تذوقت لأول مرة الخبز العربي الذي يشبه البدر في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر. كنت في زيارة للمملكة العربية السعودية، حيث عشت أياما ملؤها الفرحة والبهجة. يدهشني كل شيء في هذه المدينة العجيبة.
ذات مساء، كنت أتمشى أمام صف من البنايات الحجرية القصيرة، جاءت رائحة من بعيد كأنها ضباب خيالي تنتشر بهدوء في الشمس التي تتجه نحو المغيب رويدا رويدا؛ كلما تقدمت نحو تلك البنايات، تكاثفت هذه الرائحة التي يصاحبها صوت جميل. إنه صوت طحين القمح وهو يتحول إلى خبز ذهبي.
متجر خبز صغير قديم تتراقص فيه ألسنة اللهب الحمراء في فرن حجري. يضع الخبازالعجين الطري في لوح خشبي طويل ويمده داخل الفرن، فيبدأ العجيب يغير مضغته وعظامه أمام انصهار الحرارة العالية، لتخرج من الفرن أقراص ذهبية ترسل أشعتها في كل اتجاه. يكون هذا الخبز الكبير والمستدير منتفخا بدون أية طية. أجلس على المقاعد الحجرية خارج المتجر شاعرا أن ما أحمله ليس خبزا، وإنما أسطورة جميلة وقديمة لهذا البلد العجيب.
دعيت إلى بيوت العرب عدة مرات في ذلك البلد ذي العادات والتقاليد المميزة. يتنقل الخبز الكبير ملفوفا بقطعة من القماش الخفيف حول المائدة، يأخذ كل من يجلس حول المائدة قطعة من نفس الخبز، ويفوح عبق الصداقة الكثيفة من الشفتين والأسنان عند علك الخبز، فتدخل جوفي كثير من القصص المثيرة التي أشهدها خارج وطني وتستمر في رحلتها لتخرج في مداد قلمي... ربما تعطيك هذه المدينة شعورا بالانغلاق أو التحفظ، ولكن عندما ترى أبناء السعودية يشاطرون الخبز في بيوتهم، تشعر بنوع من الصداقة المخلصة.
ذات يوم، رأيت صورة ممتعة وأنا أتصفح مجموعة من الرسوم الباكستانية: سيدة متوسطة العمر تسير في درب وعر فوق رأسها أربعة أرغفة خبز كبيرة ضامرة، وعلى ظهرها سلة ثقيلة فيها طفل صغير. تلامس شمس الأصيل وجهها الذي يعكس رضاها عن الحياة. تحمل الطعام فوق رأسها وتحمل ابنها على ظهرها، فتشعر أنها ثرية وتمتلك هذا العالم.
تأثرت بتلك اللوحات الجميلة وقررت السفر إلى أرض باكستان القديمة. أينما وصلت هناك شعرت كأني في بيتي، الناس هنا راضية سعيدة. كلما مررت بمتجر الخبز القديم ورأيت الخبز الكبير المستدير شاهدت دائرة من الابتسامات الطائرة. فيما بعد، تعرفت على عالم مشغول بالحكم والحكمة. كلما جلست أتناول الطعام معه يكون النزاع الهندي والباكستاني طبقا ضروريا على المائدة، وكلما تطرق الحديث إلى السيادة على كشمير، تحولت ابتسامة وجهه إلى شرر يتطاير من عينيه، فأشتم من كلماته رائحة النيران والدم . أقشر الخبز وآكله بهدوء، لكن المدهش أن طعم الخبز مر وقابض. هل الخبز في تلك البيئة المترعة بالعداوة أصيب بمرض نفسي؟
الصين اليوم / أغسطس 2005 /