قد سمعنا كثيرا من الأساطير الساحرة عن الفراعنة، وقد كنا نشعر بخوف شديد من أبي الهول. هذا الشعور الشديد في قلوبنا لم يظهر، كما كنّا نتصوره، عندما وصلنا إلى سفح الأهرام ووقفنا أمام أبي الهول. ولكنه أفادنا في هذه الرحلة "رحلة الهرم" ، اذ أنه جعلني أشعر بشيء آخر مختلف عن الحضارة الفرعونية القديمة…
كنّا – نحن الثلاثة – نركب سيارات المكروباص المحلية في الطريق إلى الأهرام . لاح من بعد أمامنا مقبرة الفرعون خوفو، أكبر هرم في العالم ، والذي شهدناه أكثر من مائة مرة في الصور والأفلام والتلفزيون ...
بعد أن نزلنا من الباص ، واصلنا الطريق مشيا، بعد ثلاث أو خمس دقائق وصلنا إلى هرم خوفو ولمسناه بأيدينا حقا . واختلافا عمّا تصورناه قبل ذلك، فقد كنّا نتخيل مجموعة من العمالقة في نهر التاريخ واقفين في أعماق الصحراء، يحكون للإنسان الحضارة الفرعونية القديمة ... فهذه التحف النفيسة الشاهدة على تاريخ خمسة آلاف سنة، قريبة جدا من المدنية الحديثة، كأنها " حديقة في ميدان " في وسط المدينة بين السيارات والضوضاء...
لم نبق هناك طويلا ، ساعة ونصف فقط، وقد شهدنا خلال هذه الفترة القصيرة شخصيات كثيرة مختلفة، منها السمسار، التاجر الصغير، الجمّال السياحي ...
أما الذي ترك انطباعا عميقا لدينا، فهو المشهد الذي شهدناه أمام هرم خوفو :
ثلاثة أهرامات صغيرة أمام هذا الهرم العظيم وهي لزوجاته الثلاث . أما الآن على أحد أحجار الهرم الأوسط من هذه الأهرام الثلاث يجلس عاشقان كتفا بكتف، متمتعين بدنياهما المحبة ...
لم يكن في عيونهما خوف ، ولا لعنة الفراعنة، ولا نحن - هؤلاء المارّة ، إنما في قلوبهما شيء واحد وخالد ، هو " الحب "!
ربما قد تعارف هذان الحبيبان في الجامعة، أو تصادفا في حفلة، فتعرفا وتحابا وعشقا .. إنهما اختارا هذا المكان أمام الهرم، راغبين في الحصول على الحب الخالد، مثل ما كان بين الفرعون وزوجته، من التاريخ إلى اليوم، من الحياة إلى الموت.
كنت أتخيل أنه اذا شهد الفرعون هذين العاشقين، فسوف يحسدهما، اذ أنه بصفته ملك الأرض وابن إله الشمس، يملك كل شيء على الأرض، ولكنه لا يستطيع أن يعرف الحب بحرية والمحبة النقية.
لم يكن أبو الهول مخيفا للناس كما كان في الأمس، لقد فقد غطرسته كلها بعد أن سقط أنفه منذ قرون، كما تخصص الحكومة المصرية رجالا وأموالا للصيانة الكاملة لهذا التمثال التاريخي العظيم ، والذي تنحته الرياح والرمال والسياح ...
أنظر إلى أبي الهول الكبير وهو يلقى نظره إلى الأمام : قد صارت القاهرة مدينة حديثة كبيرة.
أبو الهول العملاق الذي شهد تاريخ الإنسان في خمسة آلاف سنة، الآن يشهد السيارات والطائرات والمباني والتلوث ...
ففي أي شيء يفكر ؟ !
موجز عن الكاتب :
طالب باحث في الحضارة الإسلامية والعربية، يدرس في كلية اللغة العربية بجامعة الدراس الأجنبية ببكين. يحب اللغة العربية وحضارتها، ويحب الشعب العربي ويتعشق الصداقة معهم…
العنوان :
Mr. Shen Hao
( احسان شن )
P.O. Box : 36#
Arabic Language Institute
Beijing Foreign Studies University
Beijing , CHINA
( الرقم البريدي : 100089 )
E-mail: ihsanshen@yahoo.com