.
على مائدة الطعام كان يستخدم عصي الطعام بمهارة فائقة مثل الصيني تماما، حيث يلتقط حبة منن الفول السوداني أو حبة من البسلة بسهولة. لا يحب الأطعمة الصينية فحسب، بل يتذوقانها بإحساس خاص. قال السيد علي: "في الصين لا أشعر بأنني غريب، لذلك أرفض استخدام السكين والشوكة هنا، بل أصر على استخدام عصي الطعام. أحب الصين. وأرى أنني في الصين، فلابد أن استخدم عصي الطعام وأتناول الطعام الصيني مثل الصينيين، وأغرق في الجو الصيني، حتى أتذوق "الخلفية الثقافية" للأطعمة الصينية، وأعرف الصين بصورة افضل. بالطبع أنا متعود على السكين والشوكة، واستخدام عصي الطعام نوع من التحدي لي، لكنه أسلوب نعبر به عن مشاعرنا تجاه الصين. تاريخ عصي الطعام أعرق من السكين والشوكة، وهي علمية وصحية وسهلة، تقاوم الأحماض والقلويات، فهي نوع من الاختراعات العظيمة.."
عندما يسمع الذين لا يعرفونه جيدا حديثه حول عصي الطعام والأطعمة الصينية، قد يعتقدون أنه عالم يبحث في الطهي الصيني والأطعمة الصينية، و يصعب عليهم أن يتصوروا أنه رئيس اتحاد الكتاب السوريين وكاتب وناقد مشهور.
بدأ السيد على يحب الأدب ويعبر عن مشاعره بالشعر والنثر وهو في المدرسة المتوسطة. ثم التحق بكلية علمية في جامعة دمشق، لكنه كان يفضل دراسة المسرح فانتقل إلى معهد المسرح بالقاهرة. في عام 1964، كان عمره 24 عاما، كتب أول سيناريو درامي حديث <<ضيف في الليل>>، عرض الدراما في أنحاء بلاده ثم تحول إلى فيلم. ثم درس في معهد المسرح بباريس وعمره 26 عاما، بعد عودته منه إلى سوريا عمل مخرجا ومدير للمسرح بسوريا ورئيس اتحاد المسرحيين السوريين ومساعد وزير الثقافة السوري، وتولي منصب رئيس اتحاد الكتاب السوريين عام 1977. نشر 25 مؤلفا للمسرح والشعر والنقد المسرحي والقصص والمقالات حول السياحة والنقد الأدبي العربي والتعليقات حول الأحداث السياسية، وترك تأثيرا واسعا في سوريا وفي العالم العربي.
قال السيد على: "الكتابة هي أسلوب حياتي، وتحديي للواقع، كما أنها وسيلة لتغيير مصيري وتحرير نفسي والتعبير عن حبي للوطن.
شبكة الصين / 25 مارس 2003 /