لم يواصل حكام أسرة مينغ تطويرازدهار الملاحة الصينية الذي حققته رحلات تشنغ خه البحرية، بل أوقفت الرحلات البحرية وصناعة السفن المناسبة للرحلات البحرية البعيدة، وبدأت تطبيق سياسة الحصار البحري، فتحولت الملاحة الصينية من الازدهار إلى التدهور. قال البروفيسور /لي جين مينغ/ المشرف على رسائل الدكتوراه بمعهد بحوث شرون جنوب شرقي آسيا بجامعة شيامن إن أهم سبب إيقاف النشاطات الملاحية لتشنغ خه هو أن كل هذه النشاطات كانت تسيطر عليها السلطة الإمبراطورية، مما وضع النهاية المأساوية لإيقافها. وكانت الأسباب الملموسة كما يلي:
أولا، ضعف خزانة الدولة في النهاية بسبب تنفيذ سياسة "التكاليف الكبيرة والدخول القليلة.كان يجب الاهتمام بالعائدات الاقتصادية في إقامة أي مشروع، يمكنه أن يتطور باستمرار إذا كان المحصول أكبر من الاستثمار. كان أسطول تشنغ خه يضم عددا ضخما من العسكريين والعاملين ويتكلف أموالا ضخمة، وحمل في كل رحلة هدايا غالية، بينما كانت الهدايا والجزية الضخمة التي تأتي من خارج البلاد تقدم إلى البلاط الإمبراطوري والأرستقراطيين ليتمتعوا بها، فضعفت خزانة الدولة في أسرة مينغ التي كانت تدعم رحلات تشنغ خه. لذلك لم تستطع هذه "التجارة الخاسرة" المخالفة لقانون الاقتصاد أن تستمر.
ثانيا، بعد تحقيق الهدف السياسي انخفضت المكانة الهامة للنشاطات الملاحية. في بداية أسرة مينغ أثر اشتداد عمليات القرصنة على العلاقات الودية بين أسرة مينغ ودول جنوب شرقي آسيا. كان هدف المرحلة الأولى لرحلات تشنغ خه البحرية فتح الخطوط الملاحية والقضاء على القراصنة اليابانيين، والحفاظ على العلاقات المستقرة مع الدول في البحار الواقعة غرب الصين. بعد رحلات تشنغ خه البحرية السبع، رأى حاكم أسرة مينغ أن الهدف السياسي قد تحقق، والخطوط الملاحية سهلة، ولم تكن نشاطات الملاحة مهمة.
ثالثا، احتكرت أسرة مينغ التجارة البحرية وكبحت تطور تجارة الأفراد، ومنعت قيام الأفراد بالتجارة الخارجية عبر البحار، حيث نص قانون أسرة مينغ على أن يعدم الشخص الذي يقوم بالتجارة عبر البحار بدون إذن. كانت قوة الدولة بدأت تضعف منذ فترة حكم الإمبراطور ينغ تسونغ، واشتدت حالة ضم الأراضي داخل البلاد، وعاش أبناء الشعب في الفقر والضنك، فترك كثير من الفلاحين الزراعة للقيام بالتجارة، لأن الدخل من التجارة عبر البحار كبير نسبيا، فتحول هؤلاء تدريجيا إلى من سمتهم الدولة بـ"القراصنة". الأمر الذي قلل من دخل الدولة الإقطاعية وأثر في سياستها. فأوقفت أسرة مينغ الرحلات البحرية بعد انتهاء تشنغ خه من رحلته البحرية السابعة، وبدأت أسرة مينغ تنفيذ سياسة الحصار البحري االصارم.
رابعا، كان أسطول تشنغ خه ضخما جدا، مما أثار انتقادات من المسؤولين الحكوميين. في كل رحلة كان تشنغ خه يقود 20-30 ألف عسكري وعامل، وأسطوله يتكون من نحو مائة سفينة، وتكون دورة الرحلة طويلة جدا بين 2-3 سنوات، والفترة بين كل رحلتين قصيرة، وعدد الموتى والجرحى كثيرا، فكان من الصعب استمرار الرحلات. حسب المعلومات المتاحة، في فترة حكم الإمبراطور يونغ له، بلغ عدد السفن التي صنعت جديدا أو أصلحت نحو ألفي سفينة، وكلفة صناعة كل منها نحو 7-8 آلاف أوقية من الفضة، بحاجة لدعم من تمويل 13 مقاطعة. لذلك كان نقد مسئولي البلاط الإمبراطوري كثيرا واشتد الضغط، مما أجبر البلاط الإمبراطوري على إنهاء هذه النشاطات.
خامسا، كانت معظم الأدوات التي يحتاجها تشنغ خه في رحلاته البحرية من إنتاج القطاعات اليدوية الحكومية، فأصبح الإمداد صعبا يوميا. في فترة حكم الإمبراطورين هونغ وو ويونغ له، كان نحو 300 ألف حرفي يعملون في قطاعات الحرير والخزف وصناعة السفن الحكومية، كانت أعمالهم إجبارية من أعمال السخرة، كان حماسهم في العمل منخفضا جدا، نهضوا للمقاومة بالتباطؤ في العمل أو الهروب. بسبب كثرة حالات الهروب، لم يتمكنوا من إنجاز المواد التي تحتاجها رحلات تشنغ خه. بسبب تدهور القطاعات اليدوية الحكومية يومياـ فقدت الرحلات البحرية قاعدتها المادية القوية، وأصبح إنتاج كمية كبيرة من المنسوجات الحريرية وصناعة السفن للرحلات البعيدة صعبا، فمن الطبيعي صعوبة استمرار الرحلات البحرية.
إلى جانب ذلك، أدى الفساد السياسي لحكومة أسرة مينغ إلى بروز أزمات اجتماعية متنوعة، كان النهج المحافظ للنظام الإقطاعي الصيني الاستبدادي المبني على أساس اقتصاد الفلاحين الصغار وتغير سياسة أسرة مينغ حول الدفاع البحري وتدهور قواتها البحرية من العوامل التي أدت إلى توقف نقطاع أعمال الملاحة التي بدأها تشنغ خه، كل هذه العوامل شاملة ومتعددة الجوانب، وليست منعزلة بعضها عن البعض أو وحيدة الجانب.
شبكة الصين / يوليو 2005 /