ثقافة

اقتصاد

دوليات

محليات

المحاضرة الأولى في جامعة القاهرة

احسان شن

تقع جامعة القاهرة جنوب غربي القاهرة – عاصمة مصر العريقة الحضارة. وتعتبر الجامعة واحدة من الجامعات المشهورة في العالم، كما يمكننا أن نرى اسمها مكتوبا في مقدمة قائمة جامعات العالم كله.

وقد أسعدني أن تتيح الحكومة لنا فرصة ذهبية لنكمل الدراسة في هذه الجامعة ، لنفتح أبواب هذا البرج العاجي ونجد الأسرار فيه .

عندما وضعت خطوتي الأولى في حرم الجامعة، أعجبني جماله ونظافته من كل أنحائه، المباني ترتفع هنا وهناك وتمتد البساتين بمختلف ألوانها وأنواعها. كل هذا سحّر قلبي وأسكّرني حتى لم أستطع الحركة ...

أخيرا دخلت حجرة الدرس وجلست مستعدّا لمحاضرتي الأولى في جامعة القاهرة.

بعد أن استقررت في المقعد ، وجدت أن الحجرة ليست حجرة بل هي " قاعة " بكل المعنى، وأنها تسع لمئات الطلاب معا . ذلك لأن طلبة جامعة القاهرة يبلغ عددهم حوالي مائتي ألف . فتنقسم قاعات الجامعة إلى نوعين، كلاهما حجمه جيد لكي يقدم مكانا كافيا لهذا العدد الكبير . هذان النوعان أحدهما يسمى بـ" القاعة " يكون فيها سبعون أو مائة مقعد تقريبا . والنوع الثاني هو " المدرج " الذي يسمى بميزة شكله المدرج والذي يسع لثلاثمائة طالب أو أكثر من ذلك .

بدأت أتمتع بجمال الرموز الإسلامية المرسومة على سقف القاعة، حين ذاك تجمع الطلبة المصريون إلي، الذين كانوا جالسين في مقاعدهم.

" السلام عليكم ! "

" من أي بلد أنت ؟ أهلا بك . "

وجدت صداقتهم وحرارتهم من عيونهم وابتساماتهم، كنت أشعر بأنني بين أصدقائي القدماء وأصحابي الأعزاء …

لقد مضت عشر دقائق على موعد المحاضرة، ولم يأت الأستاذ، فنظرت إلى باب القاعة وهو لا يتحرك ، فتعجبت. وفهم طالب يجلس بجانبي ما تعجبت له، فقال مبتسما :

" دائما ما يتأخر أستاذ الجامعة بمصر . اذا تأخر عشر دقائق أو عشرين دقيقة، فهذا " عادي"؛ اذا تأخر بساعة واحدة، أو حتى لم يأت، فذلك أيضا ‘ماشي’ (من العامية المصرية بمعنى ‘لا يوجد أي مشكلة ’) … "

وفي هذا الوقت صعد طالب من الطلاب إلى المنصة وكتب شيئا على السبّورة وبدأ يتكلم كأنه أستاذ. فتعجبت للمرة ثانية أكثر . وسألت الآخرين ، فأجاب البعض :

" إن هذا هو أسلوب الدراسة في جامعة القاهرة . اذا تأخر الدكتور، يمكن لأي طالب أن يلقي كلمته على المنصة ليظهر فكره ورؤيته . وتطول هذه الكلمة كما يشاء طالما غاب الدكتور .

فقلت لهم : " لم يأت الدكتور، فنحضر مع أستاذ آخر . " فضحكوا ...

عندئذ دخلت الدكتورة القاعة صعدت المنصة ووضعت حقيبتها على المكتب وجلست بهدوء .

عاد الذين كانوا يحيطون بي إلى مقاعدهم، وأيضا نزل ذلك " الدكتور الثاني " من المنصة ورجع إلى مكانه .

بدا أن الدكتورة قد رأتني " الضيف الغريب"، فابتسمت لي معبّرة عن ترحيبها، ولا غير ذلك في عينيها .

كان عمرها يتراوح بين الثلاثين والأربعين، ليست كبيرة، ولكنها تتميز بخبرة ومهارة في التدريس . كانت المحاضرة رائعة جدا !

وتوقفت الدكتورة فجأة والتفتت حولها، باحثة عن شيء ما.

فوقف عدد من الطلبة واتجهوا إلى المنصة وكل واحد منهم كان في يده طبشورة ، ما تبحث عنه الدكتورة .

بين الأساتذة والطلاب في هذه الجامعة مثل هذه العادة الجميلة ! ما أعظم هذه المحبة! بدأ يسري في قلبي دفء ...

هزّت الدكتورة رأسها مبتسمة، تعبيرا عن شكرها لهم، وكتبت شيئا على السبورة، ثم جلست لتكمل المحاضرة .

مع مرور الوقت، أصبح الجو حارّا منعشا. تلقى الدكتورة أسئلتها، ويقبل الطلبة على الإجابة برفع أيديهم، وهذا المظهر ذكرني بالمدرسة الابتدائية في بلدنا ...

أدهشني أن الدكتورة طلبت مني أن أجيب سؤالها، وسألتني هل حصلت على الكتاب أم لا. فطأطأت رأسي ناظرا إلى المنضدة التي لا كتاب عليها، وترددت في الإجابة في الوقت نفسه، قدم الطلبة الجالسون حولي كتبهم إلي، فهززت رأسي لهم متشكرا متأثرا، ووقفت باحترام وأجبت السؤال "Exellent " ! حصلت على ثناء الدكتورة الكريمة.

" الوقت كالسيف ". مضت ساعة واحدة ونصف بسرعة وانتهت المحاضرة . فتجمع الأصدقاء المصريون الكرام حولي مرة أخرى ...

هذه هي المحاضرة الأولى لي في جامعة القاهرة . ما درسته فيها ليس محاضرة من الدكتورة فحسب، وإنما درس حيوي من الشعب المصري، وخاصة الطلبة المصريين، من كرمهم وسخائهم، من صفائهم وإخلاصهم ...

موجز عن الكاتب :

طالب باحث في الحضارة الإسلامية والعربية، يدرس في كلية اللغة العربية بجامعة الدراس الأجنبية ببكين. يحب اللغة العربية وحضارتها، ويحب الشعب العربي ويتعشق الصداقة معهم…

العنوان :

Mr. Shen Hao

( احسان شن )

P.O. Box : 36#

Arabic Language Institute

Beijing Foreign Studies University

Beijing , CHINA

( الرقم البريدي : 100089 )

E-mail: ihsanshen@yahoo.com